أداء الدبلوماسية المصرية في ضوء تطور العلاقات المصرية ـ الألمانية (2)

الإثنين، 10 يوليو 2017 12:25 ص
أداء الدبلوماسية المصرية في ضوء تطور العلاقات المصرية ـ الألمانية (2)
هانى غانم يكتب من برلين:

لم يكن المناخ العام المحيط بعمل الدبلوماسية المصرية في ألمانيا يساعد على تفاعلها بشكل طبيعي مع مجريات أحداث ما بعد ثورة 30 يونيو، دولاب اليومي والتقليدية في العمل الدبلوماسي، كلاهما سببا صعوبة في مهمة إقناع الجانب الألماني بوجهة نظر الدولة المصرية، بالإضافة أن الدبلوماسية المصرية وقعت أسيرة لحصار محكم للغاية.

كيف نسجت حلقة الحصار الأولي التي طوقت الدبلوماسية المصرية في برلين؟

وبينما تضاربت مفاهيم كثيرة في السنوات الخيرة، وكان من بين هذه المفاهيم الدولة الوطنية، والمشروع الأممي، وأن كل مجتمع له الديمقراطية الخاصة به، وغير ذلك من المفاهيم وتفسيرات، فكان ما هو متبع في الظروف الطبيعية لدى الدبلوماسية المصرية، لم يعد يصلح في مثل هذه الحالة، وخاصة عندما يكون هناك حصار تم نسجه حولها، فقد صرح وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي «حين توليت المنصب للسف الوزارة كانت تايهه، مر عليها عام ل تعرف ماذا تمثل بالضبط، وقد جاء ذلك في معرض حديثه للأهرام الصادر في عددها 1 يوليو 2014، وهذا يدلل على أنه كانت هناك أزمة حقيقة وقعت للدبلوماسية المصرية بشكل عام أما الموقف في ألمانيا كانت فيه ألزمه خاصة جدا اختلطت الوراق، واختلط الحابل بالنابل.

كما أن، فهي تكمن في أنه قد الدبلوماسية المصرية وجدت نفسها فجأة في حصار دبلوماسي، والذي يقود هذا الحصار هم بعض الأطراف الدولية بأدوات، لطرح وجهة مختلفة، هذه القوى لها مصالح قوية مع ألمانيا، وكان يجب على الدبلوماسية المصرية أن تبحث عن أسلوبا، جديدا نظر الدولة المصرية، والدفع بدفوع تعزز وجهة نظرها، التي تداقع الدولة الوطنية، والوصول بهذه الدفوع إلى درجة مرضية من القناع لدى الجانب الألماني لفك هذا الحصار الدبلوماسي فقبل ثورة 25 يناير كان كثير من الألمان ينظر إلي الشعب المصري على أنه مستسلم لنظام حكم مبارك، ولأن الألمان مثلهم مثل الكثير من نظرائهم في البلدان الغربية الخرى وخاصة المجتمع المدني، فهم يرصدون الحريات والديمقراطية في مصر وغيرها من بلدان المنطقة، وبالطبع لتوجد حريات ولا توجد ديمقراطية، وأن «الفساد أصبح للركب» على حد تعبير أحد رجال النظام في ذلك الوقت، وعلى أساس رصد اللمان للحالة المصرية، فقد خرج لدى بعض النخبة في ألمانيا تعبير شهير تداولته فيما بينهم، كان يتعلق بشأن وضع الشعب المصري «من الممكن أن ينهض ويتحرك أبوالهول من مكانه ويثور، إل أن الشعب المصري لن يفعلها»، بل وكانت المفاجأة خرج الشعب وثار، وأعلن عن غضبه.

وقد جاء هذا في أحد التسجيلات لفرد من أفراد الشرطة أثناء خروج الشعب في ثورة 25 يناير «عملها الشعب، وركب، عملها المصريين، وركبوا»، فقد جاءت هذا على غير المتوقع، كما كان يظن الالمان ونظرائهم في الغرب ينظر الألمان إلى كل الأحداث في الفترة من 25 يناير 2011 مع الموجة الاولى للثورة حتى الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013 ، بأنها فترة تنتمي إلى العملية الديمقراطية، وإن ما حدث بعد ذلك هو انقلب على الديمقراطية، وهنا اصطدم مشروع الحفاظ على الدولة الوطنية المصرية بأزمة شديدة، كما صرح لاحقا، وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي عن أزمة الدفاع عن الدولة الوطنية في معرض حديثه للعدد الصادر 1 يوليو من الأهرام «التحدي الحقيقي الذي كان قائما في 30 يونيو وما بعدها هو، كان محاولة استعادة الهوية المصرية واستهداف البعض هذه الهوية، وتحويلها من هوية وطنية إلى هوية أيديولوجية، فانعكس ذلك على جميع أجهزة الدولة وخاصة الأجهزة السيادية التي كان مطلوبا منها حماية الوطن ولم يكن واضحا ما هو الوطن»، فالأزمة كانت ما تطرحه الدبلوماسية المصرية على الجانب الألماني، بأن المشروع المصري ما بعد 30 يونيو هو الحفاظ على الدولة الوطنية، فكان بالنسبة للألمان ما هو إلا نوع أو امتداد لمشروع فاشي، فمصطلح الدولة الوطنية يعبر عن النقيض من الدولة الليبرالية الحديثة، هكذا يرى الألمان، حيث مفهوم الدولة الوطنية يعيد إلى الذهان لديهم التجربة النازية، والتجارب الفاشية الأخرى في العالم، وأنه لا يصلح إلا المشروع الأممي الجديد في المنطقة في إطار التغييرات الحادثة، وذلك من خلل إيجاد صياغة جديدة للمنطقة، التي تأتي على أساس إعطاء فرصة لما يعرف باسم السياسي بأن يقود هذه التجربة.

وبهذا لم يتم الاعتراف بأن 30 يونيو في حد ذاتها هي ثورة على الفاشية الدينية وبهذا تكونت حلقة الحصار الأولى التي طوقت الدبلوماسية المصرية في ألمانيا، حيث المحور الخلقي المرتبط بمجموعة القيم الرئيسة لدى الألمان، وهي «الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان»، وأيضا المسئوليات التي تحكم السياسة العامة الألمانية، حيث الدولة المدنية الحديثة التي يرعاها ويحميها الدستور من خلل مراقبة صارمة، تعتمد على العدل والحقوق والواجبات، حيث أسس السياسة العامة الألمانية، وأي خروج عن هذا يعد جريمة في حق الجميع، فعلى سبيل المثال، أصدر بمنع الدعم المالي عن الأحزاب اليمينية المتطرفة، عقابا لن نشاط وأيدلوجية، البرلمان الألماني قانونا 22 يونيو 2017 لهم، فهذه الأحزاب تتعارض مع قيم الدولة المدنية الحديثة، بل تحض على الكراهية وتقسيم المجتمع، وتؤسس لفاشية فيه.

فقد أخلت هذه الأحزاب بالمبادئ السياسية التي نص عليها الدستور، بل تقوم باستغلالها لصالحه وحالة التوهان التي أصابت الدبلوماسية المصرية، وعبر عنها نبيل فهمي، وأيضا التقليدية في الداء وخلط الوراق والمفاهيم في بعض المنصات العلمية سواء بقصد أو غير قصد، حيث أصبح هناك حالة عقلية، قد تشبع العقل فيها بمعلومات مغلوطة، كل هذا نسج حلقة الحصار الأولى حول الدبلوماسية المصرية، وهي الصعب، حيث القناعات التي تكونت لدى الجانب الألماني على المستويين الشعبي والرسمي، وقد نتج هذه القناعات بسبب خلط المفاهيم. وبالتالي فأي محاولة لفك الاشتباك ولالتباس بين مفهومي الدولة الوطنية، الول هو مفهوم الدولة الوطنية المصرية، والثاني هو مفهوم الدولة الوطنية لدى الألمان وما له من تداعيات ومخاوف، قد أصبح محاولة فك هذا الاشتباك من المعضلات الكبرى التي واجهت الدبلوماسية المصرية، وأصبح الموقف بالغ الحساسية في حاجة إلى مستوى من الداء الغير عادي، حيث التعامل مع سيكولوجية شعب، فيجب مخاطبة وجدان الشعب الألماني بمسؤولية، الذين عاشوا نار الفاشية باسم الوطنية بالمفهوم النازي، والتي مازالت لها أثرها حتى يومنا هذا في الوعي الجمعي الألماني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق