«صوت الأمة» تخترق حصن الكوك العظيم.. «الكوك».. مقبرة تنتظر استخراج كنوزها

الأربعاء، 12 يوليو 2017 09:30 ص
«صوت الأمة» تخترق حصن الكوك العظيم.. «الكوك».. مقبرة تنتظر استخراج كنوزها
مصنع النصر لصناعة الكوك
صابر عزت والسعيد حامد

 أكثر من 13 مصنعا متوقفًا عن العمل.. والقابضة: «يبقى الوضع كما هو عليه»

 

«فوبيا الفساد».. مصطلح يتردد على ألسنة الجميع، وهو ما وضعها فى مكانة تحول دون كشف الفساد وتعريته أمام المسئولين، وربما تورُط بعض المسئولين -عن عمد أو دون عمد- تسبب فى طمس هويته، ما أسهم فى تضخم حالة الفساد واستشرائه شيئًا فشيئًا.

 

أسهم فى انتشار الفساد اعتقاد البعض أن السلطة الممنوحة للرؤساء مطلقة - سيفًا بتارًا يقصف رقاب المكلومين- فسكن فى نفوسهم الخوف والرهبة من الرؤساء، ما تسبب فى توغل يد «الفساد والإهمال»، فيما استل آخر ٌ سيفه ليقف منصب الفارس النبيل الباحث عن القصاص.
 
 
 
لا شك أن «سرطان الفساد»، يقع على عاتق «المسئولين، والمرئوسين»، ولا يمكن حل قضايا الفساد من خلال التركيز على جانب واحد منها.
 
 
 
وأثناء جولة لـ «صوت الأمة»، داخل حصون مصنع النصر لصناعة الكوك، - التابع للشركة القابضة للصناعات المعدنية- حصلنا على وقائع حية لإهمال الصناعة، والتى تسببت فى إهدار الكثير من المال العام، خاصة وأن «الكوك» يعتبر صرحًا صناعيًا ضخمًا.
 
 
 
«نحن موتى أحياء ننتظر النجاة، والنظر  إلينا بعين الشفقة والرحمة، أصابنا العجز الجنسى، والموت هو السبيل للخروج من مقبرة الكوك».. تلك كانت هى الرسالة التى تلقاها محرر «صوت الأمة»، قبل أن يتنكر فى زى أحد العاملين بالشركة ليدخل صرحًا عملاقًا «ربما كان الموت أسهل من اختراق أسواره».
 
 
 
بدأت جلسة الإعداد لاختراق «حصن الكوك العظيم»، على إحدى مقاهى وسط البلد، مع بعض رجال مصنع «النصر لصناعة الكوك»، الذين اتفقوا مع محرر «صوت الأمة»، على التخفى فى زى عامل وأن يستقل معهم إحدى سيارات الشركة.
 
 
 
ومع بزوغ الفجر، وانطلاق الشعاع الأول للشمس، بدأت جولة محرر «صوت الأمة»، لم يكن الغبار وسُحب الدخان ورائحة المواد الكيمائية النافذة، هو فقط ما سيلفت انتباهك حين تخطو قدماك أرض منطقة «التبين»، فحتما ستجذبك تلك اللافتة الكبيرة التى كتب عليها بخط يدوى ردىء وكبير «مصنع النصر لصناعة فحم الكوك».
 
 
 
مرت 5 دقائق- حتى جاءت سيارة الشركة التى اصطحبت «محرر صوت الأمة» فى رحلة استمرت مدة 10 دقائق - حيث يبتعد مقر المصنع العريق نحو كيلو ونصف الكيلو عن اللافتة، والذى يعود تأسيسه لعصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عقب إنشاء شركة الفحم «النصر حاليا» عام 1960 باستثمارات الاتحاد السوفيتى آن ذاك، لتكون إحدى أكبر الشركات فى مصر والشرق الأوسط، ومسئولة عن إدارة 13 مصنعا «مصنع الكوك والأقسام الكيميائية، مصنع تقطير القطران، مصنع النترات الاستراتيجى والوحدة متعددة الأغراض، مصنع الحامض الأسبانى، ومصنع السماد».
 
 
 
أول ما يستقبل الداخل طرقات غير ممهدة تتحطم عليها أى أحلام فى تغيير واقع بائس، وأرض رملية لونها أسود بلون غضب العاملين وسخطهم، وبوابة متهالكة كشاهد أثرى على مقبرة، عليها تجاعيد زمن مر عليها بحكايات ووجوه وعمال مقهورين مضوا ليأتى غيرهم فى دائرة زمنية لا تنتهى، أمام البوابة غرفة صغيرة ينتظر بها بعض أفراد الأمن التابعين لـ «الكوك»، وفى مواجهتها غرفة تنبعث منها رائحة كريهة تزكم أنوف من يفكر فى مجرد المرور بجانبها فضلا عن دخولها، إنها ليست غرفة بل حمام يخص أفراد الأمن، انطلقت السيارة من البوابة عقب أن وقع العاملون فى دفتر الحضور الخاص بالشركة، وبعد نحو 3 دقائق تجولت السيارة خلالها فى المصنع، وصل الجميع إلى غرفة تغيير الملابس، مكان أشبه بمقبرة جماعية، جدرانه محطمة وبها شقوق عظيمة بما يوحى بأنها آيلة للسقوط فى أى لحظة على رأس من فيها، ،مثل أى مقبرة لا بد أن يتصدر الظلام المشهد وتنعدم  الإضاءة فتنعدم معها الروية والأمل فى أى شىء سوى الفرار من هذا الكابوس المتكرر بشكل يومى.
 
 
 
ارتدى الجميع ملابسه مهرولًا، واتفقا على تقسيم أنفسهم حتى يرافق أحدهم محرر «صوت الأمة»، ليكشف له عن أولى كوارث الشركة. فقد ذكرنا سابقًا أن الشركة تضم 13 مصنعًا، إلا أن معظم المصانع داخل الشركة متوقف عن العمل، وأفران إنتاج فحم الكوك -التى لم تتوقف عن العمل- تعمل بقوة 30٪ من قدراتها فقط.
 
 
 
يقول العمال، إن مصنع الكوك يعمل حاليا بـ 30٪ من قدراته الفعلية، بعد أن نجح التهالك والإهمال فى إصابة الماكينات، وتوقفت بطاريتان عن العمل، وسط صمت إدارة الشركة، التى امتعنت عن القيام بأعمال الصيانة منذ سنوات. الغريب أن موقع الشركة الرسمى على الإنترنت ذكر أنه تمت إعادة بناء البطارية الأولى والثانية فى الفترة من عام 2000 إلى عام 2006، إلى جانب إطلاق مشروع لتطوير وبناء البطارية الثالثة وتشغيلها قبل حلول عام 2018، رغم أن على أرض الواقع يعمل المصنع بطاقة بطارية واحدة، لا تعمل هى الأخرى بكامل كفاءتها (تعمل بقوة 17 فرنًا من أصل 56 فرنا بدرجة حرارة 2000مئوية).
 
 
 
لا تعانى «البطاريات» فقط فى الشركة من الإهمال والتهالك وحدها، حيث بدا أن الإهمال لم يفلت من أنيابه أى مصانع داخل مجموعتها الصناعية، فمستندات مصنع «الحامض الإسبانى» وأوراقه الرسمية تأكلها الفئران بعد إنهاء عمله وتسريح عماله بقرار تعسفى، ومصنع «الحامض الأسبانى» هو أحد المصانع المكملة لمصنع «السماد»، الذى كان توقف عن العمل منذ 13 عاما، قبل أن تقرر الشركة عقد صفقة مع بعض المستثمرين الأجانب لإنشاء مصنع سماد جديد عبر الاستعانة بنحو 70٪ من ماكينات المصنع القديم- عاد العمال بالطبع- نظير نسبة من الأرباح.
 
 
 
المفاجأة الكبيرة كانت معرفة أسباب غلق مصنع الحامض، بعد أن كشف العمال أن المصنع توقف بسبب شرخ فى«الحلة» يتم خلط المواد الكميائية داخلها، وعجزت الشركة المصنعة عن توريد «حلة» جديدة، فى حين أكد العمال أن الحلة تصنع فى مصر يدويا بتكلفة لا تتجاوز السبعة آلاف جنيه، إلا أن رئيس القابضة أبى إلا أن يغلق المصنع، ليتبعه مصنع السماد الذى كان مصنعا مكملا لمصنع الحامض الأسبانى.
 
 
 
يقول أحد العمال ساخرًا، «إذا كانت ماكينات مصنعنا القديم تستطيع العمل فلماذا تم غلقه وإعادة بناء مصنع آخر.. يبدو أنهم أرداوا  تسريحنا فقط بعد أن ضرب العجز الجنسى كثير منا نتيجة التعرض للمواد الكميائية واختفاء الرعاية الطبية، فقرروا التضحية بملايين الجنيهات لا ليمنحونا حقوقنا ولكن لإنشاء مبنى جديد». 
 
 
 
عقب هجمات العمال المتواصلة والشكاوى التى رفُعت إلى القابضة ووزير قطاع الأعمال، ظهرت مخططات التطوير، الحلم الذى داعبت بها القابضة للصناعت المعدنية العمال.. «مشروع إنقاذ شركة الكوك من عثرتها، ذلك عبر إنشاء بطارية ثالثة ومحاولة صيانة البطاريتين التى توقفت إحداهما عن العمل نهائيا وتوشك الأخرى أن تلحق بها»، والغريب أن مخططات التطوير ظلت حبيسة الأدراج بسبب ادعاءات واهية- على حد وصف العمال.
 
 
 
يقول أحد العمال: بقى تمويل المشروع «الطموح» أسير  العجز المالى لشركة الكوك، بعد فشلها الذريع فى الحصول على مديونياتها وخسارتها الفادحة جراء قرار تخفيض الأسعار بأثر رجعى، لتلجأ إدارة الشركة إلى البنوك للحصول على قرض لتمويل المشروع، إلا أن الشركة أوقفت المفاوضات على القرض فجأة وفى خضم الاتفاقات النهائية، دون إبداء أسباب، لتعاود الاتصال بعدها بالبنك العربى الإفريقى للحصول على قرض. يؤكد العمال، أن ممثلى الشركة جلسوا مع مسئولى البنك العربى مرتين، وتم الاتفاق على تمويل المشروع بنحو 77 مليون يورو «ما يعادل نحو 850 مليون جنيه مصر ى آنذاك» قيمة المكون الأجنبى، وأرسلت الشركة خطابات رسمية للبنك تخطره فيها بالموافقة على العرض المقدم من البنك، فيما طلب البنك موافاته ببعض المستندات والأوراق.
 
 
 
التكلفة الاستثمارية لمشروع إعادة بناء وتأهيل البطارية الثالثة بطاقة إنتاجية 560 ألف طن كوك سنويا لعدد 65 فرن، وفقا لتقديرات الشركة الرسمية بلغت مليارًا وستين مليون جنيه، بالإضافة إلى 300 مليون جنيه مقابل أعمال التركيبات ومشتريات محلية تقوم الشركة بتمويلها، فى حين لا يغطى القرض الذى تفاوضت الشركة عليه تكلفة المشروع، ما يعنى أن الأمر لم يكن إلا شو إعلامى أراد به المسئول الكبير التغطية على قراراته الكارثية التى تضرب شركة من أعرق الشركات فى الشرق الأوسط- على حد وصف العاملين. عقب جولة التطوير المزعوم، ثار عمال الشركات التابعة للقابضة للصناعات المعدنية -الكوك، الحديد والصلب، النحاس، الألومنيوم.. إلخ- ضد رئيس القابضة للصناعات المعدنية آنذاك المهندس زكى بسيونى، الذى ظل صامدا فى منصبه رغم كل التغييرات التى شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير، ولم يستطع أى وزير أن يكسر شوكته القوية ونفوذه المتغلغل فى مفاصل الدولة المصرية، رغم كل الخسائر التى منيت بها 14 شركة هى مجموع الشركات التى خضعت لإدارته قرابة الـ11 عاما، حتى تقدم المهندس زكى بسيونى باستقالته إلى وزير قطاع الأعمال، وتم تعيين المهندس سيد عبدالوهاب، رئيسا للشركة القابضة للصناعات المعدنية، خلفا له، لتبدأ الأوضاع في التحسن تدريجيا خاصة بعد تولي المهندس خالد مصطفى الأنصاري رئاسة شركة الكوك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة