في ذكري وفاة محمد عبده.. تعرف على حياة رائد حركة الإصلاح

الثلاثاء، 11 يوليو 2017 05:21 م
في ذكري وفاة محمد عبده.. تعرف على حياة رائد حركة الإصلاح
الشيخ محمد عبده
إسراء سرحان

«من لا يذوق لذة العمل الاختياري لا يذوق لذة الراحة الحقيقة، لأن الله تعالى لا يضع الراحة بغير عمل»، كانت مقولات عالم الدين محمد عبده، نابعة من منهجه الذي يقتضي به في مسيرته، في ذكرى وفاته اليوم الثلاثاء، نستعيد مجهوداته في إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر، وقضى على الجمود الفكري والحضاري.

المنهج الإصلاحي للإمام

حينما تولّى الخديوي توفيق العرش، تقلد رياض باشا رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح الوقائع المصرية، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم محمد عبده إليه سعد زغلول، وإبراهيم الهلباوي، والشيخ محمد خليل، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ محمد عبده هو محررها الأول، وظل الشيخ محمد عبده في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل الوقائع منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.

وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:

الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام محمد عبده والزعيم سعد زغلول ممن يمثلون هذا التيار.

 الثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم أديب إسحاق.

وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول.

الإمام والثورة العرابية

وعندما اشتعلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان عبد الله النديم من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة.

وبالرغم من أن محمد عبده لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.

من بيروت إلى باريس

انتقل “محمد عبده” إلى “بيروت” سنة (1300هـ = 1883م)؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة “العروة الوثقى” التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين.

لقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله، واستطاع الإنجليز إخماد صوت العروة الوثقى الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددًا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ محمد عبده إلى بيروت سنة (1302هـ ،1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة العروة الوثقى، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى فارس.

وكان على محمد عبده، أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح نهج البلاغة ومقامات بديع الزمان الهمذاني، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد بيروت، ثم دُعي للتدريس في المدرسة السلطانية ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة ثمرات الفنون عددًا من المقالات تشبه مقالاته في الوقائع.

وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي “توفيق”، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم: سعد زغلول، والأميرة نازلي، ومختار باشا، صدر العفو عن محمد عبده سنة (1306هـ ، 1889م)، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانة.

العودة إلى مصر

كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ محمد عبده إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ محمد عبده قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى اللورد كرومر نفسه، فحقيقة الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر.

وكان الشيخ محمد عبده يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ 1895م).

بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في عابدين- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية.

يذكر أن «محمد بن عبده بن حسن خير الله» ولد فى في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة لأب تركمانى وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية، ودرس بطنطا إلى أن أتم الثالثة عشر والتحق بالجامع الأحمدي، ثم بالجامع الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية في عام 1877م، عمل مدرسًا للتاريخ في دار العلوم عام 1882م.

أبرزه مؤلفات محمد عبده هى رسالة التوحيد، تحقيق وشرح «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة» للجرجاني، الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية، تقرير «إصلاح المحاكم الشرعية» 1899م، شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني، وشرح مقامات بديع الزمان الهمذاني.

وتوفي «محمد عبده» بعد معاناة من مرض السرطان يوم 11 يوليو 1905، عن عمر ناهز الـ56 عامًا، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق