في التناول الغربي للإرهاب الأسود

الخميس، 24 أغسطس 2017 10:51 م
  في التناول الغربي للإرهاب الأسود
حاتم العبد يكتب :

في تماديه في دناءته وفِي استمراره في وضاعته وفِي مكوثه في حقارته، طلَّ الإرهاب الأسود بوجهه القميء من جديد على أوروبا وبالأخص هذه المرة على أسبانيا، وكانت مسرح الجريمة، المدينة الجميلة الهادئة السياحية بامتياز برشلونة. 

ثمة من الدلائل ما يثبت أن الإرهاب فضلًا عن كونه لا دين ولا وطن له، فلا عقل له أيضًا. إذ ما الهدف من استهداف المدنيين الآمنين ؟! نحن هنا لا ندافع البتَّة عن استهداف العسكريين، لكننا نحلل مسلك من لا إنسانية ولا دين ولا عقل لهم. 

وإذا ما تقوَّلوا بأنه ردًّا على فترة الاستعمار، فماذا قولهم عن إسبانيا وتاريخها الاستعماري ؟!

قبل ذلك بأيام وقعت حادثة إرهابية أخرى من نوع مختلف في فرنسا بالقرب من باريس العاصمة. إذ اقتحمت سيارة خاصة لمطعم بيتزا مما أدّى إلى وفاة طفلة وإحداث عدد من الإصابات في صفوف المتواجدين في المطعم وقتئذ. 

ما يجب الثناء عليه وذكره هو التناول المهني للواقعة منذ لحظة حدوثها حتى الإعلان عن الفاعل وكشف هويته. إذ لم يبادر أي مسؤول بتصريح قبل أن يلتقط الدليل القاطع على الفاعل وغرضه، وكذلك فعل الإعلام الفرنسي، إذ التزم الحيادية والموضوعية والمهنية في ذلك. 

وقد تابعت القنوات الفرنسية الرئيسيّة تلك الليلة، ولم تختلف سياسة إحداهن عن الأخريات. جميعهن من افترض إرهابية الواقعة، لكن إلى جانب احتمالية جنائيتها، أو أي دافع أو باعثٍ آخر، لم ألحظ تفرُّد قناة تحكم مُسبقًا على الواقعة بالإرهاب !! 

كذلك الحال على المستوى الرسمي، إذ تجلّت أزهى صور الموضوعية والاختصاص والفصل بين السلطات، فمن ناحية عزوف الجميع- كما أوضحنا- عن الإدلاء بأي تصريحات مسبقة، ومن ناحية أخرى وهذا هو الأهم هو أن ممثل النيابة العامة المختصّ هو من أدلى بالقدر المسموح به بطبيعة الحال عن الواقعة ودوافعها وأسبابها...

كان بمكنة السلطات الفرنسية أن توظّف الحادثة سياسيًّا وتسوّقها إعلاميَّا لكنها لم تفعل !! كان بمكنة ماكرون أو رئيس وزرائه الافتئات على اختصاص سلطة الادعاء والظهور بمظهر حامي الحمى ولكنهما لم يفعلا...

ولكن لماذا ؟!

في واقع الأمر وحقيقته أنّ الإجابة على السؤالين السابقين واحدة، وهي أنّ وعي الشعب وتمسكه بالديمقراطية خيارًا وبالمبادئ عنوانًا هو من أدّى إلى تلك نتيجة. 

فمن ناحية، إذا ما تناول الإعلام الواقعة على أنها إرهابية، ثم ثبت عكس ذلك ؛ فسيكون الجزاء فوري ورادع من المشاهد الواعي المستنير، سوف ينصرف عن مثل هذا إعلام ! لن يثق فيه بعد ذلك، وهنا تكون مصداقيته هوت إلى قاع اللا عودة، ثم إنها التربية الإعلامية الموضوعية بافتراض كافة الاحتمالات وتحليلها بنفس القدر من الاهتمام... ولا يقدح من ذلك الجنوح نحو تحليل ما، المهم هو عرض كافة الاحتمالات...

ومن ناحية السلطة، فهي الديمقراطية وما تتطلَّبه من فصلٌ بين السلطات وأيضًا من احترامٍ عقل وفكر المواطن، وإلّا سيكون الجزاء على مقصلة صندوق الانتخابات... احترمت السلطات المعنية اختصاصاتها الدستورية ؛ فاحترامها شعبها...

ثم إن التوظيف السياسي لتلك الواقعة فيه من الضرر أكثر ما فيه من النفعيَّة اللحظيَّة، إذ ستتكشّف الحقيقة يومًا ما، ولن يطول، وساعتها سيكون الفاعل أمام خزينة دفع الفواتير باهظة الثمن !! ثم إنه في جميع الأحوال سيكون الأمن الداخلي معّرض للخطر، وسيفسَّر ذلك على كونه عنصرية دميمة مقيتة مما يفتح الباب على مصراعيه أمام طريق اللا عودة... !!

قد تكون المهنية على النقيض من المشاعر والأحاسيس لكنها ستبقى الحامي للحقوق والحريات. 

في وجيز من القول : أن الديمقراطية والحريّة هي الضامن الحقيقي لحفظ والأمن والاستقرار والسلم الأهلي، ديمقراطية النظرية مقرونة ومتبوعة بديمقراطية التطبيق !! 

 

يُتبع...

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق