بطن البقرة حكايات بين دهاليز الجبال.. نساء حارة المغربي لا يعرفن المستحيل.. حولن القمامة لأحلام يتاجر بها المرتزقة

الإثنين، 28 أغسطس 2017 09:11 م
بطن البقرة حكايات  بين دهاليز الجبال.. نساء حارة المغربي لا يعرفن المستحيل.. حولن القمامة لأحلام يتاجر بها المرتزقة
بطن البقرة حكايات من دهاليز الجبال
منال العيسوى

يملؤون الشوارع والطرقات، نراهم حين نغدو أو نجىء، يعتلون «عربية كارو»، وكل واحده منهن بجوارها ولد أو بنت وخلفها صندوق خشبي يملؤها الورق الكارتون أو أجولة القمامة، يتحركون في ثبات وحذر وخوف.. هن النساء العاملات في «جمع وفرز المخلفات».
 
بعد نهاية كوبري العاشر الممتد من كورنيش المعادي حتى طريق الجيارة والفسطاط الجديدة، على يمينك يبدأ مشروع تطوير مدينة الفواخير، بزخارفة الرائعة وديكوراته المبهرة، كحاجز يفصل بين الحياة والموت والقبح والجمال، على بعد خطوات خلف المبانى ذات القباب والتى كلفت محافظة القاهرة الملايين تقع منطقة بطن البقرة أقدم مناطق مصر القديمة، التي نحتت الجبل وحولته لحواري وعشوائيات وممرات لا يعرفها سوى أصحابها، الكل يعمل في الصباح وخلف الأبواب ليلا الكل يغلق بابه على أسراره وحكاياته.
 
«صوت الأمة» التقت الأرامل والمطلقات بحارة المغربى واستمعت إلى حكايتهم وأحلامهم وسط العمل في فرز القمامة وجمعها، وكشفن أسرار المقايضة بأصواتهن في الانتخابات وسبل توزيع الإعانات الخيرية على يد أباطرة الحارتين.
 
 
وسط المنازل المبنية بالخشب والصفيح والطوب الأحمر، المقفولة على أصحابها التي لا يدخلها غريب مثلى إلا تائها أو باحثا أو من رجال الحكومة، أكوام القمامة تسيطر على المشهد ومياه المجاري تحيط المنازل وحكايات عن لعب الأطفال بالثعابين والعقارب فالمنطقة في قلب الجبل، يعيش فيها أكثر من 3000 أسرة معظمهم يكسبون رزقهم يومًا بيوم في أعمال مختلفة مابين جمع القمامة وفرزها وتدويرها، وجمع الكاوتش والبلاستيك والفخار، فيما توصم المنطقة بتجارة المخدرات في وضح النهار تحت أعين الجميع.
 
وسط كل هذه التفاصيل تجد أسماء مختلفة للحوارى، لكن اليوم مقصدنا حارة المغربى، وهي من أقدم الحوارى التي كان يسكونها رجل مغربى واستقر بأحد البيوت التي اندثرت وتحولت لحكر يقيم فيها المئات من الاسر التي تعولها نساء ارامل ومطلقات.
 
ففي الصباح يفترشن عتبات بيوتهن بحثًا عن نسمة هواء خارج الجدران الضيقة لحجراتهن محدودة المساحة، ويتبادلن الشكوى والنكات، وأخبار المنطقة وفي الليل تغلق كل منهن عليها باب حجرتها. 
 
وعند مدخل الحارة الممتدة بين ممرات بيع التماثيل والتحف المصنوعة من الجبس تخرج الأطفال والنساء على مرمى النظر للكبار الذين يستقرون على مدخل الحارة يلتقتوط المتبرعين، ورجال الأعمال واعضاء، البرلمان المرشحون للانتخابات والجمعيات الخيرية، واحيانا يصطحبون بعض القنوات الفضائية والصحفيين الأجانب ليدلوهم على الاسر الأكثر فقرا ويقودوهم في جولات بالممرات وكسر حاجز الخوف عند الاهالى والتقاط الصور ثم ترويجها في موضوعات صحفية تسىء لمصر. 
 
الأهالي يعرفون هؤلاء الأشخاص بالاسم، وهن من النساء بمنطقة السحلة أو حارة خوخة أو حارة المغربي الذين يظهرون عليهم كل فترة لتوزيع بعض الإعانات.
 
وعن أسرار المقايضة باصواتهن في الانتخابات تحدثك شوقية 54 عاما، قائلة الحارة لا بدَّ وأن يكون لها كبار يتحكمون فيها ليس فقط في الرزق ولكن أيضا في عقد الصفقات المرتبطة بشراء الاصوات والمشاركة في الانتخابات، أو مشروعات تنموية يستهدف تنمية الأطفال والنساء هنا.
 
عند هذا الحد يبدو الأمر طبيعيا، لكن هذا لن يتم لوجه الله أو بدافع الاحساس بفقر من يعيشون في المنطقة، وإنما دائما له مقابل، حيث أكد بعض الاهالى، أن اقتسام الاعانه اجبارى بعد رحيل المتبرع.
 
وتروي أم احلام أحد ساكنات حارة محمد المغربى ببطن البقرة، ان الاهالى دائما يقلقون من الغرباء ولا يفتحون لهم ابوابهم الا في حال وجود أحد من المنطقة معهم، والحاجة دائما تجعلهم يضطرون لقبول الاعانات واقتسامها مع من يحضرهم للمنطقة بعد رحيله، سواء كان التبرع بالمال أو بالشنط الغذائية.
 
أما أم حسين فتروى قصتها لمده 23 عاما قائلة: أنا قاعدة في بطن البقرة من 23 عاما، مفيش ولا ميه ولا مجاري ولا مستشفيات، حتى رغيف العيش بنجيبه بنص جنيه وصغير جدا، ومفيش مدارس العيال بتيجي تعدى الطريق العمومي علشان تروح المدرسة بتخبطهم العربيات وبتحصل حوادث كتير، ومعندناش مجاري عندنا "طرنشات" ولما تيجي العربيات تنزح الطرنش بتاخد 100 جنيه والمنطقة كلها حشرات وثعابين وعقارب، امبارح كنا قاعدين لقينا ثعبان داخل البيت والواد الصغير قعد يلعب بيه ".
 
وتلتقط منها أم روبعه خيط الحديث قائلة: الحكومة معملتشي حاجه من 30 عاما بتقول تطوير ومفيش جديد قالوا محمد صبحى بيلم فلوس علشان يطور العشوائيات ومشوفناش منهم أي حاجه أنا معايا 6 عيال بجيب قرض بـ1000 جنيه وبدفع 45 جنيها كل أسبوع وبييع شوية حاجات في دكانه صغيرة علشان أربي العيال.
 
وتكمل أم روبعه حديثها حول الفقر الذي يحوجها للسكوت عن المعايرة اليومية التي تلقيها عليها إحدى السماسرة في الراحه والجاية قائلة " كيلو اللحمه بـ70 جنيها في الجيارة، احنا مابناكشلي اللحمة، حتى كيلو الفراخ 20 جنيها والوراك غليت وكل حاجة غليت أجيب منين لحمة لـ6 عيال حتى زجاجة الزيت بـ20 جنيه فبنضطر ناخد اللى يجى من باب الله ونتحمل المعايرة وقلة القيمة ".
 
المرض يعرف طريقه لكل غرفه في حارة محمد المغربى، فالطرانشات داخل البيوت والرائحة وحشة جدا، ومعظم أهالي المنطقة يعانون من مرض فيروس سي والفشل الكلوي بسبب المياه الملوثة بالإضافة إلى انتشار الحشرات السامة مثل العقارب والثعابين، المنطقة دون مدارس نسبة الأمية هنا 70%. 
 
أما دعاء التي تعيش وسط أكوام القمامة التي تفرزها، فتقول أنا قاعدة في أوضة وشغالة في الزبالة، ومعايا 3 بنات عايزة أعمل أي حاجة أسعد عيالي، المشاكل حشيش وبرشام وضرب نار، والنور بيقطع 3، 4 مرات في اليوم وابنى لما قرصته عقربة ما فيش مستشفى تلحقه.
 
تحدثك نساء الحارة دوما عن "رشا العمدة" هي إحدى النساء التي تعمل في السمسرة على الغلابة ورغم ذلك لها مكانتها بين جاراتها على الرغم من صغر سنها الذي لم يتعد السابعة والثلاثين، فلا تكتفى بمعايرة النساء بما تأتى به لهم من اصحاب التبرعات، لكن أيضا تحرم عليهن مقابله أي متبرع قبل أن يرسلوا لها في السحلة لتحضر التوزيع.
 
لكن استطاعت ايمان سعودى ان تتخذ لها أيضا مكانا في المنطقة فهى صديقة لرشا العمده وتعلمت فن التفاوض على الحصول على أكثر مكاسب لنساء الحارة، فايمان لديها ابنان، سيّد، البالغ 16 عامًا، وشيماء الصغيرة ذات الأعوام الثمانية، تركها زوجها وطفش منذ عامين فتقول: فجأة اختفى، خرج الصبح رايح شغله على العربية الكارو ومرجعش، وسابلي سيد وشيماء، بسبب تُخني اللي الكل بيتريق عليه، حتى اللي بشتغل عندهم مسمييني التخينة، بس مضطرة اسمع واسكت علشان اعرف ألم فلوس مدارس العيال وإيجار الغرفة.
 
لا تختلف الحكايات كثيرا، وتظل التفاصيل مشابهة لكن نساء حارة المغربى فلك واحدة تفاصيلها الخاصة وقصة نجاح تستحق أن تؤهلها للفوز بلقب للتحدي، حيث تجلس صالحة التي لا يتجاوز عمرها 39 عاما، تروى لك كيف توفي زوجها عبد الله وتركها وحيدة تعول أطفالها الأربعة ثلاثة بنات وولد، واللذين تتراوح أعمارهن من 4 إلى 8 سنوات، أمّا الولد الوحيد، فلم يتجاوز عامه الثالث.
 
ووقفت صالحة تحكى كيف اصبحت قمامة الناس مصدر رزق لا يتجاوز 800 جنيه شهريا، تعيش منه هو واطفالها، حيث تجمع صالحة البلاستيك والورق والكرتون من القمامة وتفرزها مع أولادها ثم تسلمها لورش إعادة التدوير في حي "منشية ناصر" القريب.
 
أما الحاجة ساجدة والتى تجاوز عمرها الـ60، ظلت لأكثر من 15 عامًا تعيل وحدها أبناءها التسعة، بعد وفاة زوجها الذي لم يترك لها سوى عربة كارو تجمع عليها الكارتون والورق من شوارع القاهرة، وتبيعه بجنيهات قليلة تضمن لها حياة متواضعة واستطاعت أن تزوج 5 من بناتها وأصبح الاربعة الباقون قادرين على إعالة أنفسهم.
 
لم تجروأ إحدى النساء معايرة الاخريات بوضعها، لان الكل شقيانين وتعابنين وفاتحين بيوت، على حد قول «أم يحيى»: الهم طايلنا، وكلنا زي بعضينا، ولايا مكسورات الجناح عايشين من غير رجالة، اللي جوزها مات أو عيان، واللي سابها وطفش بسبب الفقر برضه.
 
بالدور الثاني الذي تصعدة على سلم خشب مسنود على عروق خشب ومتليس بالطين، تسكن أم تغريد مع بناتها الاثنين تغريد ورقية على معاش التضامن الاجتماعي البالغ 413 جنيه، وتفكر في كيفية تحقيق أحلام ابنتيها بدراسة الطب والرسم بهذا المبلغ، ترملت أم نعمة قبل خمس سنوات، واستأجرت حجرة في حارة خوخة وبين الحين والآخر تشتري الأعلاف للحيوانات بالقسط، وتبيعها لمربي الحيوانات. 
 
وفي الغرفة التي لا ترى لها شباكا، لم يشفع مرض أم أحمد لزوجها حتى يبقى معها، بل تركها هي وأطفالها الأربعة منذ 20 عاما حتى وصل عمرها 60 عام، لتتحمل مسؤلية تربية ولادها من جمع وفرز القمامة، واستطاعت تزويج ابنيها وبنتيها، وبقيت وحيدة في غرفة صغيرة، تحلم بأن تضيف إليها بوتاجازًا وثلاجة صغيرة لحفظ الدواء وشرب المياه الباردة في الصيف. 
 
أما حارسة الأسرار للحارة «أم وحيدة» التي لديها مخزون من الحكايات لا ينتهى، فهي أقدم أرملة بالحارة منذ سنوات طوال لم تستطع حصرها، لديها تسعة من الأولاد نجحت في تزوجيهم جميعا ولديها 10 أحفاد.
 
تحكي لك حكاية ابنتها التي عادت لها بعد سنوات قليلة من زواجها، حيث مات زوجها الأول، وأخذ أهله أولادها وطردوها دون إعطائها وثيقة وفاة زوجها.
 
وفشلت خطة زواجها للمرة الثانية بسبب عدم وجود وثيقة وفاة لزوجها السابق، فلجأت للزواج العرفي، وبمجرد حملها اختفى الزوج الثاني، لتعود للمرة الثانية لمنزل أمها حاملة ابنتها صغيرة دون نسب ودون إثبات، لتضيف بحكايتها تلك فصلًا آخر للمآسي التي لا تنقطع في حارة النساء. 
 
ووسط الحياة البائسة يخرج أطفال شداد رجال بمعنى الكلمة يدركن ما تعانيه أمهاتهم فيقول فارس: «دول أشد من الرجال، في الحارة كل واحد فينا له لأكتر من أم، وكلنا عارفين بعض وبنخاف على بعض وعمر ما يبقى فيه مناسبه عند حد الا ونتشارك واتحداكى لو قدرتى تعرفى مين صاحب المناسبة.
 
يلفت نظرك وأنت تمر بالمنطقة جلوس النساء أمام أبواب الغرف عله بحثًا عن نسمة هواء خارج الجدران الضيقة أو ليتبادلن الشكوى والنكات البذيئة، لكن رغم الهم والفقر الكل يضحك فالضكحة تهون كل صعب هذه سياستهن وفلسفتهن في الحياة تحت شعار «لسة الاحلام ممكنة».
 
 
 
 
بطن البقرة (1)
 

 

بطن البقرة (2)
 

 

بطن البقرة (3)
 

 

بطن البقرة (4)
 

 

بطن البقرة (5)
 

 

بطن البقرة (6)
 

 

بطن البقرة (7)
 

 

بطن البقرة (8)
 

 

بطن البقرة (9)
 

 

بطن البقرة (10)
 

 

بطن البقرة (11)
 

 

بطن البقرة (12)

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة