نوح..النبى الذى مات وكل أهل الأرض مؤمنون

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
نوح..النبى الذى مات وكل أهل الأرض مؤمنون
صورة جرافيك لسفينة نوح
محمد المسلمى

أول رسول أرسله الله إلى البشر، لم يعرف اليأس طريقا إلى قلبه، فجعل من الصبر سندا وجلداً فى طريق الدعوة إلى الله، وعرف عنه الاستقامة والخلق الرفيع، وحسن الرد وقوة الحجة، حتى أن الله تعالى قد ذكره فى القرآن الكريم فى 43 موضعا، فضلا عن سورة باسمه، وصنفه الله مع الرسل أولى العزم.
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس، وينتهى نسبه إلى سيدنا شيث بن آدم عليهم جميعا سلام الله.
 
قبل أن يبعث نوح بسنوات طويلة، كان هناك قوم مؤمنون بالله، وبعد موتهم حزن عليهم الناس، وصنعوا تماثيل تكريما لهم حملت أسماء أصحابها « ودّ، سواع، يغوث، يعوق، نسرا»، حتى أصبحث هذه التماثيل رمزا لتعظيم الأموات، إلى أن توارثت الأجيال ودخلوا فى عبادة هذه الأصنام واتخذوا منها آلهة، ظنا منهم أنها تملك النفع، من هنا بعث الله النبى نوح لهداية هؤلاء القوم ليرشدهم إلى الطريق الصحيح وعبادة الله، فبعث إلى قوم «بنى راسب»، وبدأ دعوتهم إلى عبادة الله فقال «ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره»، لكنهم كذبوه فحذرهم من عذاب النار قائلا: «إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم»، ليضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية وحقيقة البعث بأن هناك إلها واحدا فقط يستحق العبادة وهناك موت ثم بعث ثم يوم القيامة «يوم عظيم».
 
استمرّ فى دعوته ولم ييأس من روح الله رغم ما تعرض له من أذى، واتبعه القلة من فقراء قومه يقدرون بـ 80 نفسا، وكان من بينهم أبناؤه الثلاثة «سام، وحام، ويافث»، أمّا الابن الرابع فلم يتبعه، وأصر قوم نوح عليه الصلاة والسلام على الكفر والعصيان، والعناد بوجه الحق، وحاربوا كل الضعفاء الذين آمنوا مع نوح.
أخبر نوح عليه السلام قومه أنه لا يرجو من وراء دعوته إلى الله سبحانه وتعالى أى أجر، بل أنه يبتغى كل الأجر من الله وحده، قال سبحانه وتعالى: «وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين»، فما هو إلا عامل لله، ومبلِغ لرسالة ربه، غير أن قومه لم يستجيبوا له، ووصفوا ما دعاهم إليه بالضلال، فقالوا: «إنا لنراك فى ضلال مبين».
 
ورد نوح عليهم ليخبرهم بأنه رسول من الله ليبلغهم رسالته «قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»، لكنهم أصروا على عنادهم، وكفرهم، وشركهم بالله وحده، قال سبحانه وتعالى: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا».
 
لم ييأس نوح واستمر فى دعوة قومه إلى الله ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم وعاما بعد عام، ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله فى الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستكبروا عن سماع الحق، واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.
 
وجاء يوم أوحى الله إلى نوح، أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأوحى الله إليه أن لا يحزن عليهم، «وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَع الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا»، ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك «وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا»، وبرر نوح دعوته بقوله «إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا».
 
وأوحى الله إلى نوح أن يصنع سفينة «بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا» أى بعلم الله وتعليمه وطبقا لتوجيهاته، وأمر الله سيدنا نوح «وَلا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»، وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة، انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، وبدأ صنع سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة، واختلف المفسرون فى حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها، ومدة عملها، والمكان الذى عملت فيه، ومقدار طولها، وعرضها.
 
كان نوح وهو يبنى السفينة، يمر عليه الكفار فيرونه منهمكا فى صنعها، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار.. كيف ستجرى هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجرى على الأرض؟ أين الماء الذى يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم منه، وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا!
انتهى نوح من صنع السفينة، وجلس ينتظر أمر الله، حتى أوحى الله إليه أنه إذا فار التنور فهذه علامة على بدء الطوفان، قيل فى تفسير التنور أنه بركان فى المنطقة، وقيل أن الفرن الكائن فى بيت نوح، إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة. 
 
وجاء اليوم الرهيب، وفار التنور، فأسرع نوح يفتح أبواب سفينته ويدعو المؤمنين إليها، تنفيذا لأمر الله تعالى بأن يجعل فى السفينة من كل زوجين اثنين من المخلوقات.
 
وبدأ صعود السفينة، وصعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد كل من آمن بدعوة نوح، الإيمان بالله الواحد الأحد، فترك خلفه زوجته وابنه الرابع، فكانا مع القوم الضالين الكافرين.
 
ففتحت ينابيع المياه من الأرض، وانهمرت الأمطارا الغزيرة من السماء بكميات لم ولن ترى الأرض مثلها، والتقت أمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة، وفقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض بمن عليها.
 
 وهنا نادى نوح ابنه قائلا «يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ» رد عليه «سَآوِى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَاء»، قال نوح «لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ»، حتى انتهى الحوار بينهما «وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ».
 
استمر الطوفان يحمل سفينة نوح عاليا، وفى كل علو، كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا، لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبى من سفينة نوح.
 كان الطوفان مروعا يدل على قدرة الخالق، وكانت السفينة تجرى بهم فى موج كالجبال، ويعتقد بعض علماء الجيولوجيا إن انفصال القارات وتشكل الأرض فى صورتها الحالية، وقعت نتيجة طوفان قديم جبار ثارت فيه المياه ثورة غير عادية، حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.
 
استمر طوفان نوح زمنا حتى صدر الأمر الإلهى إلى السماء أن تكف عن الأمطار وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودى، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل فى العراق، طهر الطوفان الأرض وغسلها «وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِى مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
 
وبعد انتهاء الطوفان، تحركت عواطف الأبوة داخل نوح ودعا ربه أن ينقذ ابنه «وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين»، قال سبحانه وتعالى «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ».
 
واستغفر نوح ربه وتاب إليه، فأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته، بعد نجاتهم من الطوفان، ليبدأ الحياة من جديد، وتسجل تلك اللحظة فى التاريخ البشري، الأرجاء كلها كانت تدين بدين واحد فقط، هو دين الإسلام، وتعبد إلها واحدا فقط، هو رب السموات والأرض، رب العالمين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق