أيوب..منادى الله.. نبى الصبر والكرامات

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
أيوب..منادى الله.. نبى الصبر والكرامات
صورة
حسن شرف

«يا صبر أيوب».. هذه الجملة التى تناقلتها الأجيال على مدار عشرات القرون، تقدم لجيل بعد الآخر، قصة نبى الله أيوب الذى صبر واحتسب، حتى بات صبره مثالا يحتذى به، ورجاءً يرجوه كل من يتعرض لاختبار وابتلاء.
 
قصة نبى الله أيوب، عليه السلام، من أعظم القصص التى ذكرها سبحانه وتعالى فى قرآنه، والتى بها عبرة رائعة نقتدى بها ونطبقها فى حياتنا، حيث عبرت القصة عن مدى صبره على ما ابتلاه رب العالمين من بلاء المرض، حيث قال سبحانه وتعالى فى سورة الأنبياء «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ».
 
يعود نسب سيدنا أيوب عليه السلام إلى سيدنا إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وذلك كما ورد فى قوله تعالى «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ» (سورة الأنعام).
 
كان سيدنا أيوب عليه السلام يمتلك أموالا هائلة، حيث كان يمتلك العديد من المواشى والأنعام والعبيد والأراضى الواسعة، وكما ورد فى كتاب قصص الأنبياء لابن كثير فقد كانت أرض الثنية من أرض حوران فى بلاد الشام ملكا له، كما كان لديه الكثير من الأبناء والأقارب.
 
أراد الله أن يختبر صبر سيدنا أيوب عليه السلام فابتلاه بمرض لم يبقه سليما إلا فى قلبه ولسانه، كما أنه فقد أبناءه وخسر أمواله الطائلة التى كان يمتلكها حتى أصبح رجلا ضعيفا لا حول له ولا قوة، ولم يعد أحد يزوره من أقاربه وأصدقائه سوى زوجته التى كانت له زوجة صالحة وبارة به ظلت ترعاه طيلة فترة مرضه وعملت فى خدمة الناس بمقابل مادى حتى تستطيع أن تطعم زوجها وتخدمه، وظل أيوب عليه السلام مريضا وفقيرا طوال ثمانية عشر عاما، وبالرغم من كل المصائب التى حلت به عليه السلام فلم يتوان عن حمد الله وشكره وازداد صبره صبرا كثيرا إلى أن أصبح يضرب به المثل فى صبره.
 
ولما اشتد عليه الحال ولم يعد يقوى على شىء تضرع إلى ربه سبحانه وتعالى ودعا له كما ورد فى سورة الأنبياء «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» وفى سورة ص «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ».
 
عندما لجأ النبى أيوب عليه السلام إلى الله سبحانه وتعالى وتضرع له طالبا منه الرحمة، استجاب سبحانه وتعالى إلى عبده وأمره بأن يقف من مكانه ويضرب الأرض برجله، فظهر له منبع عين فأمره سبحانه وتعالى بالاغتسال من المياه النابعة من العين، وعندما نفذ أمر الله تعالى خرج من بدنه جميع الأذى الذى كان يلم به طيلة تلك السنوات، ثم أمره سبحانه وتعالى مرة أخرى أن يضرب الأرض ثانية فى مكان آخر، ففعل وأخرج من مكان الضربة نبعا بعين أخرى، فأمره سبحانه وتعالى أن يشرب من مياهها، فخرج من باطنه كل الألم الذى كان يشعر به، فعادت له عافيته من الباطن والظاهر، وذلك كما ورد فى سورة ص «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿42﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِى الْأَلْبَاب».
 
روى البزار وغيره عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبى الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثمانى عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخلص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. 
 
قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: من ثمانى عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدرى ما تقول، غير أن الله يعلم أنى كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتى فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا فى حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام، أن «اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب» فاستبطأته، فتلقته تنظر، فأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أى بارك الله فيك! هل رأيت نبى الله هذا المبتلى فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك، إذ كان صحيحاً، قال: فإنى أنا هو. قال: وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير - الأندر: البيدر - فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى فى أندر الشعير حتى فاض). قال الهيثمى فى «مجمع الزوائد»: رجال البزار رجال الصحيح.
 
وروى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أيوب يغتسل عرياناً، خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو فى ثوبه، فناداه ربه، يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى بى عن بركتك). ولهذا قال تعالى: «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب»، قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم. قال أبو حيان: «والجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شُتِّت منهم». 
 
وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما، قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: «وآتيناه أهله ومثلهم معهم»، قال: (ردَّ الله تعالى امرأته إليه، وزاد فى شبابها، حتى ولدت له ستاً وعشرين ذكراً).
 
وقوله سبحانه: «رحمة منا» أى: رحمة به على صبره، وثباته، وإنابته، وتواضعه، واستكانته، «وذكرى لأولى الألباب» أى: عبرة لذوى العقول؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة.
 
وفى سورة الأنبياء: «رحمة من عندنا وذكرى للعابدين»، أى: أجبنا دعاءه، وفعلنا معه ما فعلنا من ألوان الخيرات، من أجل رحمتنا به، ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكرى لغيره من العابدين، حتى يقتدوا به فى صبره على البلاء، وفى المداومة على شكرنا فى السراء والضراء.
 
وقوله تعالى: «وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث»، ذكروا أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ونقم عليها فى أمر فعلته، قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، وقيل: لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تُقَابَل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً- أى: حزمة أغصان كثيرة - فيه مائة قضيب، فيضربها بها ضربة واحدة، وقد برت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه؛ ولهذا قال تعالى: «إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب»، أثنى الله تعالى عليه ومدحه بقوله: «إنه أواب» أي: رجَّاع منيب للحق.
 
الدرس الأهم المستفاد من هذه القصة، أن العبد عليه دائماً وأبداً فى السراء والضراء، وفى العسر واليسر، وفى المنشط والمكره أن يلجأ إلى الله، وأن يملأ قلبه اعتقاداً أن لا مجيب له إلا الله سبحانه، وأن لا كاشف لما نزل به من البلاء إلا رب الأرباب، وخالق الأسباب، فهو المعين، وهو المجيب، وهو الذى بيده مقاليد كل شىء، وهذا الاعتقاد يُدْخِلُ الراحة والطمأنينة فى قلب المؤمن، ويجعل حياته هادئة مستقرة لا اضطراب فيها ولا قلق، ونفسه راضية مطمئنة، ترضى بما كتبه الله عليها، وتقبل بما قسمه الله لها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق