الدول تنكمش والحدود تتراجع

الأحد، 01 أكتوبر 2017 12:00 م
الدول تنكمش والحدود تتراجع
معتز بالله عبدالفتاح

لماذا تُهزم دول قوية فى معارك مع عدو ضعيف؟ كان سؤالاً طرحه أندرو مارك فى مقالة شهيرة فى عام 1975، وكان يتحدث- بشكل مباشر- عن سبب هزيمة الولايات المتحدة فى حربها فى فيتنام، وضرب أمثلة متعددة من تاريخ صراعات كبرى تنتهى بانتصار الأضعف ماديا وتسليحا، وترك سؤالاً للاستراتيجيين وهو: كيف تنجح الولايات المتحدة فى علاج هذه المعضلة؟ لأنها دائما ما ستكون الأقوى عسكريا واقتصاديا وقد تنتهى إلى الهزيمة! هناك عوامل متعددة ذكرها أندرو مارك وكانت الأساس لما اصطلح على تسميته «بالحروب غير النمطية»، التى لا يكون الحسم فيها لمن يملك قوة نيرانية أكبر، وإنما يكون الحسم فيها لمن هو على استعداد لمزيد من المعاناة، أو تحمل تكاليف أعلى، وعادة ما يكون الأضعف أكثر استعدادا لتحمل الخسائر فى الأرواح، مِن الأقوى الذى عادة ما يكون أكثر انفتاحا وديمقراطية بما يجعل خسائره البشرية والمادية أداة ضغط عليه فى الداخل، كما أن الأَضعف عادة ما تكون له ارتباطات قوية بجهات أجنبية تكون صاحبة مصلحة فى استمرار الصراع، كما أن العقيدة القتالية فى كثير من المعارك تكون محددا مهما لثبات الأَضعف.
 
كيف تتصرف القوى الكبرى والحال كذلك؟ كيف تردع قوة أضعف منها لا تخشى الهزيمة ولديها ميول انتحارية؟ كيف تنقذ ابنك من مخالب ثعلب جائع غير مكترث بتحذيرك له؟ وكانت الإجابة هى أن نجعل العدو فى حالة اقتتال داخلى وإضعاف ذاتى وانقسام مجتمعى، بحيث لا يستطيع أن يفكر فى الدخول فى معارك خارجية، ولو فكر فسيجد الدعم الداخلى ضعيفاً ولا يفيد، وردت فى تصريحات الرئيس عن حروب الجيل الرابع إشارة لهذا المعنى، وكأنه يحذر من أن مصر تواجه من يعبث بالأمن القومى المصرى، ويستغل الظروف السياسية ليجعل مصير الجيش المصرى هو نفس مصير جيوش أخرى فى المنطقة خرجت من معادلة القوة الشاملة العربية لأسباب مختلفة، مثل الاحتلال الأجنبى، مثل الحالة العراقية، أو الانقسام الداخلى والاحتراب الأهلى مثل الصومال والسودان وسوريا وليبيا.
 
التدخل العسكرى ضد الإخوان، والذى جاء بعد تحذيرات ومحاولات متعددة من القيادة العسكرية لتحقيق توافق وطنى- تجاهلته القيادة السياسية السابقة- كان فى جزء منه تعبيرا عن مخاوف انزلاق مصر لحالة من الشلل الشامل والانقسام المجتمعى، لاسيما بعد نزول ملايين الناس إلى شوارع مصر، ومع ذلك ظلت القيادة السياسية الإخوانية غير مدركة للمخاطر التى تحيط بها، والأهم المحيطة بمصر، وتزيد الأمور سوءا بعد رفض قيادات الإخوان المسلمين تعلم الدرس الذى تلقته، وهو أنها أهدرت فرصة كبيرة كى تثبت للمصريين جدارتها بتصدر المشهد.
 
وكما قلت- قبل ثورة يونيو بشهور- إن قيادات جماعة الإخوان يلعبون بالنار وهم ليسوا ماهرين وسيدخلون البلاد فى نار قد لا ينجو منها أحد، ومع ذلك استمر المحسوبون على الجماعة فى التهديد والوعيد بإشارات تقول للمصريين: إما أن تقبلوا الأمر الواقع، أو ستدخلوا فى عنف لن يتوقف، وهى عبارات شديدة الخطورة، وبدلاً من أن تكون سببا فى تراجع المصريين أو تخوفهم تحولت إلى مشاعر غضب أكبر؛ لأنهم ظنوا أنهم أخطأوا حين وثقوا فى ناس تهدد حياتهم واستقرارهم، وهو ما لا يليق إلا بأشخاص يرون فى أنفسهم مسافة كبيرة تجعلهم كيانا متمايزا ومتميزا ومتنازعا مع بقية المجتمع، وبادلتهم بقية المجتمع شعورا بشعور.
 
وتستمر التصريحات غير المتزنة بالربط بين عودة الدكتور مرسى إلى سدة الحكم وهدوء الأوضاع فى سيناء، والدعوة للتدخل الدولى وتهديد الفريق عبدالفتاح السيسى بأنه «خلق طالبان فى مصر»، بما يعنى أن هذه القيادات ترى فى نفسها أنها خنجر فى ظهر المجتمع، إما أن يستجيب لمطالبها أو أن يواجه عنفا داخليا وتدخلا أجنبيا، وهو بالضبط ما تتضمنه حروب الجيل الرابع من مكونات، مصر ليست ساحة مستباحة وهذه التصريحات تنقل أصحابها ومن يؤيدها من خانة «المنافسة السياسية» إلى خانة «الجريمة السياسية».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة