استئصال سرطان العاصمة القديمة

الأحد، 15 أكتوبر 2017 10:00 ص
استئصال سرطان العاصمة القديمة
عبدالفتاح على يكتب:

العاصمة الإدارية ليست فريدة من نوعها فى كونها أنشئت من العدم، فمثلا أستانة العاصمة الكازاخستانية، هى الخيال الذى حوله فنان إلى واقع فى نحو 15 سنة، بعد قرار رئاسى.
 
فى خضم تلك المنافسة،  يبدو أن الكثيرين باتوا يرغبون بشدة من التخلص من العاصمة القديمة التى باتت تحمل قدرا هائلا من العشوائيات فى المبانى والسلوكيات والحلول.
 
حكومات دول عديدة قامت بـ «العزال» من عاصمة اختنقت بالبشر والحجر، إلى أخرى أجمل وأبهى، مثل ساحل العاج ونيجيريا، والقائمة طويلة.
 
حتى مصر نفسها وعلى مدار قرون، ومن أول الزمان، حيث كانت، بدلت عاصمتها أكثر من 22 مرة، بداية من منف وحتى القاهرة، وتشترك العاصمتان فى كونهما الأطول حكما، دونا عن بقية العواصم القديمة.
 
لكن يبدو أنها عادة مصرية بامتياز، فلم يتبق من عواصم مصر الآن سوى القاهرة والاسكندرية، أما بقية العواصم، فاختفت من الوجود، ولم يبق منها سوى بضعة شواهد قبور، أو ما تفضل وتركه لنا تجار الآثار.
لكن بالمقابل هناك دول لم تغير عاصمتها تحت أى ظرف من الظروف وحافظت عليها كما تحافظ الأم على وليدها، مثل فرنسا، التى ما زالت باريس ملكة متوجة على رأس كل مدن العالم.
وهناك عواصم كانت فى الأصل مدنا، نشأت حولها دول، مثل دمشق التى هى أقدم بآلاف السنين من الدولة السورية، ونفس الأمر ينطبق على بيروت وبغداد.
بعض الدول التى قررت تغيير العاصمة كانت لها أسباب متعلقة بالجغرافيا، والبعض بالتاريخ، لكن الأغلب كان له علاقة بالسياسة، والرغبة فى تجديد الدماء، وتحويل الخيال إلى جمال قابل للمس.
البعض يرى أن الأموال التى ستنفق على عاصمة جديدة من الممكن أن تنفق لوضع حلول جذرية لمشاكل القديمة، لكن يرد عليهم أن المشكلات المزمنة قد يكون حلها الوحيد فى البتر.
وهناك من يقولون إن قرار الانتقال لعاصمة جديدة، جاء متأخرا جدا، لدرجة أن ما أنفق على حلول لأزمات وكوارث العاصمة القديمة، يعد هدرا للمال العام، وحرث بحر.
فى البرازيل انتقلت الحكومة من ساو باولو إلى برازيليا، وانصب الاهتمام كله على الجديدة، وانقطع الاهتمام بالقديمة تماما، لدرجة تحولها إلى عاصمة لمافيا الخروج على القانون، وهو ما تكرر فى نيجيريا بعد أن ماتت لاجوس لحظة ولادة أبوجا.
القاهرة لا يجب أن يكون مصيرها سلة قمامة التاريخ، ولا يجب أن تهمل لصالح العاصمة الإدارية، رغم كل المعاناة والألم والنكد اليومى الذى يصيب أهلها الذين تجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة.
وفى الوقت نفسه لا يجب أن نسمح بعشوائية القاهرة وأمراضها، أن تنتقل إلى العاصمة الإدارية، ومثلما أبدع المصمم فى الرسم والمنفذ فى التشييد، يجب على الحكومة أن تجد أفكارا غير تقليدية لبناء جدار مناعى وسلوكى وحضارى جديد يقف حائلا دون انتقال الفيروس للكيان الوليد.
وفى الوقت نفسه، يجب خلق أفكارا جديدة، تجعل من القاهرة عاصمة ثقافية لمصر، لكن بعد أن نوقف سرطان الانتقال إليها من الريف، الذى يعتبر أكبر تهديد لكل المدن المصرية التى أصبحت بداية من العهد الساداتى ذكرى جميلة لواقع شديد البشاعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق