بعد انفجار ماسورة زواج القاصرات..

ألاعيب المأذونين الخفية لتزويج القاصرات مقابل إيصالات أمانة.. وتسهيل الطلاق الصورى.. وتزويج المحارم

الإثنين، 16 أكتوبر 2017 10:00 ص
ألاعيب المأذونين الخفية لتزويج القاصرات مقابل إيصالات أمانة.. وتسهيل الطلاق الصورى.. وتزويج المحارم
زواج القاصرات - أرشيفية
مصطفى الجمل

وسط دار مترامية الأطراف، ونساء كثر يصرخن بترتيب يبدو أنه متفق عليه، وكأنه لحن تدارسنه وتدربن عليه حتى خرج هكذا، وقفت الطفلة «حنان» تهيل التراب فوق رأسها، نادبة حظها وجهلها وجهل أهلها، الذين وضعوها فى هذا الموضع، لم تكن ولم يكونوا يوماً فى حاجة لمال زوجها الذى أخذها فى سن الـ15، مقابل إيصال أمانة بمليون جنيه.

قبل ثلاث ليال، خرجت «حنان» على صوت صراخ نسوة يطلبن الفض بين أخيها وزوجها المتصارعين منذ دقائق، لا تعرف ما السبب وما الداعى لذلك، قطعاً لا يصل نقاشهم المحتد ليلة أمس حول إيصال الأمانة الذى كتبه الزوج على نفسه بمبلغ المليون جنيه قبل الزواج، إلى هذا الحد، لم تجد أمامها سوى أن تصرخ منادية والدها ووالدتها، علهما ينقذونا ما يمكن إنقاذه، فضت المشاجرة، وحبس كل من المتعاركين أنفاسهما، متوعدا كل منهما الآخر بالقتل، فالزوج عرف بالصدفة أن إيصال الأمانة الذى كتبه على نفسه أعطاه مأذون القرية لشقيق زوجته، الذى راح يبتزه به بعدما رفض إقراضه مبلغا من المال. 
 
الشقيق تم قتله والزوج تم سجنه وظل مشعل الفتنة والمسئول الأول عنها حراً طليقا، يمارس عمله كمأذون للقرية دون أدنى حرج، يتظاهر بالوقار مستتراً فى جلبابه وعمامته، يفعل ما يفعله تحت ستار الدين والعادات والتقاليد، ولا أحد فكر مرة أن يسأله أو يعاقبه.
 
نرصد خلال السطور التالية ما يرتكبه المأذون من أخطاء بعمد وبدون، أدت إلى أنه أصبح لدينا 200 ألف طفل تنجبهم مراهقات قاصرات، دون السن القانونية للزواج، سنوياً، يتوفى منهم 3%. 
 
حتى عام 1915 كان القاضى هو من يقوم بمهمة توثيق عقود الزواج، وبعد هذا التاريخ ظهر المأذونون بلائحتهم التى تنظم عملهم، وجعلتهم تابعين لوزارة العدل، وكانت مواصفات تعيين المأذون تقتصر على مجرد إلمامه بالقراءة والكتابة، ومن هنا ظهر العديد من الكوارث التى سببها الجهل بأحكام الزواج والطلاق، ومن ثم تشريد العديد من الأسر، فضلاً عن مشاركته فى تفاقم أزمة تزويج القاصرات بعقود عرفية. 
 
اختيار المأذون يتم على عدة مراحل وفقاً للائحة موضوعة منذ عام 1955 التى تم إجراء عدة تعديلات عليها عبر السنوات الماضية، وآخرها التعديل الذى جرى فى يونيو 2015 إبان رئاسة المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدل حينها، واشترطت التعديلات أن يتم اختيار المأذون الشرعى ما بين سن 30 و40 عاماً، وأن يكون حاصلاً على مؤهل جامعى من إحدى كليات جامعة الأزهر أو أى كلية تابعة لجامعة أخرى، شريطة أن يكون دارساً للشريعة الإسلامية كمادة أساسية متضمنة أحكام الزواج والطلاق والأسرة وأن يكون أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها قانوناً، بالإضافة للشروط العامة لأى موظف حكومى، وعند خلو المأذونية أو إنشاء مأذونية جديدة يعلن رئيس محكمة الأسرة المختص عن فتح باب التقدم فيها لمدة 60 يوماً، وإذا لم يتقدم للتعيين من يكون حاصلاً على الشهادات المنصوص عليها، يجوز قبول طلبات التعيين ممن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية من الأزهر أو المعاهد التابعة له أو شهادة الثانوية العامة بشرط اجتياز امتحان فى مادة الفقه «أحكام الزواج والطلاق» وما يتعلق بهما، وفى لائحة المأذونين نفسها، وتتم المفاضلة بين المعينين واختيار الأعلى مؤهلاً، وفى حالة التساوى تجرى قرعة وتقوم المحكمة التابعة لها جهة المأذونية بإصدار قرار بتعيين من يتم اختياره وتنطبق عليه الشروط ولا يكون هذا التعيين نهائياً إلا بعد التصديق عليه من المستشار وزير العدل وأحياناً تجرى استطلاعات للرأى للجهة الأمنية.
 
ويتسلم المأذون الدفتر الخاص بالوثائق من المحكمة بعدد معين ويسلمه بنفس العدد وتتم مراجعته من قبل رئيس القلم الشرعى، وفى حال وجود مخالفات يوقع جزاء تأديبى على المأذون.
 
ويعاقب المأذون من قبل قاضى المحكمة، بعقوبات متدرجة أخفها الإنذار لمدة 3 مرات فقط، أو الوقف عن العمل لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر والعزل، وجميع هذه العقوبات يصدرها القاضى بالمحكمة باستثناء العزل الذى يجب أن يتم التصديق عليه من وزير العدل.
 
يتهرب المأذونون من المساءلة القانونية فى تزويج القاصرات بما يسمى بوثيقة تصادق زواج والمنتشرة بشكل كبير فى قرى الوجه البحرى والقبلى، ويحصل من أهل العروسين على مقابل مادى كبير مقارنة بما يحصل عليه فى الزيجات المستوفاة للشروط القانونية، وبعد بلوغ السن القانونية، يرفع الزوجان دعوى وثيقة تصادق زواج ليوثق القاضى الزواج بعدما يدون أنه حضر كل من البالغة «اسم الزوجة» والبالغ «اسم الزوج» واللذين تزوجا على يد فقيه مجهول، ويوثق القاضى الزواج.
 
وفى هذا الإطار تشير الإحصائيات إلى أن 14.6 % من الفتيات المتزوجات فى مصر يتزوجن فى سن من 15 إلى 19 سنة أى أنهن يتزوجن وهن أطفال، 40 % منهن يتزوجن من أقاربهن، وينتج عن تلك الزيجات 244 ألف مولود سنوياً، 3% من الأطفال الذين ينجبون لأمهات فى سن الطفولة يتوفون. 
 
المضحك فى الأمر، أن المأذون لا يحاسب على تسببه فى قتل أو ما إلى ذلك من فتنة أشعلها، بل يحاسب فقط على الأخطاء الموجودة فى الوثيقة سواء تزويج قاصر أو عدم تسديد رسوم، لأن مراقبة عمل المأذون تقتصر فقط على مراجعة الدفاتر الخاصة به، كما أن إدارة المحاكم بوزارة العدل التى يتبعها المأذونون تقتصر على التفتيش على الدفاتر ومراجعة القاضى، وبالتالى لا توجد جهة تقوم بالتفتيش الميدانى على المأذونين أو مراقبة أفعالهم أو التحرى عن دور المأذون فى الزواج العرفى للقاصرات. 
 
كارثة أخرى، يرتكبها المأذون ألا وهى تسهيل الطلاق الصورى للمتزوجين، حيث يقوم الزوج والزوجة بالانفصال الصورى أمام الجهات الرسمية، للحصول على معاش أو تسهيل تهرب الابن الأكبر من أداء الخدمة العسكرية، لكونه عائل والدته، أو أى أغراض أخرى. 
 
 يبلغ عدد المأذونين فى مصر 7 آلاف مأذون، وهناك ما يقرب من 4 آلاف شخص ينتحلون صفة مأذون، ويعقدون الزواج العرفى للقاصرات، لذلك طالب عدد من النواب والقضاة بضرورة إجراء تغيير كامل للائحة المأذونين للقضاء على أى ثغرة يستخدمها بعض المأذونين فى مخالفة القانون، على أن تواكب اللائحة الجديدة العصر الحالى سواء فى طريقة التعيين أو الجزاءات التأديبية، مع عقد دورات تدريبية مكثفة ودورية للمأذونين على مستوى الجمهورية للمبتدئين أو للعاملين منذ فترة تتضمن أصول الفقه وقوانين الأسرة، بالإضافة إلى دراسة مناهج عن علم النفس والاجتماع، واستحداث أساليب إلكترونية جديدة تحل بديلاً للدفاتر الورقية، واستحداث إدارة للمأذونين بكل محكمة جزئية يكون اختصاصها مراجعة المأذونين والتفتيش الدورى والميدانى عليهم، إضافة إلى التحرى عن أى أمر يتعلق بهم، وتصب هذه الإدارات فى الإدارة العامة لكل محكمة كلية، وتصب فى النهاية فى إدارة عامة متخصصة فى وزارة العدل.
 
وفى هذا السياق لا يمكن إغفال أن سبباً من أسباب تفشى الفساد بين المأذونين، هو عدم تقاضيهم أى مقابل من الدولة، كما أنهم لا يشملهم حتى نظام المعاشات، ولا تظلهم مظلة التأمين الصحى، ويطالب عدد كبير من المأذونين بضرورة إنشاء نقابة برعاية وزارة العدل تحمى حقوق المأذونين، وإنشاء صندوق للمعاش وآخر صحى. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق