"جاليزيا".. جريمة اغتيال قلم

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017 02:43 م
"جاليزيا".. جريمة اغتيال قلم
صبرى الديب

لا أدرى لماذا لم يصل حتى الآن إلى أذهان كل الحكومات الديكتاتورية والفاسدة فى العالم، أن الصحفيين فى بلادهم لا يعملون كـ"عملاء" ضد الدولة، وأن كشفهم لقضايا الفساد والإنحرافات على مختلف انواعها، حتى لو كانت تتعلق بمسئؤلين على قدر كبير من الحساسية، هو دور أصيل من صميم أعمالهم، وأنهم جزء أساسى لا ينفصل من النظام، بل انهم يمثلون فى الغالب أخطر وأقوى "عيون النظام" التى لا يرى بها، وأنه لا يصلح أن يكون جزائهم عما يقومون به من أعمال، أو حتى ابداء رأى، هو الإضطهاد واتشريد والسجن و والقتل فى كثيرا من الأحيان.
 
وهى أساليب للأسف، تلجأ اليها الأنظمة العاجزة، فى محاولة لإسكات كل صوت أو قلم شريف يهدد كل مسئول فاسد ينهب أموال الشعب، لدرجة تصل بهم فى كثيرا من الحيان إلى تغريم الصحفى "حياتة" ثمنا لما يكشفه من فساد.
 
وهو للأسف ما لجأ اليه النظام فى "مالطا" هذا الأسبوع، عندما أقدم على تفخيخ سيارة "دافني كاروانا جاليزيا" التى تعد واحدة من أشهر الصحفيين الأستقصائيين فى العالم، ونجحت خلال السنوات الأخيرة فى إحراج النظام، بعد أن كشفت من خلال تحقيقاتها الأستقصائية عن كثيرا من قضايا الفساد والإنحرافات المالية فى بلادها، طالت رئيس الوزراء، ووزراء على درجة عالية من الحساسية، إلى جانب رجال قضاء، ومعارضين أيضا.
 
ووصل حجم نجاح "جاليزيا" فى كشف ملفات الفساد فى مالطا، أن مدونتها على "الفيس بوك" كانت تستقطب يوميا ما يزيد عن الـ 400 الف قارى ــ فى حين أن عدد سكان مالطا نفسها لا يزيد عن الـ 450 الف نسمة ــ وفاق عدد قرأ ما تكتبه بالفعل عدد قراء الصحف الورقية فى عدد من الدول مجتمعه.
وقد وصلت قوة ما كشفته الصحفية المالطية، خاصة في سلسلة تحقيقاتها الشهيرة التى عرفت بـ "فضيحة أوراق بنما للكشف عن الفساد والتهرب الضريبي" أن لقبتها العديد من المجلات الأوربية بـ "المرأة الويكيليكس" ووصفتها صحيفة الجاردين البريطانية بانها "ويكيلكس فى حد ذاتها"
 
الغريب أن "جاليزيا" كانت قد ابلغت السلطات فى مالطا قبل أسبوعين من اغتيالها أنها تلقت تهديدات بالقتل من مجهولين، للتوقف عما تنشرة من فساد فى البلاد، إلا أن هذا لم يمنع الفاسدون من تلغيم سياراتها، لدرجة أن قوة الإنفجار جعلتها تناثرت وجثتها فى الشوارع والحقول، بشكل يستحيل جمعه.
وكالعادة استنكرت السلطات، وعلى رأسهم من اتهمتهم "جاليزيا" بالفساد، وسارعت النظام إلى فتح الأبواب لمكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، وجهات قضائية أوربية للمساعدة فى كشف ملابسات "جريمة قتل يعلم الجميع أنها "سياسية" والكشف عن الجناة الذين يعلم الجميع من هم، غير انه لا يوجد دليل، ولن يوجد دليل.
 
إلا أن الثابت أن قلم "جاليزيا" قد صمت للأبد، لتنضم إلى قائمة طويلة من أصحاب الأقلام الشريفة الذين راحوا ضحية كشف فساد الذمم، ونهب اموال الشعب، فى كثير من الدول التى تحكم بأنظمة لم تصل بعد إلى قناعة أن الصحافة جزء أصيل من النظام، بل هى "عين النظام" وأن من أطلق عليها "عرفا" بـ "السلطة"  إلا لانها تمثل سلطة "الرقيب الغير رسمى" الكاشف لكل عيوب وانحرافات المجتمع والمسئولين، ليس من زاوية "الفضيحة" ولكن من زاوية "الإصلاح" وإعادة بناء ما يخربه الفاسدون.
 
رحم الله "دافني كاروانا جاليزيا" والهم كل أصحاب الأقلام الشريفة فى العالم الصبر والثبات.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة