المصريون يكرهون الكذاب.. وكراهيتهم للنصاب أشد

الإثنين، 23 أكتوبر 2017 05:00 ص
المصريون يكرهون الكذاب.. وكراهيتهم للنصاب أشد
نصاب - أرشيفية
حمدى عبدالرحيم

* السمات المميزة للنصاب الحديث.. ملابس أنيقة.. سيارة فاخرة

* محتال باسم الكنيسة المصرية ما زال ينتشر ويتوغل رغم تحذيرات الكنيسة منه 
 
ولكن موقفهم المتسامح مع «الفشار» يتحول إلى رفض مؤلم وجارح مع الكذاب، فالمصريون - حتى وإن لم يظهروا ذلك - يحتقرون فى قرارة أنفسهم الكذب والكذابين، ويستهينون بالكذاب ولا يعدونه عندما يعدون الرجال، لأن الكذاب عندهم فاقد للأهلية، ولا أحد يأخذ كلامه على محمل الجد، كما يخشى المصريون الكذاب لأنه يتعمد تشويه الحقائق وقلب صورتها، فى محاولة متعمدة منه لجلب الأذى لمن يوقعه حظه العاثر بين مخالبه، أما النصاب فذلك بمفرده كوم قائم بذاته.
 
النصاب لا يتمتع بخفة ظل الفشار ولا يتمتع بخياله الواسع الذى يمكنه من صنع بطولات خارقة لن يصدقها أحد، ولكنه قادر على إضحاك الجميع، فالنصاب ليس مخترع أكاذيب ليهرب من موقف محرج، إنه ذلك الذى يعتمد الكذب أسلوب حياة ومنهج معيشة، ثم هو يصعد إلى حيث القمم العالية ولو على جثث أقرب الأقارب، وفى زماننا يصعد النصاب ولو بتوريط وطنه فى معارك لا ناقة للوطن فيها ولا جمل.
 
وقد صحت مصر ذات يوم فى التسعينيات على استفحال ظاهرة نصاب زعم - ككل نصاب - مزاعم لا تسندها قشة من الحقيقة، النصاب الذى أعنيه قال إنه سكرتير للبابا شنودة شخصيا، قال جملته ومضى ليجمع أرباحها.
 
جملة النصاب أزعجت الكنيسة لأن سكرتير البابا لا بد أن يكون شخصية كنسية وليس من حق العلمانيين أن يتقلدوا هذا المنصب الحساس، ولكن النصاب واصل نصبه باسم البابا والكنيسة، فراح يحضر الحفلات التى يشاء، حتى لو كانت رسمية، بل بدأ هو يقيم الحفلات والمآدب على شرف منصبه المزعوم، حتى أن جرائد تلك الفترة لم تكن تخلو من متابعة نشاطه اليومى فهو اليوم يحتفى بفلانة الممثلة التى حازت جائزة، وغدا يحتفل بعيد ميلاد علانة، وفى اليوم الثالث ستراه مع محافظ المحافظة المهمة، وفى اليوم الرابع سيظهر مع كابتن فريق كرة القدم الشهير..وهكذا، إنه نصاب مدنى فى المناسبات المدنية، وما أكثرها، وهو نصاب دينى عندما تأتى مناسبة دينية تخص المسلمين أو المسيحيين، ولم تستطع الكنيسة منعه لأنه كان شديد الحرص على أن يقدم نفسه بوصفه رجل أعمال، وذلك بعد أن صنع أساس شهرته بالنصب والاحتيال، ثم هو ما زال يسعى بين الناس بوصفه الرجل المهم الصديق الصدوق لعلية القوم، ولم يمسسه سوء، ولم يدفع قط ثمن نصبه.
 
ثم مع تطور تقنيات النصب رأينا الكثيرين الذين يختصرون الطريق فيقدمون أنفسهم بوصفهم من جهات حساسة، وكان أحدثهم نصابًا تجاوز بقدرة مرعبة كل الخطوط الحمراء وقدم نفسه بوصفه مستشارًا، وتحت تلك اللافتة الخطيرة راح يحضر المناسبات والأفراح والليالى الملاح، حتى ساقه نصبه إلى خطوة غير محسوبة كانت بها نهايته، فقد سارع بحضور جنازة عمر عبدالرحمن، الأب الروحى للجماعة الإسلامية، مرتديًا أفخم ما لديه من ملابس، مستقلًا سيارة يزينها علم البلاد، جالسًا فى سرادق العزاء واضعا ساقا على ساق بوصفه الرجل الخطير، هنا تيقظت له أجهزة الأمن فتم القبض عليه بعد نفى الرئاسة وجود مندوب عنها يحمل تلك الصفات، ليكتشف الأمن أن الرجل مسجل خطر فى قضايا نصب واحتيال.
 
مثل تلك القضية تكررت كثيرًا وفى كل مرة يزعم النصاب أنه من جهة أمنية سيادية، وفى كل مرة يكون زعمه سببًا فى وقوعه بين أيدى رجال الأمن وفى كل مرة لا يتعظ نصاب بمصير سابقه، فكأن النصاب فأر تغريه قطعة الجبن ذاتها، فيدخل بقدمه إلى مصيدة هلاكه، ويبدو أن الانتساب لجهة مهمة يمثل إغراءً لا يقاوم لدى النصابين، فهناك من استولى على 100 ألف جنيه هى تحويشة عمر مواطنة مسكينة زاعما لها أنه من الجهاز الأمنى الخطير القادر على تعيين وحيدها فى وظيفة مرموقة، ثم كسابقه سقط فى يد الأمن الذى أكد أن ذلك النصاب مدان فى عشر قضايا نصب واحتيال وكان هاربًا من تنفيذ الأحكام. 
 
أما أعجب نصاب فكان «ف. ع» الهارب من تنفيذ أحكام فى 23 قضية تبديد ونصب وشيكات، الذى قاده شيطانه لكى يستغل دعوة الرئيس السيسى للتبرع لصندوق تحيا مصر، فصنع من نفسه مندوبا لتلقى التبرعات، ثم عندما لم يجد الإقبال المرجو، صنع من نفسه مالكًا لأراضى الدولة وراح يبيعها للراغبين القادرين، فحصد أكثر من خمسين مليون جنيه، وبعدها سقط كالعادة فى يد الأمن لتتم مصادرة الأموال الحرام وجره إلى السجن لتنفيذ الأحكام السابقة.
 
أما أعجب الحالات فهى لذلك الذى ظهر أخيرًا فى اجتماع دولى حاشد هاتفا:  «تسقط قطر.. تحيا فرنسا».
 
ذلك الرجل تجاوز الخطوط كلها حتى اضطر الخارجية المصرية لأن تصدر بيانا تنفى فيه أدنى علاقة تربط الرجل بها.
«ص. ح» حالة مستعصية فهو مصرى يحمل الجنسية الهولندية، عمل فى بداية حياته فى مطعم بهولندا وتزوج صاحبة المطعم (مغربية الجنسية) وبفضل تلك الزيجة حصل على الجنسية الهولندية فكان الطلاق مكأفاة الحصول على الجنسية، ثم قفز قفزة كبيرة واستولى على المطعم، ثم رأى تغيير محل إقامته فصنع لنفسه وجودا مريبا فى مدينة انفرس البلجيكية، وبفضل الإقامة المريبة حصل على منحة إعانة المتعطلين عن العمل التى تقررها الحكومة البلجيكية وقدرها ألفا يورو شهريًا، يعنى قرابة الأربعين ألف جنيه مصرى، الذى يدهش فى الأمر أن الرجل مقيم بمصر الآن ويحصل على أموال البلجيك!
 
 ولأن الزمن زمن مواقع التواصل الاجتماعى فقد صنع الرجل لنفسه حسابا على الفيس بوك وسمى نفسه المستشار، مدعيا عمله فى الاتحاد الأوروبى كمستشار سياسى واقتصادى، ولحبك الكذبة، أمطر فضاء الفيس بوك بصوره أمام البرلمان الأوروبى، وأثناء رحلة صعوده لم يترك شخصية ذات حيثية إلا والتقط صورة معها من رئيس الإخوان محمد مرسى ونهاية بنقيب الصحفيين الأسبق ضياء رشوان، فكل مشهور عنده هو مخلب قط يصطاد به ضحاياه الجدد، حتى وصل إلى أن تستضيفه قنوات فضائية لها شأنها متحدثا فى كل شىء وأى شىء بوصفه الخبير العارف بكل شىء! 
 
حتى كتابة تلك السطور لم يقع الرجل ربما لأن حرصه يحفظ له أمنه، فهو يوحى للآخرين بأنه مسئول بالخارجية المصرية، لكنه لا يورط نفسه فى التصريح بذلك، فعندما فعل فعلته الأخيرة لم يدخل إلى قاعة التصويت بل كان يقف وسط الصحفيين والقنوات الأجنبية التى تتابع الانتخابات من مقر اليونسكو خارج القاعة، مما قد يوحى بأنه يحمل صفة إعلامية وليست دبلوماسية.
 
وعندما هاج الجميع ضده نشر تدوينة على حسابه بالفيس بوك، قال فيها: إنه مواطن مصرى غيور على بلاده ويدافع عنها! 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق