ما بعد داعش.. لماذا نخاف على السعودية من السعودية ؟
الأحد، 12 نوفمبر 2017 12:34 م
محمد حسن الألفى يكتب:
تعمل فى خدمة تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والشام، الذى أنشئ فى العراق، مع انسحاب الجيش الأمريكى، وبسبب من وجود الجيش الأمريكى، وليس سرا أن تمويله كان قطريا بإرادة امريكية، وانتهازية تركية اسرائيلية، استولى التنظيم الارهابى على ثلثى العراق، وثلث سوريا، وأقام، ما سمى بدولة الخلافة فى ثلاثين ولاية، ٢٠ منها داخل الشمال العراقى، و١٠ فى سوريا، وتمدد فى ليبيا، وهبط نحو الجنوب الليبى مع النيجر والسودان وتشاد، واليوم ومع الهزائم المتتالية للتنظيم فى العراق وطرده تقريبا من الشمال العراقى، ومع هزيمته فى الرقة، عاصمة خلافته، يتجه ٨٠٠ من قيادات التنظيم الارهابى وعائلاتهم، إلى ليبيا، على متن طائرات قطرية، ليفتحوا الجبهة الشرقية مع مصر، وهنالك بالفعل وجود للخصمين اللدودين، القاعدة وداعش، وكلاهما يعتبر الآخر كافرا، لكن يجمعهما الهدف فى تحطيم وتخريب الدولة المصرية، بالطبع تعى القيادة والدولة المصرية اهداف وادوات الخطر القادم من الغرب.
بامتداد المشهد العربى، ومع الانحسار الداعشى فى سوريا والعراق، تبدو الأوضاع مهيأة لاقتسام الغنائم بين الأطراف المنتصرة، بالطبع فاز العراقيون، وفاز الروس وفاز الإيرانيون وفاز الجيش العربى السورى، والخاسر الوحيد كان الأشد فيهم بأسا على الدواعش، وهم الأكراد، والفشل نحس لصيق بالحلم الكردى التاريخى فى الانفصال والاستقلال عن ايران وسوريا وتركيا والعراق.
من المفارقات أن الأمريكيين والروس فى مواجهة ممتنعة حول الرقة، فقوات سوريا الديمقراطية قوات عربية كردية مدعومة أمريكيا، وقوات الجيش السورى حول ناحية أخرى من الرقة يقف خلفها الروس والايرانيون وحزب الله اللبنانى الايرانى الهوى والعتاد.
هل سيقع الصدام ؟
سيقع التقسيم، وتستأنف المنطقة استقبال النصف الثانى من خماسين الربيع العربى، ومجاله هذه المرة فى ارض الثروة والتغيير السريع، حطمت مصر الموجة الأولى من هذا الربيع الفاسد المشبوه، لكن الموجة التالية تتجمع سحائبها الرمادية العفنة فى أفق الخليج، وتقترب، من دولة عربية كبيرة عاشت لعقود فى واحة الاستقرار والرشادة.
وليس جديدا أن كل مواطن عربى، ومصرى على وجه اخص، يشعر بالقلق على المملكة العربية السعودية، والمبررات عديدة، أعظمها المكانة المقدسة للاراضى السعودية وبخاصة مكة والمدينة المنورة برسول الله صلوات الله عليه وسلامه، وهناك بالطبع الدواعى الاقتصادية، وروابط التاريخ والدم، وغيرها كثير ووطيد، لقد بدأت المملكة السعودية سلسلة من الاجراءات الايجابية منذ ليلة الأحد الماضى سموه بالاحد الأسود، على الفاسدين كان كذلك. شملت الاجراءات عمليات اعتقال وتجميد حسابات وثروات ربما تؤول إلى الخزينة العامة للدولة السعودية، مبالغ تقدر بـ٣٠ مليار دولار، طالت الاعتقالات ٣٨ شخصية، منهم ١١ أميرا و٤ وزراء حاليين، وقيادات عسكرية رفيعة ابرزها الأمير متعب قائد الحرس الوطنى نجل الملك عبدالله، وامتدت إلى أثرياء ورجال أعمال بارزين أشهرهم الوليد بن طلال، ٦٢ سنة، وثروته ١٧مليارا و٦٠٠ مليون دولار، وهذه الثروة خسرت مليارا و٢٠٠ مليون دولار فى الثمانية والاربعين ساعة التالية لنبأ القبض على الوليد وتجميد حسابه وأمواله. ولا تزال كرة المحاسبة تتدحرج، فشملت بالتجميد ١٢٠٠ حساب مصرفى لشخصيات أخرى، والتهم الموجهة اليهم جميعا مد اليد الحرام إلى مال الدولة، أى السرقة والاختلاس والابتزاز والرشوة حتى فى انشاءات بيوت الله الحرام، فضلا عن تهم بغسل الأموال وصفقات سلاح خارج الدولة، اى خارج القانون، اللجنة التى أمر الملك سلمان بتشكيلها اسمها لجنة التطهير ومكافحة الفساد، ويرأسها ولى العهد الأمير الشاب محمد، ٣٢ سنة، وتتمتع باختصاصات التحقيق والقبض والمنع من السفر والتجميد للاموال، ينظر الاعلام الغربى إلى عمل اللجنة بوصفه تقوية لسلطات الأمير ولى العهد، وينظر إليها الشباب السعودى بذهول لأنها ساوت الأمراء الفاسدين بالعاديين الفاسدين، ولأن الاسرة المالكة تحاسب نفسها.
الأمراء المقبوض عليهم ورجال الأعمال الكبار المعتقلون، ولو فى فندق فخيم، هم أعمدة فى الاقتصاد السعودى والاقليمى والدولى بلاشك، ولقد تلقت أسواق المال موجة صدمة عاتية، من ناحيته اعتبر دونالد ترامب ما فعلته السعودية مناسبا لرجال دأبوا على «حلب» الدولة لسنوات.
هذه اجراءات تعزز مبادئ الشفافية وتحديث الدولة، لكن يجب أن نتذكر أن الأمير الطموح وجه ضربة اوسع وأعمق قبل اسبوع تقريبا للغلاة والمتشددين، الوهابيين، حين قال فى مؤتمر اقتصادى كبير إنه لن ينتظر ٣٠ سنة أخرى لمكافحة التطرف، بل سندمره الآن.
هى إذن ضربة مزدوجة، جمعت بين اقصى اليمين فى الدين وفى المكانة وفى الثروة، وبطبيعة الحال، فإن دولة قررت مواجهة التطرف والشطط فى المجالين، هى دولة اتخذت من أعمال الحماية ما يمكنها من الحفاظ على تماسكها، هذه الاجراءات هى مصدر القلق، لا لأنها صحيحة، بل لأنها ستقود إلى ردود فعل، وسوف يدفع الامريكيون بالإغواء وبالتهليل دفة التفكير إلى تشدد اقليمى، وإشعال الموقف مع ايران !
بالطبع إيران راعية كل القلاقل حولنا وفينا، لكن لتكن المواجهة بالحساب العربى، وفق التقويم العربى، وليس الأمريكى.
نقلق حبا وحقا.. على الشقيقة السعودية.