من منا بلا خطيئة.. فليرم "سابع جار" بحجر

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017 10:27 م
من منا بلا خطيئة.. فليرم "سابع جار" بحجر
مصطفى الجمل يكتب:

الشقيقتان متلازمتان، الزوجان أحدهما توفاه الله والآخر يقوده شيطانه، الأبناء متفاوتون في العمر والثقافة والخلق، يجمعهم ببعضهم رباط الحب والمودة، الجيران ليسوا كلهم على نفس الخط المستقيم، إلا أنهم في الأفراح والجنائز الكتف بالكتف، والأيادي تتسابق لتقديم العون والمساعدة، مشاهد كثيراً ما سمعنا أنها كانت موجودة بين جيل الآباء والأجداد وجيرانهم، لمسنا ما تفضل به الزمن علينا، وفاتنا الكثير، ولكن ظلت الآذان والقلوب تطرب لتلك الأخباروالحكايات، فأحدث العمل الدرامي الاجتماعي "سابع جار" صدى بداخلنا، الأمر الذي أدى إلى انتشاره بشكل كبير، واقتباس كلمات ومواقف منه ونشرها على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، المفتقد يرثي، والمنبهر يشيد، والمغترب يبكي.

بعد مرور نصف حلقات العمل انقلبت الأمور، وخرجت من الجحور عقارب تلدغ وتشوه، تنقد بمثالية مندثرة، فتبدلت الحالة الإيجابية التي خلقها المسلسل بحالة أخرى، الألفة استحالت وحشة، والترغيب لإعادة مثل تلك المشاهد بات ترهيباً من رؤيته ولو صدفة أثناء مرورك أمام الشاشة.

في حقيقة الأمر، العمل ليس خالياً مما يجرح، ليس نصاً سماوياً، القائمون عليه لم يروجوا لذلك ذات مرة، سمعتهم في لقاء تليفزيوني يؤكدون على أنهم حرصوا  على نقل واقع أسرة متوسطة بكل ما يحيط بها من إيجابيات وسلبيات، حرصوا على نقل صورة تتماشى مع قدوم 2018، لم يروجو بأن العمل يعود إلى فترة السبيعينات الفاضلة، كل حلقاته ستجد أعلاها علامة مكتوب عليها +12، أي أنه غير صالح لكل الفئات العمرية، به من المشاهد التي يرفضها أسرنا ونتظاهر نحن أيضاً برفضها، وسنحاول جاهدين أن يفطم أبنائنا على رفضها، ولكنه رفض لا ينفي الممارسة، ولا يجزم بعدم الوقوع فيها، ولا يمنع من تجسيدها وتصويرها في أعمال أدبية وفنية.

لو كان حظك حسنا، وحباك المولى والداً صالحاً تحبه وتجله حتى آخر العمر، فغيرك عشرات أعرفهم وتعرفونهم، اختبرهم الله في الوالد أو الوالدة، إن كان لديك طاقة فوق طاقة البشر لتتحمل مثل أفعال "مجدي سافوريا" التي رفضتها نجلته "هالة" فارمها بحجر.

"هالة" الفتاة التي لم تجد الوالد سنداً تفخر به، سرقتها آلة العمل والنجاح والزمن، فوجدت نفسها تخطت الثلاثون وحلم الأمومة يموت يوماً بعد يوم أمامها، والزاوج التقليدي لا طاقة لها عليه، فلا الأب المطارد من قوات الأمن يمكنه الجلوس مع أسرة أي عريس ويتمم اتفاقاً، ولا منصبها المرموق ومكانتها الاجتماعية تمنحها رفاهية الاختيار المتعدد، فكرت وبحثت، لاح أمامها ضوء يخرج من ثقب في غرفة مظلمة، زميل أقل في المنصب، أعلى في المستوى الاجتماعي، خارج للتو من زيجة فاشلة، لا يملك المسكن ولا يهوى الزواج، بعقلية سيدات الأعمال، صاغت اتفاقاً عرضته عليه فوافق، فكان الزواج المشروط بالطلاق بمجرد الإنجاب، لم ترتكب عيباً ولا حراماً، بل كانت علاقتها الأولى رغم ما يبدو عليها من مظاهر انفتاح، فما داعي لأن ترموها بحجر.

"هبة" الفتاة العشرينية، التي سبقمتوها في طابور البطالة، فمال العقل يميناً ويساراً، كل حسب ظروفه وإمكانات أسرته، الميسر تواكل فجلس يأكل ويشرب ويدخن، ويسكر أحياناً، والمقيد أسره بضيق حال أسرته، مال إلى التطرف والتشدد والجماعات التكفيرية، قطعا إلا من رحم ربي، "هبة" لم تفعل ذلك، رفضت الروتين وعروضه المخيبة للآمال والطموحات، حرصت على تحقيق استقلاليتها، لم تتخل عن مسئوليتها الأسرية تجاه الأم والأشقاء، وثقت في نفسها قبل رفقائها، ذهبت إلى شقة صديق لها بمفردها، جلست بالساعات ولم يخدش طيفها، خوفها على نفسها منعها من تناول الكحول، المثاليون على "فيس بوك" عابوا عليها ميلها لرجل متزوج، وتجاوبها معه في تناول مخدر الحشيش، وتدخينها للسجائر خلسة، قمن كان منهم لم يقع في أي من تلك الخبائث فليرمها بحجر.

الجنس والمخدرات، والارتباط الغير متعارف عليه مجتمعياً، والصورة السيئة للشباب الملتزم دينياً، مشاهد هاج وثار عليها النشطاء، لهم كل الحق في أن يرفضوها، حتى إن كانوا يمارسونها فيما بينهم، ولكنها في حقيقة الأمر مشاهد طبيعية، نواجهها ونتفاعل معها في حيتنا اليومية، وأحياناً نتعايش معها على أنها أمر واقع، ونسير نردد فيما بيننا :" كل حر مالم يضر"، فلم الثورة على عمل في مجمله جيد، يحاول بداية من اسمه مروراً بمشاهد الترابط الأسري والمجتمعي، ترسيخ مبادئ توارت خلف الشاشات وتحت الكيبوردات.

العمل في مجمله ينقل صورة أراه حقيقية وواقعة للطبقة المتوسطة، بل أن القائمين عليه تنزهوا وترفعوا كثيراً عن نقل مشاهد أكثر بشاعة نراها ونرصدها وتوثقها صفحات الحوادث داخل تلك الطبقة.

 ما سبق، ليس دفاعاً عن أفعال تضمنها عمل – لا تربطني صلة بأي من القائمين عليه- ولكنه دعوة إلى رفع الرأس، ونفضها من الرمال، إن كان بيتك سيتأثر بمشاهد ذلك العمل، فاغلق عليك حجرتك، ودع عنك التلفاز والكمبويتر والتليفون المحمول والانترنت والفيس بوك، وعد بأولادك إلى الصحراء، ومن آن لآخر احمل حجارة وعد إلى المدينة، لترجم من قام على ذلك العمل ومن شاهده ومن دافع عنه ومن روج له.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق