يهدف لتحويلها إلى حرب دينية

خديعة ترامب للقضاء على القضية الفلسطينية

الخميس، 21 ديسمبر 2017 04:00 ص
خديعة ترامب للقضاء على القضية الفلسطينية
رأفت عليان
السعيد حامد وأمل غريب (نقلا عن العدد الورقى)

يقول الدكتور جمال حمدان فى معرض حديثه عن شخصية مصر الطبيعية فى موسوعته التاريخية «شخصية مصر»: «أيا ما كان.. فنحن معجبون بأنفسنا أكثر مما ينبغى وإلى درجة تتجاوز الكبرياء الصحى إلى الكبر المرضى.. ونحن نتلذذ بممارسة عبادة الذات فى نرجسية تتجاوز العزة الوطنية المتزنة السمحاء إلى النعرة الشوفينية الساذجة البلهاء أو الهوجاء.. إنه مركب عظمة بكامل أبعاده وبكل معنى الكلمة».. وكأن «حمدان» أراد بمهارة الجراحين أن يكشف للجميع الفرق بين الوطنية وحب الوطن وبين النعرة النرجسية التى تتجاوز كل الخطوط الحمراء لتصل فى النهاية إلى المرض الذى لا يستطاب منه أبدًا.
 
 
يتجاوز الوطن وحب الوطن، تلك الكلمات العابرة الرنانة التى لا تعبر فى الحقيقة - فى كثير من المواقف - عن الشعور بالانتماء والحب للوطن، لتصبح المبانى والحجارة أهم من الأرض ومن التاريخ، وأما يعيد للأذهان مأساة الشعوب التى ارتبطت بالأشخاص أو الأماكن أكثر من ارتباطها بالأرض وبالتاريخ، وبينما يكافح الفلسطينيون المنفيون فى شتى بقاع الأرض منذ عملية استبدال وإحلال السكان التى جرت فى 48، للعودة إلى أرضهم ووطنهم، بدا أن هناك من يريد تحويل القضية الفلسطينية العادلة إلى صراع دينى، قد لا يختلف فى جوهره عن الصراع المذهبى الذى بات يحكم ويسيطر على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
 
 
ولعل القضية التى أثيرت وأخذت زخمًا كبيرًا فى شوارع البلدان العربية حول منع الآذان فى المساجد والصلاة فى المسجد الأقصى، لخير دليل على الخطورة الداهمة التى تواجه القضية الفلسطينية من اختزالها فى الصلاة والآذان، بعدما فطن الجانب الإسرائيلى أن تلك التصرفات تثير مشاعر المسلمين، فحاول استثمار تلك المشاعر فى خلق سقف متدنٍ لطموحات وأحلام الفلسطينيين، وساعدته على ذلك حماسة البعض وتطوعه للدفاع عن المقدسات الدينية فقط، وكأنها معلقة فى فراغ.
 
 
إن خطورة المخطط الفكرى الذى يروج له البعض- عن جهل أو عن تعمد- الآن، بحيث تتحول قضية الأرض والتاريخ والجغرافيا إلى صراع على المسجد الأقصى والقدس، واختزال قضية القرن فى مبانٍ وحجارة، مهما بدت عظمة وقدسية تلك المبانى والحجارة، تدفعنا للتذكير أن المقدسات الدينية فى النهاية تعد رمزًا للقضية وليست القضية.
 
 
الكونجرس الأمريكى كان قد اعتمد فى عام 1995، قانونا حول نقل السفارة فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، ولكن بسبب الأوضاع وحساسية هذه المشكلة على العلاقات مع العالم العربى الإسلامى، وقع جميع الرؤساء الأمريكيين، بمن فيهم ترامب، وثيقة كل ستة أشهر تأجيل تنفيذ هذا القرار، قبل أن يوقع ترامب بالأخير وثيقة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
 
 
القضية الفلسطينية تتمحور حول قضية اللاجئين الفلسطينيين وانعدام شرعية دولة إسرائيل واحتلالها للأراضى الفلسطينية بعدة مراحل، وما نتج عن ذلك من ارتكابها للمجازر بحق الفلسطينيين وعمليات المقاومة ضد الدولة العبرية، وصدور قرارات كثيرة للأمم المتحدة، كان بعضها تاريخيا؛ كالقرار رقم 194 والقرار رقم 242.
 
خديعة تحويل القضية الفسلطينية إلى صراع دينى، كانت ظاهرة وواضحة للعيان، وربما كانت السبب فى تحذير القيادى بحركة فتح رأفت عليان، من قرار ترامب، مؤكدا أن الأمر ما هو إلا بالونات اختبار للشارع الفلسطينى وابتزاز للقيادة، موضحا أن الإدارة الأمريكية تريد أن تعرف حجم ردود الأفعال التى قد تستخدمها القيادة والشارع الفلسطينى جراء تلك التصريحات.
 
 
عليان، أكد خلال تصريحات تليفزيونية له، أن إدارة «ترامب» تسعى إلى تطبيق «سلام إقليمى اقتصادى»، وتريد أن تقايض الملف الفلسطينى وكل الملفات فى الشرق الأوسط على حساب أن ترفع الاقتصاد الأمريكى بعيداً عن القرارات الدولية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى، لافتا إلى أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكى «كوشنير» لم يذكر خلالها أى بند من بنود مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو أيا من القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
 
 
واعتبر القيادى بحركة فتح، أن مسألة نقل السفارة والاعتراف بالقدس ليست النقطة المفصلية الآن، وأن الحديث حاليا يدور عن التهديد الإيرانى و«داعش» و«حزب الله»، لافتا إلى أن المشكلة الأساسية فى العلاقة «العربية الإسرائيلية» هى الملف الفلسطينى، لذا تريد الإدارة الأمريكية أن تتجاوز هذه المشكلة فى أن يجعلوا من العرب مجاهرين فى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلى.
 
 
وعلى الصعيد العربى يعتبر كثير من المفكرين والمنظرين العرب وحتى السياسيين، أن قضية النزاع الفلسطينى الإسرائيلى هى القضية والأزمة المركزية فى المنطقة، وكثيراً ما يربطها بعض المفكرين بقضايا النهضة العربية وقضايا الأنظمة الشمولية وضعف الديمقراطية فى الوطن العربى، لذا فإن قضية فلسطين تتجاوز بكثير أزمة المسجد الأقصى أو القدس. 
 
 
وأوضح القيادى بحركة فتح، أن إدارة ترامب لن تجد أية دولة عربية تستطيع العمل معها فى ظل استهداف القدس والمدينة المقدسة، ولن تجرؤ دولة عربية على التعاون مع ترامب إذا حدث استهدافا للقدس، مؤكدا أن من يلعب بهذا الملف هو يلعب بالنار وسيفجر المنطقة.
 
 
وطالب عليان، الدول العربية التمسك بالمبادرة العربية التى رحب بها الفلسطينيون شعبا وقيادة، وألا تكون شريطة فى « صفقة القرن» على حساب القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الدول العربية تعلم جيدا الخطوط الحمراء للشعب الفلسطينى وعليها أن تبلور موقفا جديا فى مواجهة أى مخطط يستهدف القضية الفلسطينية وفى مقدمتها القدس.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق