أولم تؤمن؟!

الإثنين، 25 ديسمبر 2017 05:26 م
أولم تؤمن؟!
السعيد حامد يكتب:

تحدث زميلي الكاتب الصحفي أيمن عبد التواب، مدير تحرير موقع «دوت مصر»، في مقاله الأخير الذي حمل عنوان صديقي المؤمن.. ما دليلك على وجود الله؟، عن الحوار الذي دار بينه وبين من أسماه صديقه الملحد، والسؤال المفاجئ الذي طرحه عليه الأخير، بشأن  أدلته -أي عبد التواب- العلمية القاطعة على وجود الله.. ليخلص في النهاية إلى عدة أشياء بينها أن السؤال الذي طرحه صديقه الملحد غير صحيح من الأساس، معتبرا أن  أي حديث أو تساؤل أو نقاش حول الدليل القاطع الحاسم الذي يريده صديقه يضرب عمق الإيمان في مقتل لأن الإيمان يتطلب غيبا نؤمن به.. والله غيب لم نره، والغيب ركن من أركان الإيمان- ولا يزال الحديث على لسان عبد التواب، ولهذا لو أصبح كل شيء واضحا ومكشوفا للعيان، فلن يكون هناك إيمان.. سيكون هناك «تصديق» فقط.

يربطني بزميلي العزيز الود والاحترام المتبادل، ما قد يسمح لي بالنقاش والاختلاف معه، وأجدني مضطرا للعلب دور محامي الشيطان، وأنتصر لصديقه الذي يبدو أنه لم يحظ بآي فرصة للرد- على الأقل في المقال- وإن كنت لا أستعبد أن يكون صديقه قد أحس بالذنب- بعد سماعه الحجج القوية الرادعة التي عرضها عبد التواب، وندم على ما فعل ونطق الشهادتين من جديد، لينهي معاناته ويعود أدراجه من نقطة اللا عودة التي وصل إليها .. أيا ما كان فإن ما قاله صديقي العزيز يتطلب ردا مغايرا ناقدا، يحمل الراوية الأخرى لكل ما ساقه من أدلة روحانية، تعبر بشكل ما عن تدينه الروحي الجميل.

إن المنطق المعكوس الذي يفرض نفسه دائما على كل الأحاديث الجانبية والعلنية حول وجود الله، والأدلة العلمية القاطعة على ذلك، تكشف في الحقيقة فهما مغلوطا لطبيعة السؤال وزاوية إخراجه، حيث إن الواقع والمنطق يقولان إن من ادعى ادعاءات خارقة مطالب - هو لا غيره - حتما بأدلة خارقة، وبينما ننكر على الآخرين حديثهم وسؤالهم عن الأدلة العلمية على وجود الله، أو نعتهم بالتيه وأنهم ضلوا الطريق على أقل تقدير، كان الأولى أن نقدم نحن الأدلة العلمية القاطعة على وجود الله، قبل أن يبدأوا حتى بطرح ذلك السؤال، القديم في واقع الأمر؛ فنحن من نؤمن ونصلي كل يوم لله.

صديقي العزيز يقول إن الله لا يخضع للعلم، لأن العلم له حدود، ولأنه- أي الله ـ خارج عن الطبيعة، خارج عن المادة، إذن أنت تتحدث لصديقك عن شيء غير موجود وغير مادي وتذكر أنه ملحد لا يؤمن بوجود إله ما يعني أنه لا يصدق أي شيء من الكتب السماوية بالتباعية، فلا تنتظر منه أن يبكي ويتأثر حين تتحدث عن الله وعن عظمته أو أن تنتابه القشعريرة التي تسري في جسدك حين تتذكر الله.

 أنت تتحدث لصديقك عن أشياء يفسرها هو وتفسرها أنت يصفها هو وتصفها أنت أيضا في مقالك، بالخارقة للطبيعة، التي لا تخضع لقوانينها ولا تجنح لغضبها، وهو ما يشير إلى عظمة الحدث فكان من الطبيعي أن يبحث صديقك بكل إيمان عن أثر ذلك الحدث، وأن تتملكه الرغبة في إيجاد أي دليل يثبت أنه يسير في الطريق الصحيح، فالمؤمن هنا قد يكون -خلال ساعات- كافرا هناك، تحت نفس المنطق والحجج والبراهين التي تقدم هنا وهناك، والكافر هنا قد يكون مؤمنا هناك بنفس التفاسير والمنطق.

يعود عبد التواب ليستنكر دأب وبحث العلماء عن الأدلة على وجود الله عبر العلم التجريبي أو المادي كما قال.. أو لم يبحث عنها إبراهيم عليه السلام؟ ألم يطرح إبراهيم على ربه شخصيا ووجها  لوجه، نفس السؤال الذي طرحه صديقه الملحد عليه، ألم يقل إبراهيم لربه: «رب.. أرني كيف تحيي الموت».. وكأن إبراهيم أراد أن يقول: امنحني يا الله دليلا أراه رؤيا العين و«شيء حقيقي» ألمسه وأحس به،أوليس تلك هي المادة؟ هي العلم؟! بل أنه عندما أراد ربه أن يعاتبه: «قال أولم تؤمن»، رد إبراهيم بكل إيمان: «بلى.. ولكن ليطمئن قلبي».. ما يعني أن الإيمان بالغيب لم يمنع إبراهيم من الشك ولم ينه حيرته، قبل أن يقوده شكه بالأخير إلى يقينه.. وحين استقر قلب إبراهيم واطمئن آمن وصلى لربه.

يريد عبد التواب أن يقول إن طلب الدليل من المعامل وأنابيب الاختبار، وانتظاره أمر خاطئ، كطلب روشتة علاجية من سباك، رغم أن العلم لا ينفك أن يهزم الأديان كل يوم وفي كل رقعة وفي كل حلبة نزال، نتيجة تحرشات دارويش الإعجاز العلمي في الأديان ومحاولتهم الساذجة تقديم الكتب السماوية المقدسة باعتبارها أوراقا بحثية لكل الاكتشافات والاختراعات التي ولدت من رحم المعامل وأنابيب الاختبار، بل وتقديم كل تلك المزاعم تحت حفلات دعائية صاخبة كدليل علمي تجريبي للمصادفة، على وجود الله.

في الحقيقة، العلم منذ ولد وهو متمردا رافضا لحدوده، لذا ظل يسير في الاتجاه المعاكس للإيمان وللأديان، حتى جاء تشارلز داروين، ووضع حدا للاشتباك بسلاح نظرية النشوء والتطور، (صحيح داروين لم يقل إن الإنسان أصله قرد)، ليعلن العلم حينها تمرده وانقلابه رسميا على كل روايات الأديان السماوية عن بداية الخلق وعن كيف خلق الإنسان؟، ثم مشروع الانفجار الكبير (بالإنجليزية: Big Bang)، الذي يكشف بوضوح كيف ومتى تشكل هذا الكون البديع، وهناك أمثلة كثيرة جدا على المواقف والأحكام التي يخالف ويخاصم فيها العلم التجريبي، الإيمان والأديان.. لكنها في النهاية ليست بالضرورة أن تكون السبب الرئيسي والدافع وراء سؤال الصديق الملحد.. للحديث بقية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق