صوت الأمة تطلق حملة"أنقذوا تراث الإسكندرية" (2)

فيلا أجيون.. تدمير تراث الإسكندرية بدأ من هنا (تحقيق)

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017 05:33 م
فيلا أجيون.. تدمير تراث الإسكندرية بدأ من هنا (تحقيق)
فيلا أجيون
تحقيق- محمد أبو ليلة

 
هل فكرت مرة في مطالعة الصحف الأجنبية لترى ماذا تكتب عن مصر وبالأخص عن مدينة الإسكندرية؟.. بعيداً عن الأوضاع السياسية والاقتصادية، فإذا كنت من سعداء الحظ الذين يتابهون بتاريخ مصر الفرعوني والحضاري وما كانت تمتلكه مدينة كالإسكندرية من حضارات عابرة للقارات، ستجد أنه خلال الخمسة أعوام الماضية لم تُذكر كلمة الإسكندرية في صحيفة عالمية، إلا وبعدها كلمات كإنهيار وإزالة.
 
"الإسكندرية تهدم تراثها".. هذه عبارة من عبارات كثيرة يتحدث بها العالم عن الإسكندرية، لما يحدث لها من هدم مباني تراثية وتاريخية وحضارية، كنا قد نشرنا يوم 21 ديسمبر الجاري هنا في صوت الأمة تحقيقاً صحفياً عن تعرض عمارة راقودة بالإسكندرية - التي كان يسكن فيها المخرج العالمي يوسف شاهين- للهدم، وهي عمارة تراثية بُنيت في عشرينيات القرن الماضي.
 
وهذه العمارة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل هدم المباني التراثية بالإسكندرية، فخلال الخمسة عشر عاماً الماضية هُدم ما يقرب من 10% من العقارات التراثية بمدينة الإسكندرية وحدها، وهُدم معها تراث حضاري نادر لم يكن موجود في مُدنٍ عالمية غير الإسكندرية. 
 
info
 

1118 مبنى تراثي بالإسكندرية

عدد المباني التراثية في محافظة الإسكندرية وحدها يصل لـ 1118 مبنى تراثي، وذلك طبقاً لبيانات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري - الذي حصلت صوت الأمة على نسخة منه- ، والذي يُقسّم محافظة الإسكندرية لـ سبعة أحياء بها مباني تراثية.
 
في حي وسط الإسكندرية وحده 440 مبنى تراثي مُسجل في قائمة الجهاز القومي  للتنسيق الحضاري، بينما حي شرق الإسكندرية يمتلك النصيب الأكبر من تلك المباني برصيد 458 مبنى تراثي. 
 
"للأسف الإسكندرية العالمية والثقافية بتتلاشى بسبب انهيار المباني التراثية فجنوب الإسكندرية أصبح معظمه عشوائيات وشمالها كله مباني مخالفة للقانون".. هذه الكلمات قالها الروائي السكندري إبراهيم عبد المجيد في تصريح خاص لـ صوت الأمة.
 
مشكلة انهيار المباني التراثية في الإسكندرية مُتشعبة، فجزء كبير من هذه المباني لم يكن أيل للسقوط، والمشكلة الأكبر أن مُلاكها الذين ورثوها حاولوا بشتى الطرق أن يتحايلوا على القانون لإخراج مبانيهم من مجلد الحفاظ على التراث والذي يُمنع قانوناً هدم المبنى طالما وُضع في هذا المجلد. 
 
"فيه أكثر من 30 عمارة تاريخية في محرم بيه كانوا موجودين داخل مجلد الحفاظ على التراث وخرجوا منها بطرق ملتوية حتى يتم هدمها، وهذا حدث في سنة 2014، للأسف مجلد التراث به أخطاء في اسم المالك وأخطاء في العناوين يوجد منشأت مُهمة غير مسجلة بداخله".. يؤكد ذلك إسلام عاصم أستاذ التاريخ المعاصر، الذي طالب في حديث خاص مع صوت الأمة بإعادة تصحيح مجلد التراث وإضافة تلك المباني التراثية التي لم يشملها المجلد من بينها عمارة راقودة.
 
فيلا أجيون في السيتينات
فيلا أجيون في السيتينات

فيلا أجيون
حسب إحصائيات مستقلة لحملة "انقذو الإسكندرية"- حصلنا عليها-، فإنه تم حذف 36 مبنى أخر في الاسكندرية من مجلد الحفاظ على التراث، بناءاً على أحكام قضائية، من بينها فيلا أجيون التي كانت تقع في 75 شارع منشا حي وابور المياه وتم تسجيلها تحت رقم  631 حي وسط الإسكندرية، كما أنه لا تزال هناك 90 قضية مماثلة متداولة حالياً في القضاء لإزالة عقارات تراثية بمدينة الإسكندرية فقط.
 
فيلا أجيون التي بُنيت في عشرينيات القرن الماضي لصاحبها جوستاف أجيون بواسطة المعماري الفرنسي الشهير أوجوست بيريه بما لها من طراز معماري وحضاري مميز، هُدمت في فبراير من عام 2014، بعدما خاض مالكها حرب ضروس مع القضاء منذ عام 2007، كي يُخرج الفيلا من مجلد الحفاظ على التراث ويهدمها.
 
فالفيلا التي كانت مزاراً لطلبة كليات الهندسة حول العالم، لما تحتويه من مدرسة هندسية نادرة في تصميماتها التراثية، أصبحت الأن أرض فضاء بعد أن هُدمت في لحظة وتحولت لـ "كومة" من الأنقاض.
 
ستكون مفارقة غريبة وأنت في طريقك لتفقد المباني التراثية التي هُدمت بالإسكندرية أن تمر على مكتبة الإسكندرية بما لها من عبق تاريخي وثقافي عابر لحضارات كبرى كانت الإسكندرية شاهدة على توهجها، هذا المشهد السيريالي لن يتواجد في  أي مكان في العالم سوى في الإسكندرية.  
 
هدم فيلا أجيون عام 2014
هدم فيلا أجيون عام 2014

"فيلا أجيون كان لها أهمية معمارية كبيرة على المستوى العالمي والمحلي وكان ذلك سبب في إدراجها بمجلد الحفاظ على المباني التراثية بالاسكندرية لأنها ذات طابع معماري متميز وتاريخي حيث صممها أحد أهم معماري القرن العشرين - أوجيست بيريه-، الذي أُدرجت أعماله في اليونسكو".. يؤكد ذلك محمد أبو الخير منسق حملة أنقذو الإسكندرية في حديث خاص مع صوت الأمة.

منذ متى بدأ هدم التراث؟
ويضيف منسق حملة انقذو الإسكندرية التي حاولت مراراً أن تُحافظ على المباني التراثية ومنع هدمها، أنه قبل اعتماد مجلد الحفاظ على المباني التراثية لمحافظة الإسكندرية أقام مُلاك فيلا أجيون دعوى في محكمة القضاء الإداري ضد مُحافظ الإسكندرية ورئيس حي وسط لإلغاء القرار الصادر برفض التصريح بهدم العقار وتم الحكم فيها بإلغاء القرار وقدمت المحافظة استشكالاً تم قبوله شكلاً ورفضه موضوعاً ، ثم قام مُلاك الفيلا بالطعن على الحكم وتم رفضه.
 
مستند يوضح وجود فيلا أجيون في قائمة الجهاز  القومي للتنسيق الحضاري الذي يمنع هدمها
مستند يوضح وجود فيلا أجيون في قائمة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي يمنع هدمها

وبعد اعتماد مجلد الحفاظ على التراث قام مُلاك الفيلا بتقديم تظلم من إدارج الفيلا بمجلد الحفاظ على المباني التراثية لمحافظة الإسكندرية إلى لجنة التظلمات - والتي تشكلت بقرار من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للقانون رقم 144 لسنة 2006-، بهدف حذف الفيلا من قوائم المجلد وتم رفض التظلم وتمت التوصية بترميم جميع عناصره الإنشائية، حيث حصلنا على صورة ضوئية من رفض هذا التظلم.
 
وفي أغسطس من عام 2009 قام مُلاك بمحاولة هدم العقار بطريقة غير قانونية نتج عنها تدمير جزئي لواجهة الخلفية وتم تحرير محضر مخالفة أعمال بتاريخ 30 أغسطس عام 2009 ذكر فيه أن المخالف قام بتخريب العقار الوارد بمجلد التراث بهدم جزء من السور وتكسير عدة أعمدة من الواجهة بالمخالفة للقانون وتم إيقاف الأعمال التي تمت بدون ترخيص بُناءاً على هذا المحضر.
 
فيلا أجيون أعقاب الهدم الجزئي عام 2009
فيلا أجيون أعقاب الهدم الجزئي عام 2009
 
مالك الفيلا التراثية تابع أيضا دعوى أخرى في القضاء الإداري لإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء بإداج المبنى في مجلد الحفاظ على التراث قبلت المحكمة الدعوى وأقامت المحافظة استشكالاً وطعناً تم رفضها من المحكمة وبناءاً على هذا الحكم القضائي أصدر وزير الإسكان أنذاك - المهندس إبراهيم محلب-، القرار رقم5777-2013 في نوفمبر عام 2013 ونُشر في الجريدة الرسمية في 14 ديسمبر 2013 والذي تضمن حذف العقار من مجلد الحافظ على التراث بالإسكندرية.
 
وفي صباح يوم الأربعاء 5 فبراير عام 2014 بدأ ملاك فيلا أجيون في أعمال الهدم التي تم إرجاؤها مؤقتاً بقرار من المحافظ لإعطاء كافة الفرص الممكنة لجميع الأطراف المعنية للحفاظ على المبنى وتعويض المالك بدون التعرض لأحكام قضائية تبعاً للبيان الصحفي الصادر من محافظة الإسكندرية في نفس اليوم وأشار البيان بوضوح إلى إقرار المالك بأنه سوف يمتنع عن القيام بأي إجراءات مضادة لقرار المحافظ بوقف الأعمال بالإلتزام بذلك وعلى الرغم من ذلك استمرت أعمال الهدم في اليوم التالي وفي أيام لاحقة مما نتج عنه زيادة نسبة التدمير في فيلا أجيون.
 
ثغرة قانونية

فيلا أجيون ظلت فترة موضوعة في مجلد الحفاظ على المباني التراثية المعتمد من قبل رئيس  مجلس الوزراء بقرار رقم 278 لسنة 2008 والذي صدر تنفيذًا للقانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشأت غير الأيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري. 
 
لكن المادة الثانية من القانون نفسه شكلت ثغرة قانونية يلجأ إليها مُلاك الفلل التراثية كي يخرجوها من مجلد التراث لكي يسهل بيعها وهدمها، وهذا ما حد في فيلا أجيون، حيث تنص تلك المادة القانونية على "يُحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز المرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية أو التى تعتبر مزاراً سياحياً".

"مشكلة هذه المادة هي حرف العطف بين كلماتها، فالقاضي لما بيجي يحكم في هذه القضايا بتكون الثغرة القانونية هي حرف العطف والذي معناه أن القاضي بياخد الجملة كلها على بعضها، بمعنى أنه لو لم يتوافر شروط التاريخ القومي والشخصية التاريخية والمزار السياحي كلها في نفس العقار يتم إخرجها من مجلد الحفاظ على التراث، وهذا ما حدث في أجيون".. يؤكد ذلك إسلام عاصم أستاذ التاريخ المعاصر لـ صوت الأمة، والذي طالب بأن يحدث تعديل تشريعي في هذا القانون من مجلس النواب.

أين البرلمان؟
حاولنا مراراً التواصل مع رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب معتز محمود لكي نسأله عن وجود نية أو اقتراحات لدى لجنته في تعديل المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006، والخاص بالحفاظ على المباني التراثية لكن هاتفه كان مشغول أو خارج نطاق الخدمة، ثم أرسل لنا رسالة هاتفية "سأتصل بك في وقت لاحق"، ولم يتصل. 
 
النائب إيهاب منصور عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب أوضح في تصريحات خاصة لـ صوت الأمة أن هذا القانون لابد من تعديله لأن به ثغرات تسبب في هدم المباني التراثية، مثله مثل قوانين كثيرة يجب تعديلها.
 
لكن المشكلة حسب حديثه أن لجنة الإسكان في مجلس النواب لديها أولويات " احنا عندنا أولويات في اللجنة، ببناقش قانون البناء والمفروض يتم إنجازه في دور الانعقاد الحالي، وكمان قانون المناقصات".. يتابع منصور.
 
وحينما سألناه عن وجود جدول زمني لدى لجنته من أجل الانتها من هذه القوانين كي يتثنى لهم تعديل قانون الحفاظ على المباني التراثية، قال إنه لا يوجد جدول زمني، "للأسف مفيش جدول زمني واضح نتيجة وجود طلبات إحاطة بتيجي اللجنة لأمور عاجلة كثيرة جداً، وبالتالي لا أحد يعف متى ننتهي من القوانين الحالية حتى نبدأ في تعديل القانون رقم 144 لسنة 2006 والخاص بالحفاظ على المباني التراثية"..يقول.
 
من جهة أخرى قال النائب عبد المنعم العليمي عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب في تصريحات خاصة لـ صوت الأمة أن تعديلات القانون لم تعرض على لجنته ولا يوجد نية لتعديله، "المشروع مش معروض للتعديل ولا سمعت عنه كمان، الوقت الحالي محدش اتكلم عنه، ياريت لو فيه تقرير تحت ايديك بيقول هذا الكلام ابعته ونبحثه ونشوفه".. هكذا قال.

نية لتعديل القانون
كان وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي أكد في تصريح صحفي نُشر يوم 23 سبتمبر الماضي أن وزراته انتهت من إعداد مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 144 لسنة 2006 ، فـي شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري، من خلال اللجنة الدائمة لإعداد ومراجعة وتعديل التشريعات المشكلة بالقرار الوزاري رقم 301 لسنة 2016 وبالتنسيق مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. 
 
وقال وزير الإسكان: إنه سيتم إرسال مشروع قانون تعديل بعض أحكام القانون 144 لسنة 2006، إلى مجلس الوزراء لمناقشته والموافقة عليه، ثم إرساله للبرلمان.
 
فيلا أجيون كومة تراب
فيلا أجيون كومة تراب


بيزنس هدم المباني

هذه الثغرة القانونية في قانون الحفاظ على المباني التراثية استغلها مالك فيلا أجيون كي يُخرج الفيلا من مجلد التراث ويهدمها، " المالك حاول على مدار 15 سنة يبيع الفيلا ويهدمها بسبب الثغرة دي، بعد ما باعها وكانت لسه مدرجة في مجلد التراث المقاول بتاعها كسر عمودين داخل الفيلا، تاني يوم اكتشفوا أن جزء كبير من الفيلا اتهدت، فيه  ناس جاءت بالليل هدو باقي أركان الفيلا".. يؤكد ذلك أسامة محرم منسق حملة في حب الإسكندرية التي تُحاول الحفاظ على المباني التراثية في حديث خاص لـ صوت الأمة.

ما قاله "أسامة" ليس ضرباً من الخيال وإنما أصبحت طريقة ضمن طُرق كثيرة مُلتوية يلجأ إليها مُقاولو هذه المباني من أجل هدمها، وهذا ما حدث تقريباً في هدم فيلا شيكوريل التراثية بالإسكندرية، حيث حصلنا على مقطع فيديو يوضح قيام مُقاول الفيلا وعدد من العاملين بتحطيم الوجهة الخلفية للفيلا، في محاولة لجعلها أيلة للسقوط.
 
"هما بيتبعوا أساليب خبيثة في هدم الفيلل، بيقفلوها ويغطوها، بوشاح أسود، وفي المساء بيدخلوا يفرغوا الفيلا من جوه ويهدموا الأعمدة ويفرغوها من الشبابيك والتحف، عشان لما يجي حد يتكلم يكون المبني  أيل للسقوط تماما، والمحافظة ميبقاش قدامها حل غير انها تهدم".. يؤكد ذلك إسلام عاصم أستاذ التاريخ المعاصر.

حلول جوهرية 
وكانت حملة "انقذو الإسكندرية" قد قدمت عريضة في عام 2014 لرئيس الوزراء وووزيري الإسكان والثقافة – حصلت صوت الأمة على نسخة منها- ، تُطالبهم بالحفاظ على الهوية التراثية للإسكندية، وتقدم لهم حلول جوهرية لعلاج هذه الأزمة.
 
صورة أخرى لهدم فيلا أجيون
صورة أخرى لهدم فيلا أجيون
 
من بين هذه الحلول أن يحدث تدخل تشريعي فوري من مجلس النواب لتعديل نص المادة الثانية من القانون 144 لسنة 2006، وطالب محمد أبو الخير منسق حملة "أنقذو الإسكندرية" في حديث لـ صوت الأمة الحكومة بـ تفعيل ما جاء بالمادة 44 من القانون 119 لسنة 2008 بشأن حق المحافظ في وقف تراخيص البناء في مناطق معينة تحقيقاً لغرض قومي.
 
بالإضافة لـ تفعيل اشتراطات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري والدلائل الإرشادية الملزمة التي أصدرها فيما يخص المباني والمناطق التراثية وإلزام الجهات الإدارية المختصة بها عند قيامها بأي أعمال بتلك المناطق والمباني والمنشأت وفقا للقانون رقم 119 لسنة 2008.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة