محمد صلاح ومحمد رمضان وانا وانت
الجمعة، 05 يناير 2018 06:23 م
الساعة الثانية عشر، شمس أكتوبر لازالت تملأ البقعة المحيطة، الظهيرة حارقة لمن تسول له نفسه أن يخترق هذا السور رغم تهالكه، المدير والأستاذ والأب والأم إن ضبطوا الملعوب فإن "العلقة" قدر مكتوب، كل ذلك لا يهم، يوسوس شيطان كل منا للآخر "هيا بنا"..الحصة الأخيرة للحاسب الآلي لا جديد، وبالخارج ثأر لن نتركه يبيت.
في الميدان كرة مهترئة وأرض غير مستوية تنتظر أحذية وملابس – حتى الآن - جديدة، كل ذلك أيضاً لا يهم، نتسلل كالفئران، حتى نصل لمسرح العمليات، نلعب نكسب ونخسر، نجرح ونكسر تقطع الملابس والأحذية، تمر مرات برداً وسلاماً، ونضبط في واحدة فنأخذ النصيب من "العلق" الفائتة كاملاً، في المساء نتقابل أسفل المنازل، وتتولى شياطيننا تهدئة الروع، فما فات من "العلق" مات، حتى نستطيع الترتيب للمرات المقبلة.
حقك أن تسأل، ما علاقة صلاح ورمضان بكل هذا السرد – ولن ألومك ان سميته هبد-، أنا وانت وجيلنا الذي ينتمي إليه الفيراري صلاح والأسطورة رمضان، كان يفعل ذلك، يفعله بدافع الحب العذري، حب لا ننتظر منه مقابل، حب غير مشروط بمهر وقائمة، حب لا علاقة له بمصدر رزق، حب لا علاقة له بحلم العمر، أنا وانت أيها الطبيب والمهندس والصيدلي والضابط ووزير المستقبل، وربما رئيس الجمهورية بعد ثلاثين عاماً، لم يكن جزء من حلمنا أن نكون لاعبي كرة، نعم كان صلاح "يصيع" معنا، ويهرب من المدرسة مثلنا، وربما كان يعاقب بلكمات أكثر مننا، ولكنه كان يدفع مقدم حلمه، هو كان يعلم ذلك ويخطط له جيداً، نفض عن كتفه وأذنه حلم أن يرتدي البالطو الأبيض والمسطرة الـT، هو فقط كان ينام ويصحو على حلم أزير الجماهير باسمه، وهو يرتدي فانلة وشورت في ميدان آخر غير ذلك الميدان الذي تزاملنا فيه.
أنا وانت حققنا حلمنا، وصرنا ما خططنا له، فرح بنا الأهل والأقارب، ونجونا من فخ "تفاهة" كرة القدم والرسم والتمثيل والرقص والغناء، التي كنا ندفع عنها دفعاً، و"صلاح" و"رمضان" حققا أيضاً ما حلما به، وخططا له، وفرح بهم أيضاً من يهتمون بشأنهم، لا ذنب لهم أنهم اختاروا طريقاً للشهرة والمال أقصر مما اخترناه أنا وانت، علينا أن نحييهم ونعترف بأنهم كانوا أكثر جرأة منا، وقدرة على المخاطرة بأشياء كثيرة مقابل الوصول إلى مبتغاهم.
منذ ثمانية أعوام، احتفلت بنشر أول موضوع صحفي لي بجريدة صوت الأمة، وكان زميل لي يحتفل بتخرجه من كلية الهندسة، وآخر يحتفل باستلام وظيفته بوزارة الخارجية، كنا نفرح في وقت كان فيه صلاح ورمضان خلف الأضواء، لا يعلم أحد عنهم شيئاً، ربما كان ينغص نومهم لوماً سمعوه من أحد هنا وآخر هناك :"مش تكمل تعليمك يابني وتشتغل شغلانة عليها القيمة"، وقتها لم يكن متوفر لهم نفس ظروفك ولا ربعها التي أهلتك لأن تكون حاملاً لتلك الشهادة، ولكنهم كانوا يلاموا بقسوة، تضعهم في حيرة ناسفة لكل الأحلام، إن سمعوا لها وتنازلوا مثلما تنازلت أنا وانت كثيراً عن أحلامنا مقابل " الوظيفة المحترمة" ما كان لهم الأرض وما عليها الآن.
ما المخاطرة في أن العب الكرة.. ما المغامرة في التمثيل؟.. قبل أن أجيبك عن السؤال الذي جال بخاطرك وأنت تقرأ السطور الماضية، تعالى معي نتخيل أن "صلاح" و"رمضان" لم يوفقا في الوصول إلى فرصة فتحت لهم فرصاً أخرى، آلت بهم إلى فرص أكبر للوصول إلى ما وصلا إليه الآن، متخيل أنهم الآن خلف الجدران يندبان حظهما، وسوء تفكيرهما في الاهتمام بالكرة والتمثيل، على حساب الدراسة والوظيفة، هل تعلم كم ممثل وكم لاعب كرة قدم فشلوا وهم في نصف الطريق ويتسولون ثمن الرغيف.
"صلاح" و"رمضان" وانا وانت، المقارنة بيننا ظالمة، الأول سلك طريقاً صعباً للغاية، وحتى الآن يضرب نموذجاً في الأدب والأخلاق والتواضع والاصرار على تحقيق الحلم، لا يعيبه أنه اهتم بالكرة وباتت حلماً لا يفارقه، وان كنت تحلم نفس الحلم وتنازلت عنه، فهذا عيبك انت، أما الثاني، فلم يكن طريقه سهلاً أيضاً، انتقده كيفما شئت فيما يقدم، ولكن لا تعيب عليه أيضاً انه اهتم بالتمثيل وكان شغفك انت بالرياضة، يقدم أشياء لا تقبلها لا تتابعه، حاول أن تدفع محيطك الصغير إلى أن يتجاهلوه أيضاً، أي اتهامات لها علاقة بنشأته ونشأتك، سيجعله بطلاً وتصبح حاقداً، أما انا وانت فسلكنا ونحن بكامل قوانا العقلية طريقاً يتناسب مع قدراتنا وظروفنا وأحلامنا وأحلام المقربين منا، عليك وعلي قبلك أن نسعى، وما لنا إلا سعينا.