واشنطن تريد الحرب في سوريا وترفض السلام

الإثنين، 15 يناير 2018 03:25 م
واشنطن تريد الحرب في سوريا وترفض السلام
د. مغازي البدراوي يكتب:

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انتهاء العملية العسكرية وانسحاب القوات الروسية من سوريا، كما أعلن أنه تم القضاء على أكثر من 90% من الإرهابيين وقواعدهم في سوريا، وما تبقى فإن الجيش السوري كفيل بالقضاء عليه، وقرر الرئيس بوتين أن تكثف موسكو جهودها الآن في العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية بشكل نهائي، ومفترض أن هذه العملية السياسية كانت تسير بشكل جيد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأن معظم فصائل المعارضة السورية السلمية منها والمسلحة بادرت للمشاركة في المفاوضات التي شارك فيها النظام السوري أيضاً، لكن ما أن بدا الحسم العسكري الروسي في سوريا واقتراب نهاية "داعش" و"جبهة النصرة"، إلا وفجأة ظهرت العقبات أمام العملية السياسية، والتي أدت إلى فشل مفاوضات جنيف الأخيرة في جولتها الثامنة، بسبب عودة بعض فصائل المعارضة للتمسك بمطالب وشروط كانوا قد تنازلوا عنها من قبل، مثل مصير الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي دعا روسيا إلى الدعوة لمباحثات بين جميع الأطراف في مدينة سوتشي الروسية، ولكن هناك من يسعى أيضاً لإفشال هذه المباحثات.

أهداف واشنطن الخفية

موسكو ترى أن  ما تفعله بعض فصائل المعارضة من محاولات لإفشال العملية السياسية، لا يأتي من فراغ، ولا من مجرد أطماع خاصة لهذه الفصائل في نصيب أكبر من الكعكة السورية بعد التسوية السياسية، وإنما هناك شيء أخطر وأكبر من هذه الأمور تراه موسكو على أرض الواقع، حيث هناك جهات أجنبية تقف وراء هذه الفصائل لإفشال العملية السياسية، خاصة واشنطن التي ترى أن نجاح هذه العملية السياسية تحت إشراف موسكو سيضيف انتصارات سياسية كبيرة لروسيا إلى جانب ما حققته من انتصارات عسكرية كبيرة شهد لها العالم كله، الأمر الذي تخشى من ورائه واشنطن نمو التواجد الروسي في سوريا والشرق الأوسط بالشكل الذي يهدد مصالحها الكبيرة، وربما تواجدها ككل، في المنطقة، لكن واشنطن ترى أن وضع العقبات أمام العملية السياسية لا يكفي للحد من قوة وصعود التواجد الروسي في سوريا والمنطقة، خاصة وأن هذه العملية السياسية تتم تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة منها، وفشلها لن ينسب لروسيا بقدر ما سينسب للمجتمع الدولي وتتحمل مسئوليته فصائل المعارضة التي تسببت فيه، ولهذا ترى موسكو أن لواشنطن أهداف أخرى أخطر من مجرد عرقلة العملية السياسية.

اتهامات روسية

منذ أن بدأ التراجع الكبير لتنظيم "داعش" وهروب فلوله أمام قصف الطيران الروسي، خاصة خلال النصف الثاني من العام 2017، والاتهامات الروسية مستمرة لواشنطن والتحالف الدولي الذي تقوده في سوريا، بدعم التنظيمات الإرهابية، خاصة "داعش" و"جبهة النصرة"، ومساعدتها على الهروب من القصف الروسي، وتوفير ملازات آمنة لها بعيدأ عن مناطق القتال، خاصة مع تصميم واشنطن على بقاء قواتها العسكرية في الأراضي الروسية، على الرغم من إعلان روسيا سحب قواتها التي جاءت لسوريا بطلب من النظام السوري الشرعي الحاكم، بينما القوات الأمريكية فرضت نفسها بالقوة وبدون أي سند شرعي أو دولي، ومرفوض وجودها من النظام السوري، وقد صدر تصريح من البنتاغون الأمريكي على لسان المتحدث الرسمي إيريك باهون يقول: "أن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سحب القوات لا تعني، في كثير من الحالات، التقليص الحقيقي للقوات ولا تؤثر على أولويات الولايات المتحدة في سوريا"، وأضاف باهون "أن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده واشنطن سيواصل نشاطه بسوريا".

جيش من الإرهابيين

واشنطن لن تترك سوريا في حالها، ولن تعطي فرصة لنمو التواجد الروسي في سوريا، وهذا ما يقوله العسكريون الروس، فقد صرح فيكتور بونداريف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، بأن أمريكا لن تترك سوريا وشأنها ببساطة وتهدف بتصميمها البقاء في سوريا إلى زعزعة الوضع هناك مجددا، وتسعى لإنشاء رأس جسر لخلق البلبلة وإشعال الفوضى من جديد في سوريا وأكد أن موسكو ستساعد الأسد في تصديه لهذه المحاولات.

وقال بونداريف إن واشنطن أصيبت بصدمة كبيرة بسبب نجاح روسيا العسكري والجيوسياسي في سوريا، وكذلك تمكنها من تطبيع الوضع هناك، بينما كانت واشنطن تسعى لتحويلها إلى ليبيا أخرى وتدميرها".

وأكد بونداريف على أن واشنطن تعد جيشاً جديداً من الإرهابيين لإشعال الحرب في سوريا من جديد، وذكر المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا. أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، يستخدم مخيما للاجئين في محافظة الحسكة، منذ ستة اشهر، كقاعدة لتدريب المسلحين الذين يتدفقون إلى هناك من مناطق مختلفة. وقال إنه من المقرر استخدام هذه الجماعات المسلحة فيما يسمى "الجيش السوري الجديد" لمحاربة القوات الحكومية السورية مستقبلا.

إنقاذ "داعش"

كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية في العاشر من ديسمبر الماضي، التحالف الدولي بمحاولات إعاقة استهداف الطائرات الروسية لمواقع تنظيم "داعش" في شرق سوريا. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف إن: "غالبية حالات التقارب بين الطائرات الروسية والأمريكية فوق حوض نهر الفرات كانت متعلقة بمحاولات الطيران الأمريكي إعاقة القضاء على إرهابيي داعش".

تحت عنوان "البنتاغون يشكّل جيشا سوريا جديدا"، كتب الخبير السياسي الروسي فلاديمير موخين، في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" عن تشكيل جيش جديد من الدواعش السابقين والقبائل العربية بدعم أمريكي ضد الأسد.

وقال موخين أن موسكو ودمشق وحلفاءهما سيجدون أنفسهم في مواجهة عدو جديد، فالاستخبارات الأمريكية تجهز من مجموعات المقاتلين السابقين جيشا جديدا كان أُطلق عليه اسم "جيش سوريا الجديد".

ويضيف موخين أن الولايات المتحدة تضع، اليوم، أهدافا جديدة أمام الجيش السوري الجديد. فكما هو معلوم فشلت الجولة الأخيرة من المفاوضات بين دمشق والمعارضة في جنيف. ومعظم المجموعات المدعومة من الولايات المتحدة طالبت هناك بتنحي الأسد. وبالتالي، فضمن هذا التوجه والمناخ والخلافات يتم إعداد الجيش الجديد. والمعسكر الذي أقامه الأمريكيون في ريف الحسكة لتدريب مقاتلي الجيش السوري الجديد يأتي في إطار هذه المهمة، ويستجيب للهدف الأمريكي.

رفض واشنطن

هذه الاتهامات الروسية التي تدعمها المعلومات الاستخبارية، ويدعمها تصميم واشنطن على بقاء قواتها في سوريا بدون أي مبرر لوجودها، يرفضها التحالف الدولي بقيادة واشنطن ويرفض تصريحات وزارة الدفاع الروسية بشأن تواطؤ التحالف الدولي مع بقايا مسلحي "داعش" في سوريا.

واشنطن تربط تواجدها في سوريا بمراقبة العملية السياسة وضمان إتمامها على الوجه المطلوب، لكن موسكو ترى أن ربط التواجد الأمريكي في سوريا الآن بعملية التسوية ما هو إلا ذريعة ومحاولة لتبرير هذا التواجد، وإن هذا الربط مرفوض جملة وتفصيلا لأن الولايات المتحدة وغيرها لن تستطيع فرض أي حل بالضغط العسكري، بل على العكس فإن هذا التواجد لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الأزمة وتعقيدها وربما اشتعالها أكثر ونشر الفوضى في المنطقة كلها، وهنا، في رأي موسكو، يكمن الهدف الحقيقي لهذا الوجود الأمريكي في سوريا.

الفوضى هي الهدف

المشكلة في استمرار التواجد الأمريكي في سوريا، كما تراها موسكو، ليس في إعاقة العملية السياسية في سوريا لصالح أطراف معينة أو أهداف سياسية مستقبلية، بل الهدف يدخل ضمن إطار الاستراتيجية الأمريكية التي أعلنتها واشنطن في العشرين من ديسمبر، والتي وضعت روسيا على رأس أعداء الولايات المتحدة ومصادر تهديد الأمن الأمريكي، وفي إطار هذه الاستراتيجية يسعى اليمين المحافظ المناهض لروسيا في واشنطن إلى إعادة جر روسيا لحرب واسعة مع التنظيمات الإرهابية والمرتزقة في سوريا، تستنزف قوتها وتدمر سمعة الرئيس بوتين داخل روسيا وتثير الشارع والرأي العام الروسي ضده، وفي نفس الوقت تخدم مخططات هذا اليمين الأمريكي المحافظ في نشر الفوضى في المنطقة، والتي تخلق له الظروف المناسبة لتنفيذ مخططاته وتثبيت هيمنته على المنطقة بأكملها، وهذا أكثر ما تخشاه روسيا الآن وتسعى بكل جهدها لاستبعاده عن طريق تنشيط العملية السياسية والسعي للحشد الدولي لإنجاحها.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق