فى الرد على التكفيريين: الأقباط والمسلمون نسيج واحد «قراءة فى وثائق مجهولة»

الأحد، 21 يناير 2018 03:13 م
فى الرد على التكفيريين: الأقباط والمسلمون نسيج واحد «قراءة فى وثائق مجهولة»
د. رفعت سيد أحمد يكتب:

الحمد لله أن مرت أعياد الميلاد فى مصر- تحديدا - دون أن يرتكب الإرهاب التكفيرى جريمة جديدة فى حق مسيحيى مصر أو المنطقة، إلا أن هذا لا يعنى أن الارهاب الملتحف زيفا بعباءة الاسلام، قد توقف، إن جعبته المريضة، لا يزال بها الكثير.. وعلينا أن ننتبه ونحذر ونواجه.. إذ لا يمر يوم إلا ويفاجئنا الإرهاب التكفيرى الوهابى بفتاوى وسلوكيات تطعن فى وطنية وقومية المسيحيين العرب وبخاصة الكتلة الأكبر منهم وهم «أقباط مصر» والتى كان آخرها الهجوم على كنيسة بأطفيح بالجيزة فى مصر يوم «23/12/2017» وتحطيمها بحجة أنها غير مرخصة.

وقام 80 متشددا إسلاميا يعتبرون أنفسهم نوابا عن الله، بتحطيمها والاعتداء على المسيحيين من أبناء قرية أطفيح، ولقد تعدى الأمر مجرد التكفير إلى فعل الذبح والقتل على الهوية فى تناقض بيّن مع الفهم الإسلامى الصحيح، بل ومع تاريخ طويل من التعاطى الإسلامى المستنير مع المسيحيين المصريين؛ واليوم نقدم قراءة فى وثيقتين تاريخيتين تبرزان تلك الوحدة الوطنية والتسامح الراقي؛ لعل فى نشرهما ما يفيد الوطن العربى «وفى قلبه المصري» الممزق والمتعب والمهدد بالتآمر: 
 
الوثيقة الأولى تبرز عذابات المسيحيين المصريين فى عهد الرومان البيزنطيين وكيف أنصفهم الإسلام حين فتح مصر وتصور حال المصريين «الأقباط» فى تلك الأيام والتى كان فيها هرقل امبراطورا على البيزنطيين، والمقوقس بطريرك ملكانى على مصر، وبنيامين بطريرك يعقوبى هارب من كرسيه فى الإسكندرية ومشرد فى بقاع مصر النائية، ويقدم هذه الصورة أحد أساقفة الكنيسة القبطية، ساويرس بن المقفع، فى مخطوطه الوثائقى النادر والمسمى «سير البيعة المقدسة»، قال - مع غض النظر عن لغته العربية غير المحكمة - نصا: [ وعظم البلايا والضيق الذى أنزلهم على الأرثذكسيين وغواهم لكى يدخلوا معه فى أمانته حتى ضل جماعة لا يحصى عددها، قوم بالعذاب، وقوم بالهدايا والتشرف، وقوم بالسؤال، حتى أن قيرس أسقف بنيقيوس وبقطر أسقف الفيوم وكثير خالفوا الأمانة المستقيمة الأرثذكسية، ولم يسمعوا قول الأب المغبوط بنيامين فيختفوا مثل غيرهم فصادهم بصنارة ضلالته، وضلوا بالمجمع الطمث الخلقدونى.
 
« ثم إن هرقل ظفر بالأب المغبوط مينا أخى الأب بنيامين، فأنزل عليه بلايا عظيمة، وأطلق المشاعل بالنار فى أجنابه حتى خرج شحم كلاه من جنبيه وسال على الأرض، وقلعت أضراسه وأسنانه باللكم على الاعتراف المستقيم، وأمر أن يملأ مزواد رمل، ويجعل القديس مينا فيه، وأخرج أكثر من سبع غلوات، وأنزل فى الماء ثلاث دفعات.. وغرقوه.
 
ثم أنه أقام أساقفة فى بلاد مصر كلها إلى أنصنا، وكان يبلى أهل مصر بأمور صعبة، وكان كشبه الديب الخاطف يأكل القطيع ولا يشبع».
« وفى تلك الأيام نظر هرقل مناما: وكان من يقول له إن أمة تأتى عليك مختونة وتغلبك وتملك الأرض، فظن أنهم اليهود، فأمر أن يتعمدوا جميع اليهود والسمرة فى جميع الكور الذى سلطانه عليهم، وبعد أيام يسيرة ثار واحد اسمه محمد، فرد عباد الأوثان من العربان إلى معرفة الله: إنه واحد، وأن يشهدوا ويقولوا: إن محمدا رسوله، وكانت أمة مختونة بالجسد، غلف القلوب، ولهم ناموس يصلوا قبلى شرقى إلى موضع يسمى الكعبة، وملك محمد هذا وصحبه دمشق والشام وعبر الأردن وبين النهرين.. وكان الرب يخذل جنس الروم قدامه لأجل أمانتهم الفاسدة».
 
«فكم مات من الناس فى التعب الذى كانوا يقاسونه لما تمت العشرة سنين من مملكة المقوقس وهرقل، وهو يطلب الرسولى الأب بنيامين، وهو هارب بين يديه من مكان إلى مكان، وهو فى البيع المخفية.
 
«فأنفذ ملك المسلمين لما ذكروه أصحابه بحال الأب البطريرك بنيامين: أميرا ومعه سرية إلى أرض مصر، اسم ذلك الأمير عمرو بن العاص، فى سنة ثلاث مائة وسبعة خمسين لدقلطيانوس، فى اليوم الثانى عشرين من بؤونه، ونزل عسكر الإسلام إلى مصر بقوة عظيمة ومقدمه عمرو الأمير ابن العاص، وهدم الحصن، وأحرق المراكب بالنار، وأذل الروم، وملك بعض الكورة، وكانت أمته محبة للبرية، فأخذوا الجبل إلى أن وصلوا إلى قصر مبنى حجارة بين الصعيد والزيف يسمى بابلون، فضربوا خيامهم هناك لكى يترتبوا لملاقاة الروم ومحاربتهم.. وبعد قتالهم ثلاث دفعات غلبوا المسلمين.
 
فلما نظروا رؤساء المدينة هذه الأمور مضوا إلى عمرو ابن العاص الأمير، وأخذوا منه أمانا على المدينة لكيلا تنهب، ولذلك مسكوا أيديهم عن الكور، وأهلكوا عسكر الروم وبطريقهم المسمى أريانوس. ومن سلم منهم هرب ].
 
ولنتابع الوثائق التاريخية حتى نتعلم ذلك، ومن بينها وثيقة ساويرس ابن المقفع عن عذابات المصريين المسيحيين مع الرومان البيزنطيين وكيف أنقذهم الفتح الإسلامى، نتابع الوثيقة التى نترك لغتها العربية غير المحكمة ذاهبين إلى دلالاتها التاريخية: [ فأما سانوتيوس المؤمن المسيحى فعرف عمرا بسبب الأب المعروف بنيامين، وأنه هارب خوفا من الروم فكتب إلى أعمال مصر، يقول: «الموضع الذى فيه بنيامين رئيس النصارى، له الهدى والأمان والسلام من الله، فيحضر ويدبر حال بيعته»، فلما سمع هذه الأخبار الشجاع بالحقيقة عاد إلى الاسكندرية بفرح بعد ثلاث عشرة سنة، منها عشرة لهرقل، وثلاث سنين للمسلمين قبل فتحهم الاسكندرية، لابس لإكليل الصبر وعظم الجهاد الذى كان، فلما ظهر للشعب فرحوا جميع المدينة، وعرفوا سانوتيوس التكس الذى قاله لهم، وقرر مع الأمير احضاره، فمضى وعرف الأمير عمرا بوصوله، فأمر بإحضاره بكرامة ومحبة، فلما نظر إليه التفت إلى مقدميه، وقال لهم: « إن فى الكور التى ملكناها إلى الآن لم أشاهد رجلاً لله يشبه هذا الرجل»، وكان منظره حسنا جدا، ثم التفت إليه وقال له: «جميع بيعك ورجالك اضبطهم، وإذا ما صليت على حتى أمضى إلى الغرب والخمس مدن، وأملكها مثل مصر، وأعود إليك بسرعة، وكل ما تطلبه منى أفعله لك».. ثم انصرف من عنده مكرما.
 
ولما جلس هذا الروحانى الأب المعترف بنيامين على بيعته بنعمة الرب يسوع المسيح دفعة أخرى جذب إليه أكثر من خجلهم «جعلهم» هرقل مخالفين، وكان يعيدهم بسكينة ووعظ ويعزيهم، وكثير ممن هرب إلى الغرب والخمس مدن من ذلك الكافر، لما سمعوا عادوا ونالوا اكليل الاعتراف، وكذلك الأساقفة الذين خالفوا دعاهم ليعودوا إلى الأمانة الأرثذكسية، فمنهم من عاد بدموع غزيرة، ومنهم من خاف من فضيحة الناس فأقام على كفره إلى أن مات».
 
«وبعد ذلك سار عمرو من الاسكندرية وعسكره، وعدى معه المقدم سانوتيوس المحب للمسيح.. وكانت أعمال الأرثذكسيين تنمو يوما فيوم، وكانت الشعوب فرحين مثل العجايل الصغار إذا أطلقوا من الرباط على ألبانهم، فلما دخل عمرو إلى مصر وخرج منها ومضى إلى الغرب أدركته معونة عظيمة».
 
لقد نقلنا هذا النص من المخطوط التاريخى لساويرس ابن المقفع ليدلنا على عدة أشياء منها: فظاعة اضطهاد البيزنطيين للمصريين حتى وصفهم الأخيرون بالضلال وفساد الأمانة بل والكفر، وتمنوا التخلص من نيرهم حتى قصوا الرؤى المبشرة بقدوم المسلمين لتحريرهم، ووصف المسلمين بمحبة الناس جميعا، وعدم نهبهم القرى، ثم الفرح الذى عم القبط بعودة بطريركهم، ومنحه السلطة، حتى استطاع أن يعيد من اضطر إلى الانحراف، وما تلا ذلك من غبطة وفرح، وأخيرا ملازمة بعض الأقباط لجيش المسلمين وإعانتهم معونة عظيمة.
 
أما الوثيقة الثانية التى تظهر دور الفتح الإسلامى فى إنهاء عذابات المسيحيين المصريين من الرومان، فكتبها المؤرخ المصرى ابن عبدالحكم فى كتابه «فتوح مصر والمغارب»، ويعتبر أقدم كتاب مصرى يعالج التاريخ المصرى والإسلامى عند فتح مصر: «فخرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط، وقد أصلحوا لهم الطرق، وأقاموا لهم الجسور والأسواق، وصارت لهم القبط أعوانا على ما أرادوا من قتال الروم.. ثم فتح الله للمسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، واتبعوهم حتى بلغوا الاسكندرية فتحصن بها الروم، وكانت عليهم حصون مبنية لا ترام، حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس إلى ما وراء ذلك، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة».
 
ويقول المفكر والمؤرخ المصرى المعاصر د. حسين نصار فى تحليله لتلك الفترة: « طبيعى بعد هذا كله أن يرضى أقباط مصر عن الحكم الجديد، وأن يرضى عنهم، وخاصة أن المسلمين لم يتدخلوا فى الأمور الدينية للقبط، وتركوا التنظيم المالى على ما كان عليه أيام الرومان، بل كان جل المشرفين عليه إن لم يكن كلهم من القبط، ويجرى باللغتين القبطية واليونانية».
 
ترى هل يفهم الجهلة والغلاة من المتطرفين والتكفيريين ذلك، أولئك الذين ملئوا دنيانا فتنا داعشية وهابية مقيتة؛ فتنا خلقت مناخا من الغلو والكراهية بين أبناء الوطن الواحد من مسيحيين ومسلمين على نقيض كامل مع حقائق ووثائق التاريخ العربى وفى القلب منه المصرى!.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق