تحقيق استقصائى لـ صوت الأمة يكشف مافيا مخلفات المصانع الغذائية (الجزء الثاني)

الأحد، 04 فبراير 2018 11:00 ص
تحقيق استقصائى لـ صوت الأمة يكشف مافيا مخلفات المصانع الغذائية (الجزء الثاني)
صحفية «صوت الأمة» أثناء تنكرها وخوضها المغامرة
تحقيق- هناء قنديل

■ أباطرة البيزنس المشبوه يستغلون العلامات التجارية لغش الطعام وكلمة السر «عم جمال»

■ منظمة الصحة العالمية: الغذاء الملوث يتسبب فى موت 420 ألف مواطن سنويا 

■ 85 مكب نفايات بصحراء العاشر من رمضان وبلبيس وسيكم تغتال صحة الغلابة

■ العروض التجارية وسيلة ترويج اللانشون والسمن والزيت والألبان.. وطِن الجبن بـ5000 جنيه

الجميع يحملون ملامح واحدة، يكسوها الشحوب، والبؤس، وتنطق بالشقاء، كيف لا وهم يعيشون وسط القمامة، ومكبات النفايات، التى تنتشر فى محافظة الشرقية؟ حيث مدينتى بلبيس، والعاشر من رمضان، وبخاصة فى منطقة سيكم، بجوار مدفن الروبيكى.
 
عندما ترى هؤلاء البشر يرق قلبك لحالهم، خاصة عندما تعلم بنوعية الأمراض التى ينهش أجسادهم، لكن بعض التدقيق فى الأمر يكشف تفاصيل مروعة، تؤكد أن هذا ليس كل شىء!
 
 
500
 
غياب المدافن الصحية
 
ويعلق على هذه المافيا التى تدمر صحة المصريين، الكميائى شريف عاشور، وأحد سكان مدينة العاشر من رمضان، مؤكدا أنه لا يوجد تخلص آمن من مخلفات المصانع، فلا توجد مدافن صحية مطابقة للمواصفات، وذلك رغم أن مدينة العاشر من رمضان من المدن الصناعية الكبرى صناعية، وهو ما يلزم جهاز شئون البيئة، بإجبار جميع المصانع والشركات على التعاقد مع المدفن الصحى بمحافظة الإسكندرية وهو ما لا يحدث.
 
وكان يتعين ألا يتم تجديد رخصة أى مصنع أو شركة إلا بعد الاطلاع على إيصال سداد رسوم التعاقد مع المدفن، مشيرا إلى أن الإهمال فى هذا الأمر دفع الشركات والمصانع للتخلص من النفايات والمخلفات بإلقائها فى أماكن غير مخصصة لذلك، ومنها منطقة الروبيكى والمقالب الأخرى.
 
وأشار إلى أن مصر تمتلك أغنى أنواع القمامة فى العالم، حيث تحتوى على العديد  من المواد الصلبة والعضوية، التى يمكن أن تدخل فى الصناعات الحيوية، بحيث يمكن تغطية الاستهلاك المحلى، وتوفير العملة الأجنبية، إضافة إلى التصدير للخارج، وهو ما يمكن أن يدر على البلاد ملايين الدولارات على حد قوله.
 
600
 
 
 
وأوضح أن المصريين ينتجون سنويا 21 مليون طن من المخلفات، وفق إحصاءات وزارة البيئة، وتتصدر القاهرة وحدها النسبة الأعلى، حيث يبلغ حجم المخلفات بها نحو 5.9 مليون طن سنويا بما يمثل 45% من إجمالى المتولد من المخلفات البلدية الصلبة.
 
ولفتت إلى أن نسبة عمليات المعالجة والتدوير فى مصر حوالى 5.9% من إجمالى المخلفات البلدية الصلبة، كما يوجد 4000 طن مواد صلبة يعاد تدويرها مرة ثانية فى منطقة منشية ناصر القريبة من المقلب الرئيسى للقمامة، مضيفا: «جميع أنواع المخلفات الناتجة عن المنازل والمصانع والأراضى الزراعية وغيرها قابلة للتدوير بنسبة 100%، وعن طريق تدويرها يتم توفير فرص عمل جديدة للشباب، عن طريق مشروعات التدوير المختلفة».
 
وتمثل المعادن أعلى سعر فى مكونات القمامة، أما الجزء الباقى من القمامة والمتمثل فى 50% منها مخلفات يمكن تحويلها إلى سماد، ففى مصر لا تتم الاستفادة إلا بنسبة 25% والباقى يلقى فى المصارف والطرق ويتم حرقه للتخلص منه.
 
وأشار المقدس إلى أن وزارة البيئة أعدت دراسة علمية حول الاستفادة من القمامة، حيث قدرت الدراسة قيمة القمامة فى مصر بستة مليارات جنيه، تتضاعف قيمتها إلى 12 مليار جنيه بعد تحويلها إلى مواد أولية، من خلال العمليات الوسيطة مثل طى الورق وكبس الصفيح.
 
أما الأهالى الذين يعيشون بالقرب من هذه المنطقة فيصرخون مما أصابهم من أمراض، ويقول محد الزناتى، مدرس: «أصبحت حياتنا مهددة بسبب هذه المنطقة التى تحتوى على مخلفات صلبة وسائلة تمثل انتهاكا صارخا لصحة الإنسان، خاصة أن المنطقة تعد همزة الوصل بين أكثر من مكان كما أن المخلفات تزداد يوميا، حتى أصبحت كالتلال، كما أن المنطقة تستقبل العديد من الأطفال والشباب الذين يعملون فى فزر القمامة، والتى تعتبر مصدر رزقهم الوحيد؛ ما يجعله معرضة للإصابة بالأمراض الخطيرة، كما أن المكب يشتعل تلقائيا كل يوم، وتنبعث منه روائح كريهة ودخان أسود يغطى سماء المنطقة».
 
ولفت عاشور إلى أن المخلفات المعاد تدويرها لا يتم تصديرها كلها، أنواع معينة من البلاستيك وهو الـPT الموجود فى زجاجات المياه المعدنية، يتم تصديره، موضحا أن مصانع إعادة تدوير المخلفات سمحت للقطاع الخاص بتولى إدارتها، وهذه المصانع موجودة فى القاهرة والدقهلية وأسيوط وقنا وسوهاج.
 
200
 
 
فى غضون ذلك قال المهندس حافظ السعيد حافظ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالقاهرة إن أنواع المخلفات، عضوية ومنزلية وصناعية وإلكترونية ومخلفات هدم وبناء، وينتج منها سنويا على مستوى مصر حوالى 66 مليون طن مخلفات متنوعة، نسبة المخلفات المنزلية والعضوية منها حوالى 17 مليون طن سنويا، وأن القمامة المنزلية العضوية الصلبة المتولدة فى القاهرة يوميا حوالى15 ألف طن قمامة، وفى السنة حوالى 6 ملايين طن أى ما يعادل ثلث القمامة المنزليه والعضويه لمصر الناتجة عن27 محافظة.

5000 مصنع

أحمد سعيد رئيس البرنامج الوطنى لإدارة المخلفات السابق، يؤكد وجود 5000 مصنع لإعادة التدوير بالبلاد منها 3000 مصنعا مرخصا، 50٪ منها تعمل فى التدوير، تتركز فى تدوير البلاستيك، وتتمثل مصانع البلاستيك فى كل من باسوس، ومنشية ناصر وشبرا الخيمة، لافتا إلى أن مصانع الورق والكرتون والزجاج منتشرة على مستوى الجمهورية.
 
 
700
 
 
وأشار إلى وجود أماكن كثيرة تعمل كمصانع صغيرة لتجميع المخلفات الصلبة الناتجة عن القمامة، من بلاستيك وكانزات وجميع المخلفات الصلبة ماعدا الورق والكرتون، مشيرا إلى أن مصانع الورق والكرتون، تتركز فى التجمعات السكنية الكبرى، كمدينة العاشر من رمضان، ومدينة العبور، وبرج العرب، وأكتوبر، والسادات، وكشف عن أن مصنع البلاستيك الصغير سعة إنتاجه تصل إلى 1000 كجم فى الساعة، ويستطيع إنتاج ١٠ أطنان فى الوردية.

أسعار المخلفات
سعيد كشف أيضا أن أسعار المخلفات والقمامة ليست واحدة، فلكل منها سعر يختلف عن الآخر، حيث إن المخلف الأعلى سعرا يتمثل فى الكانز، ويليه البلاستيك والثالث الكرتون والمرتبة الرابعة الورق ثم الزجاج، حيث يصل سعر الكانز اليوم من ١٣ إلى ١٤ جنيها للكيلو، لأنه يدخل به الألومنيوم، وبالتالى يشارك بمصانع المسابك.
 
وأوضح أن البلاستيك الشفاف الخاص بالمياه المعدنية PT، فيتراوح سعر الكيلو ما بين ٥ إلى ٦ جنيهات، لافتا إلى أن هذا الصنف يعد الأكثر طلبا بالسوق حاليا، كما يقدر الكيلو الواحد من مخلف الكرتون ما بين ١٢٠ إلى ١٥٠ قرش حسب جودته، ومتوسط طن الكرتون يصل ما بين ١٢٠٠ إلى ١٥٠٠ جنيه، وبالنسبة للورق فيتراوح متوسط طن الورق ما بين ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه على حسب جودته، ويتراوح سعر مخلف الزجاج من ٢٥٠ إلى ٥٠٠ جنيه للطن، حسب جودة الزجاج، ونوعيته.

منتجات جدیدة

ولفت سعيد إلى أن الكثير من المخلفات التى تتم إعادة تدويرها، تدخل فى الكثير من الصناعات المصرية، مثل خراطيم الكهرباء، وكذلك إنتاج الأعلاف من بواقى الخبز الذى يتم إلقاؤها بصناديق المخلفات، ليتم جمعها، وتنشيفها،  وطحنها ويتم استخدامها علفا للأسماك، والمواشى، ويعد الأفضل على الإطلاق للأسماك، لافتا إلى أن طن علف السمك يتراوح ما بين 4000 إلى 6000 جنيه، ويتراوح سعر الطن الواحد من مخلف العيش المكسر المجمع من المخلفات والقمامة من 2500 إلى 2000 جنيه، كما يتم استخدام بواقى الخشب الصغير، حيث يتم تجميعها ويتم بشرها ونعمل منها نشارة، وتتوزع على مزارع الزجاج.

جريمة البيئة

وإذا كان هذا الملمح فى تلك القضية، وهو تراخى الأجهزة التنفيذية عن ملاحقة أباطرة الأكل المضروب، فإن الملمح الآخر الذى لا يقل أهمية، هو حالة «النوم»، التى تقترب من الموات داخل وزارة البيئة وبين مسئوليها.
 
ويعلم الجميع بالمنطقة الصناعية فى العاشر من رمضان، بأمر مكب الروبيكى، وما يدور داخله من مخالفات، أبطالها أصحاب مصانع العاشر من رمضان، الذين يبيعون مخلفات مصانعهم لأباطرة المكب، وهم يعلمون أنها مواد لا يجب أن تخرج إلا معدومة.
 
ورغم ما سبق فإن البيئة تبدو كآخر من يعلم، وهو ما يجعلها شريكا لا يمكن إغفاله فى هذه الجريمة؛ لأنه لولا تكاسل وربما تواطؤ بعض مسئوليها لما وصل الأمر إلى تكوين هذه الإمبراطورية التى يشترك فيها كل من فى العاشر من رمضان، التى تبعد عن الزقازيق 60 كيلومترا فقط.
 
المثير للدهشة أيضا أن البيئة تغفل عن رجال وأطفال ينامون وسط المخلفات، من الفايبر والبلاستيك والأدوية وبودرة السيراميك والكارتون وشرائط الألمونيوم، ووسط الملايين من الحشرات الطائرة، والزاحفة، حتى أن الذباب صار هو شعار المحافظة بأكملها تقريبا انطلاقا من هذا المىىىكب، كما لا يوجد تخلص آمن من مخلفات المصانع، فالمدينة الصناعية التى تحوى مئات المصانع لا يوجد بها مدفنا صحيا.
 
المغامرة التى خاضتها «صوت الأمة» فى هذا التحقيق الاستقصائى، كشفت عن أن جهاز شئون البيئة لا يهتم بإجبار المصانع والشركات على توفير إعدام آمن لمخلفاتها، وأنه لا يهتم بتطبيق الشروط الواجبة من قبل المصانع قبل تجديد تراخيصها، وفق القواعد التى تقضى بالاطلاع على إيصالات سداد رسوم التعاقد مع المدفن الصحى، وغيرها من الاشتراطات، ورغم ذلك لم تحرك البيئة ساكنا للتأكد من صحة ما نشرته.
 
هذا التراخى البيئى دفع الشركات والمصانع للتخلص من النفايات والمخلفات بمنحها لتجار مكب الروبيكى سابقا، وغيره مما لا يزال بعيدا عن العيون حتى الآن، ورصدت «صوت الأمة»، وجود كميات هائلة من العلامات التجارية، والاستيكر والعبوات الفارغة التى كان يجب إعدامها بدلا من وجودها بالمكب، بما يسمح لعديمى الضمير بإعادة استخدامها.
 
ويؤكد سكان المنطقة أن ما رصدته ليس جديدا، وأنهم كثيرا ما تقدموا بشكاوى للمسئولين، وكانوا يتلقون ردودا إيجابية من المسئولين لكن دون تحرك فعلى على الأرض.
 
وطبقا لإحصائيات وزارة البيئة فإن القمامة فى مصر تخرج نحو 33 مليون طن سنويا، حيث تصدر القاهرة وحدها 16 مليون طن سنويا، بما يمثل نحو 50 % من إجمالى المتولد من المخلفات البلدية الصلبة، وغيرها، وتبلغ نسبة عمليات المعالجة والتدوير فى مصر حوالى 11 % من إجمالى المخلفات البلدية الصلبة التى يتم التعامل معها.

جهاز العاشر من رمضان يرد

وإعمالا لمبدأ حسن النية فى النشر، وحق جميع الجهات المرتبطة بهذا الملف، أن ترد على ما ورد فيه من معلومات، اتجهنا إلى المهندس عادل النجار، رئيس جهاز العاشر من رمضان، الذى فجر مفاجأة، حين أكد خلو المدينة الصناعية من المدافن الصحية للمخلفات، كاشفا عن أن مقلب الروبيكى، كان مدفنا صحيا، وكانت أرضه مخصصة لنشاط مدفن صحى، وكانت تطرح بنظام المزايدة.
 
وأشار فى تصريح خاص لـ«صوت الأمة»، إلى أن إحدى الشركات فى هذا التوقيت تم ترسية المشروع عليها، إلا أن تعرض للاعتداء من قبل شركة أخرى، حتى تم تشكيل لجان لاسترداد الأراضى، وغلق المدفن.
 
وقال: «وجود أى نشاط قرب هذا المكان، يعد مخالفا، ويدير خارجون على القانون، وهو ما خاطبنا الشرطة، من أجل مواجهته وضبط هؤلاء المخالفين، وإزالة التعديات التى أحدثوها، وإعادة تخطيط المكان، باعتباره منطقة استراتيجية، ومنطقة خدمات إقليمية لقربها من العاصمة الإدارية»، مؤكد أنه ينتظر المخطط التفصيلى للمنطقة، لطرح مشروع تدوير المخالفات الصلبة.
 
وشدد النجار على أنه ليس من سلطة الجهاز، اعتراض من ينقلون المخلفات من المصانع، موضحا أنها مسئولية الشرطة والجهات ذات الضبطية القضائية.
مستند الصيادلة يكشف المستور
 
وخلال رحلة إنجاز هذا التحقيق، حصلت «صوت الأمة»، على مستند يكشف الكثير من المستور فى تلك القضية، حيث يمثل هذا المستند، خطابا وجهه جهاز مدينة العاشر من رمضان، إلى رئيسة الإدارة المركزية للتفتيش على الصيادلة، بوزارة الصحة والسكان، يدعو فيه الإدارة إلى التعاون، لتطبيق قانون البيئنة، رقم 4 لسنة 1994، والمعدل بالقانون 9 لسنة 2009، بعدما تلاحظ للجهاز، وجود سيارات تحمل شحنات أدوية منتهية الصلاحية، متجهة إلى ميدان الروبيكى، بحجة إعدام ما تحمله من شحنات، موضحا أنه تم احتجاز سيارتين من هذه الحمولات، تحت تصرف الجهاز.
 
وشمل الخطاب دعوة من الجهاز، لإدارة الرقابة على الصيادلة، بضرورة التشديد على الجهات الخاضعة لرقابتها، باتباع الإجراءات السليمة لإعدام الأدوية، وفى الأماكن المخصصة لذلك.
 
خطاب جهاز مدينة العاشر من رمضان، يبرئ ساحة الجهاز، ويؤكد أنه يؤدى واجبه على الوجه الأكمل، لكنه فى المقابل يكشف عن أن بقية الأجهزة المعنية بهذا الملف، لا تهتم بما يوجه إليها، من مخاطبات رسمية، ولا تهتم بأداء دورها المنوط بها، من أجل الحفاظ على صحة المواطنين.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق