مراجعات القوى المدنية

الثلاثاء، 06 فبراير 2018 04:57 م
مراجعات القوى المدنية
حسين عثمان يكتب:

حين نتحدث عن نظام سياسي قوي ومتماسك ومتوازن، فإن المعارضة تمثل أحد أهم أركانه الأساسية، فقوام الدولة السياسي لا يكتمل إلا بثلاثة أجنحة رئيسية، اليمين واليسار والوسط الواصل بين أطراف هذا وذاك،ولعل مأزق الانتخابات الرئاسية المتمثل في غياب مرشحين مؤهلين قبل أن يكونوا مستعدين لخوضها، كشف ضمن ما كشف مدى حاجتنا إلى وجود معارضة حقيقية تحفظ للدولة توازنها السياسي،والمقصود بوصف حقيقية هنا، أن تكون جادة، وتحمل رؤية سياسية مغايرة، وتعمل في إطار منظم،وقادرة على التماس مع الناس بما يصادف توقعاتهم، بل ويخلق هذه التوقعات من المبتدأ، وقبل كل هذا وبعده، دوام وتواصل النشاط،فلا توجد معارضة موسمية.

إن ما نشاهده على مسرح العمل السياسي حالياً، لا أراه يمثل معارضة بأي حال من الأحوال، وسواء هنا ما كان منها تاريخي عمره مائة عام كحزب الوفد، أو ما يقارب مائة حزب جاءت وليدة لحظة يناير الثورية، أو ما بين الجانبين من منابر عودة الأحزاب السياسية في السبعينيات وطوال عهد مبارك البائد، فالأول لا يعيش إلا حلاوة روح ماضيه الثري بزعمائه ورصيده الكبير من الأدوار المضيئة الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، ولا نبالغ إذا قررنا أن القائمين عليه حالياً بمختلف أجيالهم، قضوا بالفعل على ما تبقى من هذه الروح، فلا حق معهم عاد فوق القوة، ولا أمة باتت فوق الحكومة.

ولا يختلف حال أحزاب نظامي السادات ومبارك كثيراً عما آل إليه حال الوفد من بؤسٍ سياسي، وأنسبها هذه المرة لنظامي السادات ومبارك، لأنها لم تكن يوماً إلا مكملة لهما، لا بما أوضحناه من مفهوم المعارضة الحقيقة من تكامل، وإنما بمنطق كأن هناك معارضة ذراً للرماد في عيون الديمقراطية، وإن كان هذا لا يبخس البعض القليل جداً منها، حقها في الاعتراف بمحاولاتها الحقيقية الجادة الصارخة في بعض الأحيان،ولكنها ذهبت مع رياح شيخوخة زعمائها على مقاعدهم، على حد وصف الأستاذ هيكل لسلطة مبارك في أواخر التسعينيات، خُد بالك، وصفه لسلطة مبارك بالشيخوخة كان في أواخر التسعينيات، رحم الله الرؤيةالمتفردة وصاحبها.

أما الأحزاب الينايرية المائة، فلا يقف منها بمربع المعارضة الصريحة الآن إلا سبعة أحزاب، هي الدستور وتيار الكرامة والمصري الديمقراطي الاجتماعي والإصلاح والتنمية ومصر الحرية والتحالف الشعبي الاشتراكي والعيش والحرية تحت التأسيس، وتشكل معاً حالياً ما أطلقوا عليه الحركة المدنية الديمقراطية، ويتصدر مشهدها حمدين صباحي، ولا أزال أبخل على الحركة بوصف المعارضة الحقيقية كما أوضحته، لأنها لا تزال معارضة تبحث عن الذات، ولكن باعتبار أن الجفاف يسود أرض الحياة السياسية المصرية إلى حد البَوار،فإن وجود هذه الحركة صار بارقة أمل في وجود معارضة حقيقية فقط حين انتقد حمدين صباحي نفسه قبل الآخرين من ممثلي القوى المدنية في تصريحاته الأخيرة.

صارح حمدين نفسه والآخرين بالتقصير في القيام بأدوار سياسية مؤثرة، نتيجة الانغماس في دواماتالانقسام داخل الأحزاب، وفيما بين القوى المدنية وبعضها البعض، وأيده في ذلك أعضاء الحركة والمنتمون لها، حمدين بالذات أضاع فرصة أن يكون المعادل المعارض الموضوعي، بوزن كتلة تصويتية جاوزت أربعة ملايين مواطن، في الانتخابات الرئاسية الماضية، على أي حال، أخذت تصريحات صباحي وتأييد تابعيه في الحركة المدنية الديمقراطية، بمثابة إشارة على مراجعات القوى المدنية لنفسها، وعلى أمل أنتخرج منها بما يأخذها إلى مربع معارضة حقيقية،لا غنى عنها كصمام أمان لأي مجتمع، لست هنا في مساحة مع أو ضد، ولكني أحاول فقط قراءة المشهد بتفاؤل.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة