اصنع قمتك بنفسك

السبت، 10 فبراير 2018 03:17 م
اصنع قمتك بنفسك
شيرين سيف الدين تكتب:

شهور تفصلنا عن الحدث الأكبر في مصر كل عام ، وهو امتحانات الثانوية العامة ( البُعبُع )  !

وقد استوقفني مؤخرا لقاء شاهدته لأحد كبار الأطباء وهو يتحدث إلى تلامذته حول مصير أفشل طالبين من زملائه في الثانوية العامة(من حيث المجموع) وسرده لذكريات بعض التفاصيل الساخرة التي تصف حال الأهل يوم ظهور النتيجة ، ثم فاجأهم بدهشته عندما التقى دفعته بعد مرور سنوات طويلة ، حيث إن الطالبين قد وصلا للقمة دون المرور على كليات "القمة" ، وأصبح كل منهما رئيسا لمجلس إدارة إحدى الشركات العالمية الكبرى ، ويتقاضى كل منهما راتبا يفوق بمراحل ما يتقاضاه هو شخصيا ، والذي كان يعد من المتفوقين ، وفي نهاية اللقاء نصح الطبيب الحضور بألا يهتموا بنوع الكلية ، ولكن أن يخلصوا العمل ، فالإخلاص في العمل هو طريق الوصول للقمة.
 
وعندما سمعت حديثه الذي يتوافق مع قناعاتي ، دار في ذهني سؤال محوري وهو من مخترع مصطلح كليات القمة ؟ وعلى أي أساس تم تصنيف مجموعة من الكليات على انها قمة ؟ ولماذا كليات بعينها ؟  وبالرغم من أنني خريجة إحدى كليات ما يطلق عليها" قمة " إلا أن هذا المصطلح يثير استفزازي وبشدة ! فمن نعتبرهم يوما ما فاشلين بسبب المجموع قد يصبحون يوما ما نماذج للنجاح ، ومن هم أوائل الثانوية العامة اليوم قد لا يصبحون من ذوي الشأن في المستقبل ، فالعبرة دائما بالخواتيم ، والوصول للقمة يحتاج إلى تحديد الهدف بدقة وبذل كل الجهد من أجل بلوغه .

ولا أستوعب حقيقة لماذا يعتبر البعض أن كلية الهندسة مثلا أفضل من كلية التجارة ، أو أن كلية الطب أعلى من معهد السينما ؟ وعلى أي أساس بني هذا التصور العجيب ؟ فمن يستطيع الجزم بأن طالب الهندسة سيكون أكثر نجاحا في الحياة من طالب التجارة ولماذا ؟  
إن الثقة بالنفس وتطويرها باستمرار ، والإخلاص في العمل من أهم أسس النجاح في أي مجال كان ،  وكل إنسان يستطيع أن يصل إلى القمة في مجاله بالاجتهاد والعمل الجاد ، فكم من طبيب فشل ، وكم من رجل أعمال أو محام أو فنان أو غيرهم حقق نجاحا وشهرة وثروة ، ويشار إليه بالبنان في كل مكان بالرغم من أنه ليس من خريجي تلك الكليات .

ليس مفهوما سبب إصرار الأهالي في مجتمعنا على تدمير نفسية الأبناء في الثانوية العامة ، ورهن نجاحهم في المستقبل بحصولهم على مجموع عال في هذه السنة والتحاقهم بكليات معينة ! ولماذا كل هذا الضغط النفسي والعصبي والمادي الذي قد يؤدي لضياع المستقبل بدلا من بنائه ؟
إن هذا التفكير العقيم هو من أوجد بعبع الثانوية العامة ، وهو من فتح الباب للدروس الخصوصية ، ولاستغلال الطلاب وأهاليهم من قبل بعض المدرسين ..
حقيقة لو استوعب المجتمع فكرة القدرات الشخصية لكل إنسان ، وفكرة تنمية المواهب وقيمة احترام العمل وبذل الجهد للوصول للنجاح ، لأصبحت الحياة أكثر يسرا وسهولة ، ولو أن الأهل آمنوا بقدرات أبنائهم ومواهبهم لوصلوا بهم لأعلى المراكز ، وأيضا لساعدوا في القضاء على فكرة الدروس الخصوصية التي يشكون من أعبائها ليلا ونهارا ، حيث إن الهدف لن يكون المجموع الكبير والالتحاق بكليات بعينها ، ولكن سيكون الاختيار على أساس ما يناسب كل طالب وقدراته وطموحاته الشخصية ، بعد إعطائه مساحة الإختيار ، وبالتالي ستتساوى الكليات في النهاية كما هو الحال في الدول المتقدمة ، ولن يصبح طالب الثانوية العامة وأسرته كنزا لبعض المدرسين الطامعين .
رفقا بالأبناء فإن الالتحاق بأي كلية ليس نهاية المطاف أبدا ، بل هو بداية الطريق ، ويضحك كثيرا من يضحك أخيرا ، وليس منطقيا أن يعمل الجميع في مهنتين أوثلاث فقط إما طبيبا أو مهندسا أو دبلوماسيا ! كيف سيستقيم المجتمع بعدد محدود من التخصصات ، وهو يحتاج لجميع المهن بشرط الكفاءة كي يرتفع ويعلو شأنه بأيادي أبنائه.
لا بد أن نفكر جميعا في خطورة هدم نفسية الأبناء للحد الذي  يصل بالبعض منهم الى اختيار الانتحار خوفا من مواجهة الأهل والمجتمع ، وهو خبر نطالعه كثيرا أيام نتيجة الثانوية العامة ، ولا أعتقد أن حدثا كهذا يتواجد في أي دولة في العالم .

إننا نحتاح حقا إلى تغيير العديد من المفاهيم الراسخة في المجتمع ، والتي لم تتقدم به خطوة للأمام ، بل تعود به خطوات إلى الوراء .
إن تأصيل مبدأ حرية الاختيار بما يتناسب مع رغبات كل إنسان منذ الطفولة ، والتأكيد على ضرورة تكرار التجربة في حال الفشل ، والنهوض بعد السقوط ، هو ما سيتقدم بالمجتمع للأمام ويساعد على اكتشاف نوابغه في المجالات المتنوعة ،  وحينها سيستطيع كل فرد أن يصنع قمته بنفسه ، ولنا في اللاعب العالمي "محمد صلاح" عبرة ، فلنكن جميعا "محمد صلاح" كلٌ في مجاله ..  

 

 

تعليقات (1)
في التوجيهي
بواسطة: عبدالله العثامنه
بتاريخ: الأحد، 11 فبراير 2018 06:38 ص

أرادوا توجيهه: تاهت وجهتهم.

اضف تعليق