الرعاية النفسية.. ما بعد "ولاية سيناء"

الثلاثاء، 13 فبراير 2018 07:09 م
الرعاية النفسية.. ما بعد "ولاية سيناء"
هشام السروجي يكتب:

 
كل الحديث عن التنمية والخطط الاستراتيجية لتنمية سيناء، والعمليات الموسعة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية للقضاء على فلول "ولاية سيناء" أحد أذرع تنظيم "داعش"، لن تؤتي ثمارها المرجوة إلا إذا كان الاهتمام بالعنصر البشري على رأس أولوياته. وإن توفرت الإرادة السياسية في إعادة رسم الخريطة الديموغرافية في سيناء، فيجب أن تبدأ بتأهيل أهل سيناء نفسيًا بعد كل ما تعرض له المجتمع السيناوي من جراح نفسية عميقة قد تمتد آثارها لأجيال قادمة.
 
الواقع المجتمعي في سيناء مؤلم، فما من عائلة أو عشيرة أو قبيلة أو قرية إلا سقط منها ضحية لممارسات هذا التنظيم الإرهابي، وإهمال المعالجة النفسية قد يترك تراكمات مغلوطة، وربما تنتج- في المستقبل- أعداء للإنسانية وينتقلون من الكفر بالمجتمع إلى تكفيره.
 
لك أن تتخيل أن القصف والتفخيخ والتدمير والإعدامات الميدانية العشوائية، التي تحجبها عنك مواقع التواصل الإجتماعي، لأنها تحوي مشاهد شديدة العنف، وإن توفرت لك واطلعت عليها، فارقك النوم في ليلتك هذه من بشاعة المشاهد الدموية، وتزهد في الطعام بعدها لساعات، على الرغم من أن هناك صبية وفتيات في عمر الطفولة ونساء وشباب يشاهدونها "بث حي" يوميًا..!
 
لك أن تتخيل أيضًا خروجك من منزلك صباحًا لتتعثر قدمك في جثة جارك -عليان الهبيدي- الذي تناول معك العشاء منذ يومين، بعد أن اختطفه "داعش" بتهمة التعاون مع أجهزة الأمن، أو رفضه التعاون مع التنظيم الإرهابي.. أو تصادف مرورك مترجلًا بالقرب من الطريق "الأسفلت" لحظة مرور رتل عسكري في دورية أمنية، لتنفجر عبوة ناسفة وتجد نفسك أمام جثث الشهداء من الجنود، تلملم بقاياهم وأنت تقرأ الفاتحة على أرواحهم.. تخيل أنك تعيش منذ أكثر من خمسة أعوام في هذه الأجواء يوميًا..!
 
هذه المشاهد ليست من فيلم "Final Destination" بل إن الواقع يفوق خيالات أكثر مؤلفي الدراما شهرة.. أطفال يشاهدون عناصر التنظيم يخطفون آبائهم وإخوانهم من أحضانهم، ثم يذبحونهم أمامهم وهم يكبرون، دون أن يملكوا حق الاعتراض، اللهم إلا بكاءً، أو يصقف منزلهم -في شيبانة- فيموت كل من فيه إلا طفل كُتب عليه أن يحمل ذكرى لا تتحملها الجبال الشامخات.
 
لن تمر- كذلك- ذكرى ذبح الشهيد الشيخ "سليمان أبو حراز" مرور الكرام. فهذا اليوم اتشحت فيه شمال سيناء بالسواد حزنًا على الكهل الضعيف، الذي ذبح على يد أحد أقاربه من الدرجة الأولي، ورحل "تميمة الخير" الذي تنبأ بزوال التنظيم في موسم حصاد الزيتون.
 
أول ما يجب التفكير فيه بعد أن تنهي قوات إنفاذ القانون مهمتها العسكرية في سيناء، وفورًا، هو إعادة تأهيل الأهالي من بئر العبد وحتي الشريط الحدودي نفسيًا، وإزالة كل الآثار النفسية السلبية التي تراكمت في وجدانهم.
 
يجب أن تحمل جعبة الحكومة برنامجا تأهيليا يعيد دمج هؤلاء الصامدون على صراط من حمم، ضمن باقي المجتمع المصري، بعد أن تعرضوا لحرب نفسية منظمة ومدروسة من التنظيم ومن يديره من أجهزة استخبارات محترفة، حاولت جاهدة عزلهم عن المجتمع المصري، من خلال التكرار الممنهج في بث أفكار تعزز هذه العزلة، من خلال إصدارات مرئية للتنظيم، أو من خلال ممارساته المدروسة بعناية، أو المنابر الإعلامية الداعمة له.
 
هناك من الشباب أمثال عبد الغفار سويلم عليان، ابن قبيلة السواركة بمدينة الشيخ زويد، وإسلام عروج، ابن مدينة العريش، وغيرهم من الذين حملوا على أكتافهم هذه المهمة متطوعين، بغرس مفهوم الانتماء لدى الأطفال والشباب كجبهة مناهضة لما يغرسه التنظيم من أفكار وثوابت تدمر كل المفاهيم الإنسانية!
لا أنسى الرحلات المدرسية التي كان يصطحب فيها عبد الغفار أطفال الشيخ زويد في القاهرة، ضمن أنشطة جمعية شيبانة، يزورون خلالها بانوراما حرب أكتوبر وقلعة صلاح الدين والحدائق والأهرامات.. وعندما سألته عن السبب الذي يجعله يبذل هذا المجهود الشاق، خاصة مع الإجراءات الأمنية بطول الطريق من الشيخ زويد حتى القنطرة شرق، كان جوابه يومها "لكي تدرك أطفالنا أن الدبابة التي تتحرك بجانب منازلهم وأن الجنود الذين يستشهدون أمامهم، يفعلون ذلك من أجل حمايتهم، تكذيبًا لما يردده عناصر التنظيم على مسامعهم".
 
 
نفس الإجابة وجدتها عند "عروج" في جلساته مع الأطفال والشباب بالمدينة الشبابية في العريش بعد نقلهم من رفح والشيخ زويد ضمن مساحة الـ 5كيلو متر التي تم إخلائها قبالة الشريط الحدودي، بعد أن تعرضوا لحرب نفسية موجهة من القنوات واللجان الإلكترونية الإخوانية على مواقع التواصل الاجتماعي، لزرع الفتنة بينهم وبين مؤسسات الدولة المصرية، لكن إسلام ورفقاءه كانوا يدركون خطورة هذه الحرب الإعلامية الممنهجة، وتصدوا لها، قدر إمكانياتهم.
 
هناك العشرات من المتطوعين مثل هذين النموذجين، لن يترددوا لحظة في المشاركة ضمن برنامج تأهيل نفسي تقوده المؤسسات المعنية.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق