"لاءات" غيرت مجرى التاريخ الإنساني

السبت، 17 فبراير 2018 02:00 ص
"لاءات" غيرت مجرى التاريخ الإنساني
لا
رامى سعيد

 
يقترن "الرفض" فى التاريخ الانساني بالحرية، فالشخص المعترض أو المخالف يعبر عن عدم اذعانه واتباعيته لما هو مفروض، ويربط "جاك شورون" فى كتابه الموت فى الفكر الغربي، "رفض الإنسان" بثمن فادح وهو "الموت"، إذ يقول  فى دراسته": يقال أن الموت دخل إلى العالم بسبب خطيئة أدم التى أدت إلى طرده من عالم الخلد فأصبح لأول مرة قابلا للفناء والموت.
 
ولما كانت الخطيئة الأولى تعبيرًا عن ممارسة الإنسان لحريته لأول مرة فقط كان هناك ارتباط وثيق بين الموت والحرية"، وتذهب الروايات الدينية فى الكتاب المقدس والقرآن إلى أن وقوع آدم  في شراك عصيان الله وعدم طاعة أوامره، بسبب خديعة الشيطان الذى وسوس له من أكل الشجرة "المحرمة" عند المسلمين، و"المعرفة" عن اليهود والنصاري، بعد موقف "لا" الذى دفع ثمنه غاليًا فاخرجه من صفته الملائكية إلى هيئته الشيطانية وبدأ فى مُعادته للبشرية ممثله فى ادم حتى اللحظة الراهنة.
 
 كما عرف التاريخ الإنساني "لاءات" أخرى جاءت فى زمن نوح ممثله فى قومه، و"لا"  للآلهة التى بدأتها دعوة النبي ومحمد، وغيرها من المواقف التى كان ثمن " لا " فيها  مروعًا كالتي قال بها سبارتاكوس فشنق على ابواب روما، ومارتن لوثر كينج، ابراهام لينكولن اللذان رفضا التميز العنصر بين البيض والسمر، فدفعا ثمن موقفيهما بحياتهما.
 
"إبليس" 
لم يكن إبليس على الصورة القاتمة التى وصل إليها بعد رفضه للأمر الإلهي، فقد كان ناسكًا عابدًا فى بدايته، حينما أرسل الله الجن إلى الأرض  ففسقوا فيها  إلا عزازيل - أى الشيطان- كان  الناسك العابد الوحيد بينهم فترقي إلى مرتبه الملائكة حتى صار طوس الملائكة، الا أن بعد ذلك أبى واستبكر وعصى الأمر الإلهى ورفض السجود. 
 
ويقول الله فى محكم ايات: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.سورة الحجر.  
 
وتعدد مسميات الشيطان بعد ذلك فهو ابليس من مادة " الإبلاس  " أى فاقد الرجاء، أو من كلمة diabolos  "المعترض".. أو الشيطان من مادة شط وشوط وشطن وشاط وكلها تدل على البعد والضلال ، وأيضا أسماء أخرى  كلوسيفر وبعلزبول ومفتستوفليس. 
 
 
"لا" عاصم اليوم من أمر الله.. طوفان نوح
 
وتأتي "لا" الثانية من قوم نوح التى وجهت بـ"لا" جاءت فى القرآن "لا عاصم اليوم من أمر الله"، ويعد طوفان نوح هو البداية الحقيقة لشكل الحضارة التى نعيشها اليوم، فنوح وهو النبي الثاني ممن ذكروا بعد ادم عليه السلام، والأول هو جده الأكبر "ادريس"، وقد جاء ذكره فى الكتاب المقدس بأنه نوح بن لامك بن متوشالح بن "أخنوخ" وهو إدريس، بن يارد بن مهلئيل بن قنيان بن أنوش بن شيث بن ادم، والذى ذكر ايضًا فى ثلاثة واربعين موضعًا فى القران الكريم. 
 
 
يقول عبد الوهاب النجار فى دراسته قصص الانبياء، الصادرة عام 1932 واثارت زخمًا واسعًا، لما بلغ نوح درجة اليأس من إيمان قومه بعد خمسين وتسعمائة سنة، أى انه ظل يدعوهم 950 عام، دعا على قومه كما جاء فى محكم الايات: " رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27).
 
ويشير النجار فى كتابه إلى أنه "لم اتم نوح عدته وجاء الموعد ورأى الأمارة التي بينه وبين ربه على اتبداء الطوفان، أمره الله تعالى أن يحمل السفينة أهلة ويدخل فيها من كل حيوان وطير ووحش زوجين وأن يأخذ معه قومه وكانوا قليلا، قيل كانوا ستة وقال بعضهم كانوا أربعين رجلًا وامرأة فلما استووا على ظهر السفينة حلت عليه عز إليها السماء وانفجرت عيون الأرض، ولما أراد نوح دخول السفينة نادى ابنه وكان فى فى معزل عنه وقال يابني اركب معنا السفينة، لا تكن من الكافرين فابى أن يلبي نداء والده المشفق، ويقول الله فى محكم آياته "قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ  قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ  وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ". 

 
"لا" إلا الله.. تهزم امبراطوريتي الروم والفرس 
 
تُعرف شهادة المسلمين التى تبدأ بكلمة لا، بأنها تنفي الألوهيّة عن غير الله سواءً كان إنسانًا أو عظيمًا أو كوكبًا أو ممّا يعظُم في عيون وقلوب النَّاس وذلك بقول: "لا إله"، وفي ذات الوقت إثبات العبودية والألوهيّة والعبوديّة والتَّعظيم المُطلق لله وحده لا شريك له وذلك بقول: "إلا الله" أيّ لا معبود بحقٍّ إلا الله وحده دون سواه، قال تعالى:"فاعلم أنّه لا إله إلا الله".
 
كما أنّ من معاني لا إله إلا الله إثبات صفة الإله لله وحده والإخلاص لهذا المعنى إخلاصًا مطلقًا؛ فهو من يستحقّ الألوهيّة دون شريكٍ؛ لأنّه الإله الذي يُطاع هيبةً وإجلالًا، ومحبّةً وخوفًا ورجاءً، كما أنّه من يُتوَجّه له بالدُّعاء والسُّؤال وهذا كله لا يُصرف إلا لله، أمّا من أشرك معه في هذه الأمور غيره فقد أخلّ في إخلاصه لمعنى لا إله إلا الله.
 
ومن المثير للانتباه بان الدعوة التى بدأت سرًا وهمسًا داخل بيت الارقم الصحابى الجليل الذى اتخذ محمد صلى الله عليه وسلم بيته مقرًا للدعوة بداية الدعوة إلى الإسلام إلى انتشارها فى الاقطار العربية بعد ذلك ثم هزيمة أكبر امبراطورتين الفرس والروم، وقد شن المسلمون سلسلةٌ من الحملات العسكريَّة على الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة المُتاخمة لِحُدود دولة الخِلافة الرَّاشدة، وقد أفضت هذه الفُتوح إلى انهيار الإمبراطوريَّة سالِفة الذِكر وانحسار الديانة المجوسيَّة في بِلاد إيران وإقبال الفُرس على اعتناق الإسلام.
 
بدأت تلك الفُتوحات زمن أبي بكرٍ الصدّيق بِغزو المُسلمين للعِراق، المركز السياسي والاقتصادي للإمبراطوريَّة.


"سبارتاكوس"
يعد سبارتاكوس واحد من أشهر الشخصيات المهمة المعبرة عن الرفض في التاريخ الإنساني، والتى الهمت عدد من الشعراء والفنين، فقد وصف الشاعر الجنوبي أمل دنقل فى قصيدته الأشهر، كلمات سبارتاكوس الاخيرة: مشهد مقتله "معلّق أنا على مشانق الصباح/ وجبهتي – بالموت – محنيّة/ لأنّني لم أحنها .. حيّه".
 
وكان سبارتاكوس عبدا من رقيق الإمبراطورية الرومانية، من دولة تراقيا القديمة رغم اختلاف المؤرخين القدامى في نسبه، وقد تعلم  في مدرسة للعبيد كيفية مصارعة الوحوش في ملاعب روما لتسلية الرومان، وفي سنة 73 ق.م نظم ثورة للعبيد في تلك المدرسة، وانتشرت أنباء نجاحها بسرعة في مختلف أرجاء البلاد، وسرعان ما أنضوى تحت لوائه الآلاف المؤلفة من العبيد، ونادوا بزعامته لهم، وأرسل مجلس الشيوخ عدداً من الجيوش لمحاربته ، فانتصر عليهم جميعاً، ثم أسندت القيادة إلى ماركوس لوشيوس كراسوس، فهُزم سبارتاكوس عام 71 ق.م، وقُتل في المعركة، ويقال أنه ماركوس أقام الصلبان على طــــول الطريق من روما إلى كابوا، وقد علّق عليها الآلاف من الذين بقوا على قيد الحياة إثر المعركة، ليكونوا عبرة للآخرين.
 
 
"أبراهام لينكون"
 
هو الرئيس سادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1861م إلى 1865م. الذى استطاع قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح بإعادة الولايات التي انفصلت عن الاتحاد بقوة السلاح، والقضاء على الحرب الأهلية الأمريكية، وكان  إبراهام لينكولن أول رئيس أمريكي يغتال، فقد نظر إلى لينكولن، الذي كان قائدا للاتحاد خلال الحرب الأهلية ومعلنا حرية "العبيد" داخل الكونفيدرالية، على أنه "هدف في مرحلة الحرب" شرعي.
 
وبمجرد انتخاب لينكولن كالرئيس السادس عشر للولايات المتحدة ، بدأ في استلام خطابات تهديد تحذره من مؤامرات اغتيال تحاك ضده، أٌغتيال الرئيس لينكولن يوم الجمعة الموافق 14 إبريل عام 1865 خلال عرض مسرحي ليلي على مسرح فورد بالعاصمة واشنطن دي سي، بعد مضي خمسة أيام فقط على انتهاء الحرب الأهلية باستسلام الجنرال الكونفيدرالي روبرت لي. وبعد تسلله إلى المقصورة الرئاسية، أطلق بوث الرصاص على الرئيس في مؤخرة رأسه من مدى متوسط. ثم حاول بعد ذلك الهروب مع شركائه ولكنه ظل مطاردا من السلطات الفيدرالية، وقبض عليه وقتل بعد مرور 12 يوما فقط على الجريمة. ولم تنجح محاولة اغتيال وزير الخارجية وليام سيوارد ولا نائب الرئيس أندرو جونسون، وبذلك لم يتحقق هدف المؤامرة الكلي. ألقي القبض على جميع شركاء بوث من المتآمرين وتم إعدامهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة