مات فلان

الجمعة، 02 مارس 2018 07:06 م
مات فلان
أمنية عفيفي تكتب:

 
إبن فلان .. أخو فلان .. أبو فلان ...صديق فلان ... قريب فلان ... زميل فلان.
 
من هو فلان ؟
 
هل هو الجسد الفانى الذى يوضع في الأرض أم هو الروح السامية التي تعلو إلى السماء؟
 
خلقنا من جسد و روح، عنصرين مختلفين ومتضادين ومتصارعين، أحدهم من طين الأرض ويحن دائماً إليها، والآخر من نفخة ربانية تريد أن تعلو إلى السماء.
 
يعيش الإنسان فى صراع يومى دائم بين الإثنين، الجسد المادى يحن لكل ما هو دنيوى مادى أرضى، والروح تحن لما فيه سمو ورفعة وانطلاق وراحة وخلود.
 
الجسد مقيد ضعيف، قدراته محدودة جدا، تحكمه قوانين الزمان و المكان. أما الروح فهى منطلقة جميلة لا يحكمها إلا وجودها داخل الجسد المحدود القدرات .
 
إذا أردت أن تتعرف على روحك ففكر فى أحلامك وكيف تنطلق فيها من مكان لمكان بلا حدود؟، تجالس في لحظة أجدادك وفى أخرى أحفادك، تنطلق وتطير من مكان لآخر بمنتهى الخفة، تجرى بسرعه الريح وتحلق طائرا في السماء، تقابل من تَرَكُوا الحياة وتأنس بصحبتهم، وترى لقطات من المستقبل وتصدم عندما تتحول لواقع.
 
في الأحلام لا يوجد حدود لزمان ولا لمكان ولا لقدرات، الأحلام هى عالم بلا حدود، تدرك فيه من أنت حقا، بدون هذا الجسد الضعيف المقيد.
 
الأحلام هي منحة ربانية لتعرف أنك لست جسدا فقط، أنت روح سامية في وقت ما سيطلق لها العنان فى عالم بلا زمان و لا مكان ولاهموم ولا أحزان.
 
لا أعتقد أبدًا أن المعركة الصعبة للإنسان فى حياته مع الشيطان أو مع الآخر، بل أن أصعب معارك الإنسان داخلية فى نفسه بين هذين الإثنين.
 
الجسد يجرى وراء شهوات، ماديات، أكل، متع جسدية. يريد كل ما يزيده جمال أو قوة أو تميز .
 
أما الروح فتبحث عن كل ما يرقيها ويرفعها من قيم وروحانيات وأفكار، وهي تسمو وتعلو بكل ما هو راقى. 
 
روحك هي أنت.. بطباعك المميزة، وسماتك المختلفة، هي أنت فى أحسن أحوالك، هى أنت بلا هموم، هى أنت السعيد، هى أنت الذي بلا خطيئة، هى أنت الذى تحبه، الذى تفضله، هي الخالدة الباقية الملازمة لك.
 
كل ما تضيفه إليها باق، كل ما تزيدها منه خالد، زكها بما تحب و بما تريد و بما تحلم، فكل ما تريده أو تسعي أن يكون فيها سيكون و سيبقى.
 
كثيرا ما نتجاهل الروح ونسرف في الإهتمام بالجسد ونطلق العنان لرغباته وشهواته وأطماعه وننسى أنه فان، وللأسف كلما ازداد اهتمامنا به كلما أصبح  إدراكنا لنفسنا من خلاله، فنتعامل مع الأجساد على أنها هي الأشخاص وننسي الروح تماما أو نتجاهلها.. لا ينتهى هذا الصراع اليومى إلا فى اللحظة التى تنفصل فيها الروح عن الجسد.. يعود كل لموطنه.. لأصله.. الجسد يعود إلى الأرض والروح تحلق في السماء، عندها  نقول لفظًا "مات فلان". 
 
ننهار ونجزع لأننا نعتبره فناء، فى حين أن الموت ليس فناء.. إنما خلع رداء. ماهو إلا ترك للجسد الفانى.. ذلك الجسد الذي يهرم، يمرض، يتغير، يعانى ويموت.
 
عندما يموت فلان أشفق على أمه.. على زوجته.. على أخته.. على أهله.. لا تحزن عليه أبدا.  فلان أطلق سراحه.
 
فلان  تحرر أخيرا من قيود الجسد و أطلق لروحه العنان في عالم بلا زمان ولا مكان ولا هموم ولا أحزان. فلان لم يمت و لن يموت.. لأن الأرواح لا تفنى.. 
ولكنها تنتقل.. تحلق.. تتحرر.. تنطلق.. وتلتقي إن كان الموت حقيقة.. والفراق أليم.. فاللقاء يقين.

 

تعليقات (1)
رائع
بواسطة: Islam Yousry
بتاريخ: السبت، 03 مارس 2018 09:01 ص

مقال أكثر من رائع

اضف تعليق