من واقع الأحكام القضائية.. هل يحق للقضاء وقف عرض الأفلام بالسينمات؟

الإثنين، 19 مارس 2018 08:00 م
من واقع الأحكام القضائية.. هل يحق للقضاء وقف عرض الأفلام بالسينمات؟
دار القضاء العالى
أحمد سامي

ما بين فترة وأخرى تظهر علي السطح دعوي قضائية تطالب بوقف عرض فيلم، أو برنامج، أو مسلسل بعضها لخروجه علي تقاليد⁦ المجتمع أو انتهاك مهنة معينة أو التجاوز بحق الدين أو تضمنه مشاهد إباحية، الأمر الذي يثير أزمة لدي صناع الفن بإعتباره أمر يصادر علي حرية الفكر والرأي والإبداع ويتنافس مع مبادئ الدستور، ولكن السؤال المطروح هل يحق للقضاء منع أو وقف فيلم من العرض بدور السينما فنجيب علي هذا التساؤل من خلال الأحكام القضائية.

فيلم "حلاوة روح"

أثار فيلم حلاوة روح أزمة كبيرة منذ بداية عرض الإعلان الترويجي له لما يتضمنه من مشاهد إغراء فضلا عن قصة الفيلم التي تضمنت أفكار مثيرة للجدل الأمر الذي دفع عدد من المحامين لتقديم البلاغات والدعاوى القضائية لوقف الفيلم وليس هذا فقط بل صدر قرار من رئاسة الوزارء، ووزير الثقافة بوقف عرض الفيلم وسحبه من دور العرض، ليقيم منتج الفيلم السبكي برفع دعوي قضائية لالغاء القرار لتصدر المحكمة حكمها بإعادة عرض الفيلم. 

وأشارت المحكمة إلى أن حكمها لم يتعرض للأسباب التى ساقتها جهة الإدارة كمبرر لإصدار القرار، وإنما افتقر حكمها الصادر فى الشق العاجل من الدعوى على بيان مدى مشروعية القرار من ظاهر الأوراق.

وأوضحت المحكمة أن الاختصاص ركن من أركان القرار الإدارى، وأن الاختصاص يحدده القانون ، وأن الاختصاص يتحدد بالموضوع والمكان وبالزمان وبصفته من يتولى الاختصاص وأن كل جهة إدارية عليها واجب التقيد بحدود اختصاصها وليس لها أن تنتحل اختصاصاً لم يمنحها القانون إياه، ولا أن تسلب جهة إدارية أخرى اختصاصها ولا يجوز لجهة إدارية أن تعتدى على اختصاص جهة إدارية موازية لها أو أعلى أو أدنى منها وأنه إذا أسند القانون اختصاصا إلى المرءوس دون أن يعقب عليه من الرئيس فإن اختصاص المرءوس يصبح اختصاصا مانعا وليس للرئيس الإدارى فى هذه الحالة أن يحل نفسه محل المرءوس، لأن السلطة الرئاسية يجب أن تمارس فى حدود القانون ووفقاً للضوابط والحدود التى وضعها.

وبينت المحكمة أن القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية أخضع تصوير وعرض المصنفات السمعية والبصرية عرضاً عاماً وتداولها وبيعها وتأجيرها للرقابة على المصنفات واشترط الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة وعهد القانون فى المادة (4) إلى اللائحة التنفيذية للقانون بيان الجهة المختصة بإصدار الترخيص وأسندت المادة الثانية من اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 93 إلى الإدارة العامة، للرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة تولى أعمال الرقابة إصدار التراخيص الخاصة بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية.

وأضافت المحكمة إذا كان المشرع قد أجاز فى المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب الترخيص الذى سبق أن أصدرته فى أى وقت بقرار مسبب إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك ولها فى هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف بعد إجراء ما تراه من حذف أو إضافة أو تعديل فإن السلطة المختصة بذلك هى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات وأن القرار المطعون فيه بسحب ترخيص الفيلم المشار إليه ومنع عرضه صدر من وزير الثقافة بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للثقافة وأنه بحسب ظاهر الأوراق صدر من غير مختص وشابه عدم الاختصاص.

وأوضحت المحكمة أن حرية الفكر والإبداع الأدبى والفنى لا توجد ولا تتحقق إلا إذا أتيحت حرية التعبير بوسائل ووسائط التعبير كافة وأن حرية الفكر والإبداع الأدبى والفنى لا يتعلق بها حق صاحبها فقط وإنما يتعلق بها حق الجمهور أو المتلقى الذى يتفاعل مع الأعمال الفكرية والأدبية والفنية بالتأييد أو الموافقة أو بالاختلاف أو المعارضة أو الرفض على وجه يثرى الثقافة العامة، وأن إخضاع الأعمال الفكرية والأدبية والفنية للحجب بمعرفة جهة الإدارة يترتب عليه أن ما يظهر علنا من أفكار أو آراء أو إبداع أدبى أو فنى سيقتصر على ما ترضى عنه جهة الإدارة أو تسمح به وأن من لم ترضى جهة الإدارة عن أفكارهم فإن حقهم فى التعبير سيتردد بين التقييد أو المنع أو التسامح بحسب تقدير جهة الإدارة وهذا الأمر ينتقص من حق وحرية المفكر و الأديب.

والفنان كما ينال من حق الجمهور فى تلقى الآراء والأفكار والفنون والآداب بحرية دون وصاية من جهة الإدارة على عقله تحدد له بموجبها ما يجوز له أن يعلمه أو يقرأه أو يشاهده وما لا يجوز فيفقد حريته فى الاختيار والانتقاء.

كما استندت المحكمة إلى أن الدستور فى المادة (92) ينص على أن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا، كما خطر على المشرع عن تنظيم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدهما بما يمس أصلها وجوهرها وأن هذا النص حظر على المشرع عند تنظيم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدهما بما لا يمس أصلها وجوهرها، وأن هذا النص جاء تبنياً من الدستور من للمبادئ التى أرستها المحكمة الدستورية العليا عند رقابتها على دستورية القوانين التى تنظم الحقوق والحريات فى الحالات التى تدخل فيها المشرع بحجة تنظيم الحقوق والحريات فأهدرها أو قيدها عسفاً، وأنه نص المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية التى تجيز لجهة الإدارة سحب الترخيص الصادر للمصنف الفنى تنطوى على شبهة مخالفة الدستور لأنها تمس أصلا وجوهر حرية الإبداع الفنى وحرية التعبير كما أنها تشكل عدوانا من جانب جهة الإدارة على اختصاص القضاء.

فيلم "بحب السيما"

لم يكن فيلم حلاوة روح فقط الذي سمح القضاء بعرضه ولكن أيضا فيلم بحب السينما حيث رفضت  محكمة القضاء الإدارى  الدعوى التى أقامها ثلاثة أقباط طالبوا فيها بإعدام النسخة الأصلية لفيلم «بحب السيما» وجميع النسخ بالأسواق من شرائط الفيديو وسى دى وإلزام كل من وزير الثقافة وشيخ الأزهر والبابا شنودة والقس إكرام لمعى راعى الكنيسة الإنجيلية وممثلى الفيلم ليلى علوى ومحمود حميدة ومنة شلبى ومنتجة الفيلم إسعاد يونس بالاعتذار الرسمى فى جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة لجميع الأقباط عن الإساءة التى سببها الفيلم. 

أكدت الدعوى أن فيلم «بحب السيما» يثير الفتنة الطائفية ويعكر السلام الاجتماعى ويزدرى طائفة الأقباط الأرثوذكس ولم تكن له رسالة هادفة وقالت المحكمة فى أسباب حكمها بأن الدستور كفل مبدأ حرية التعبير عن الرأى بمدلوله العام وفى مجالاته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأن الفيلم تعرض لتفصيلات الحياة اليومية لأسرة مصرية ديانتها المسيحية تقيم فى «حى شبرا» فى منتصف الستينيات على خلفية من خلال الأحداث السياسية والاجتماعية التى شهدتها البلاد.

ولا خلاف على أن الاعتداء على رجل الكنيسة أثناء أداء مراسم الزواج مظهر سلبى وشاذ ولكن يحمل الفيلم بشأن هذه الواقعة مضمونا يلحظه كثير من المشاهدين تمثل فى الدور الإيجابى لرجل الدين المسيحى الذى حرص على القيام بدوره الدينى والاجتماعى بإتمام الزواج المقدس داخل الكنيسة والتوفيق بين المتنازعين وهو دور الكنيسة المصرية على القيام به.

وقالت المحكمة أنه لا خلاف على أن تزمت بطل الفيلم حالة واقعية وموجودة فى كل الأديان وهى تنصرف إلى المغالاة فى التدين بما يتنافى مع العقائد السماوية السمحة ومنها الديانة المسيحية، ووجود هذه الحالات فى مجتمع ما يستدعى لزوم طرحها فى الأعمال الفنية.

وانتهى الحكم مؤكدا أن طرح الفيلم أمور تتعلق بالمسيحيين لا يمثل خروجا على النظام العام أو الأمن العام باعتبارهم جزءا من الشعب المصرى الواحد شارك بعضهم بإبداعه الفنى والأدبى فى استبيان العلاقات الاجتماعية للمصريين

الباحثات عن الحرية

ومن الدعاوي التي قضت المحكمة برفضها وقف عرض فيلم "الباحثات عن الحرية"، نظرًا لما يحمله من إساءة وإهانة وتشويه لصورة المرأة المصرية، واختزال كل مشاكل المرأة بأنها مشاكل جنسية فقط، الفيلم  من بطولة داليا البحيري، هشام سليم، أحمد عز، وإخراج إيناس الدغيدي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق