بوتين يفوز بزعامة روسيا والعالم

الثلاثاء، 20 مارس 2018 02:58 م
بوتين يفوز بزعامة روسيا والعالم
د. مغازي البدراوي يكتب:

فلاديمير جيرنوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، والذي جاء ترتيبه الثالث في نتائج انتخابات الرئاسة الروسية الأحد الماضي، صرح أثناء فرز الأصوات، وبوتين مكتسح في المقدمة، قائلاً "روسيا اليوم تنتخب اليوم .. ليس فقط رئيساً لروسيا بل زعيماً للعالم"، ويقصد جيرنوفسكي أن روسيا أصبحت الأن الدولة الأقوى وصاحبة الكلمة والقرار على الساحة الدولية ولا أحد ينافسها في ذلك. 
 
وقد جاء الفوز الساحق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتخابات الرئاسة بنسبة تجاوزت الـ76%، بنحو أكثر من 56 مليون صوت، وهي نتيجة غير مسبوقة في تاريخ الرئاسة الروسية منذ بدايتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 حتى الآن، لتعكس الأوضاع القائمة والظروف التي تمر بها روسيا الآن، داخلياً وخارجياً.

نتائج المرشحين
وقد حلّ في المركز الثاني بعد الرئيس بوتين من حيث عدد الأصوات، المرشح عن الحزب الشيوعي بافل غرودينين بـ11.80%، فيما جاء زعيم الحزب الليبيرالي الديمقراطي فلاديمير جيرينوفسكي ثالثا بـ5.66% من الأصوات، واحتلت المرشحة عن حزب "المبادرة المدنية" كسينيا سوبتشاك، المرتبة الرابعة بـ1.67%، وتجاوز غريغوري يافلينسكي منافسها الأقرب، والمرشح عن حزب "يابولكو" الليبرالي عتبة 1%، حاصلا على تأييد 1.04% من الناخبين، في حين احتل بوريس تيتوف المرشح عن "حزب النمو" المركز السادس بـ0.76%، يليه مكسيم سورايكين المرشح عن حزب "شيوعيو روسيا"، الذي حصل على 0.68%. أما أدنى نسبة في تأييد الناخبين الروس، فكانت لسيرغي بابورين، المرشح عن "الاتحاد الشعبي الروسي" الذي حصل على أصوات 0.65% فقط. وهذه النتائج لم تختلف كثيراً عن سابقاتها، حيث كان دائماً المرشح الشيوعي في المرتبة الثانية، والليبرالي الثالث، وذلك لقاعدتهما الحزبية الكبيرة والمنتشرة في أنحاء روسيا، خاصة الحزب الشيوعي الروسي الذي ينتمي له الملايين من كبار السن أصحاب الحنين للعهد السوفييتي السابق. 

نتائج عكسية
هذا الفوز الساحق والإقبال غير العادي على صناديق الاقتراع داخل روسيا وخارجها، حيث بلغت نسبة الإقبال على التصويت 67,5 %، جاء على عكس توقعات جهات كثيرة في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، البلدان اللتان سعتا لتشويه صورة بوتين قبل الانتخابات بهدف الحد من شعبيته، لكن على ما يبدو، كما يرى بعض المحللين أن الحملة أتت بنتائج عكسية وجعلت الشعب الروسي يلتف حول قائده الوطني صاحب الشعبية الكاسحة، ويخرج النساء ومعهم الأطفال في الطقس البارد والثلج يملأ الشوارع، إلى صناديق الاقتراع، ويصطفون في طوابير طويلة لساعات طويلة ليدلوا بأصواتهم، هذا الحماس البالغ مع الفوز المضمون لبوتين بالرئاسة يعكس طبيعة خاصة للشعب الروسي الذي اعتاد الالتفاف بقوة حول قيادته القوية في وقت الأزمات.

الشعور الوطني
هذا إلى جانب التنظيم الفائق للعملية الانتخابية وأجواء لجان الاقتراع التي لم تسجل أية مخالفات تذكر، والجو البهيج الذي أضافته الجهات المسئولة على مواقع لجان الانتخاب التي كانت مستعدة حتى لاستقبال الأطفال مع أهاليهم، ويقول رئيس مجموعة الخبرة السياسية في موسكو، قسطنطين كالاتشيف، هناك عاملين وراء الإقبال الكبير والنتيجة الساحقة في الانتخابات: الأول، صعود الشعور الوطني في البلاد.. في مواجهة عدو خارجي؛ والثاني، هو أن السلطات حولت الانتخابات إلى عيد. وقال: "ليس من الواضح حتى الآن ما الذي لعب دورا أكبر في الاقبال الكبير على التصويت، الرد على تصريحات تيريزا ماي أو طرق (التنظيم) التكنولوجية. فقد تمكنت السلطات من جعل الانتخابات عصرية ومشرقة ومثيرة للاهتمام، وأصبحت جزءاً من وقت الراحة. في الواقع، كل شيء تم وفق أفضل التقاليد السوفياتية، مع الأخذ بعين الاعتبار التقنيات الحديثة".

إنجازات 6 سنوات
هناك أراء أخرى تفسر هذا الإقبال الكبير والفوز الساحق لبوتين، حيث يرى البعض أن الست سنوات الماضية من حكم بوتين تحقق فيهم إنجازات رفعت شعبية بوتين في السماء، وأهمها حدثان، هما استعادة القرم عام 2014، والحملة العسكرية في روسيا عام 2015 ونتائجها الكبيرة في دحر الإرهاب، ويرى البعض الأخر أن خطاب الرئيس بوتين الأخير في الجمعية الاتحادية في أول مارس الجاري، واستعراض القوة والأسلحة الحديثة التي قدمها في خطابه وتحديه الواضح للولايات المتحدة الأمريكية، رفع من شعبيته أكثر، ودفع الشعب الروسي الذي يعشق الزعيم القوي البطل للخروج والزحف لصناديق الاقتراع، ويرى البعض أيضاً أن هذا الفوز الساحق والإقبال الكبير هو استفتاء على بقاء بوتين رئيساً لروسيا مدى الحياة، مثلما حدث في الصين منذ أيام، حتى لا يغادر بوتين الكرملين عام 2024، خاصة وأن الساحة السياسية في روسيا حتى الآن تكاد تخلو من الوجه المناسب لخلافة الرئيس بوتين، وغير معروف ما إذا كان بوتين سيعد خليفة له أم لا. 

أول قرار
فاز بوتين، وبدأ ولايته الرابعة والأخيرة بـأول قرار غريب ومثير للدهشة والجدل، حيث أصدر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسوما يقتضي باستدعاء المواطنين الروس الواقعين ضمن قوات الاحتياط، في عام 2018، للخضوع للتدريبات العسكرية. ووفقاً للمرسوم المنشور على بوابة الإنترنت الرسمية للمعلومات القانونية للكرملين، قرر رئيس الدولة، دعوة المواطنين الروس، الواقعين ضمن قوات الاحتياط لاجتياز التدريبات العسكرية في القوات المسلحة وهيئات أجهزة الأمن الاتحادي الروسي، لفترة تصل إلى شهرين. وصدرت تعليمات إلى الحكومة والهيئات التنفيذية للسلطات التنفيذية، لضمان تنفيذ الأنشطة المتعلقة باستدعاء الاحتياط لإجراء التدريبات العسكرية.

الحشد والشحن
قرار غريب ومثير للتساؤلات والجدل بدأ به الرئيس بوتين ولاية حكمه الجديدة، وهي أول مرة يستدعى فيها قوات الاحتياط بهذا الشكل المفاجئ والصارم، وكأن البلد تستعد للحرب، ويدعم هذا الرأي حديث بوتين بعد الانتخابات مباشرة مع المرشحين للرئاسة السبعة، والذي ألمح فيه بوضوح إلى الاستعداد العسكري وتقوية الجيش الروسي، حيث أكد بوتين للمرشحين السبعة استمرار العمل على ضمان إمكانيات الدفاع وحل القضايا الأمنية للبلاد، ولم يخفي أهمية القضايا الداخلية والرعايا الصحية وضمان نمو الاقتصاد الروسي، باعتبارها الأهم، لكنه عاد في حديثه ليؤكد مرة ثانية على أنه سيعمل على القضايا المتعلقة بضمان القدرة الدفاعية للبلاد.
 
حديث بوتين هذا وقراره باستدعاء الاحتياطي العسكري يشير إلى حالة من الحشد والشحن الشعبي لمواجهة تهديدات كبيرة تنتظرها روسيا، لكن بوتين لم يحددها، ولم يبين من أين تأتي التهديدات. 
 
ختاماً يمكن القول أن العرس الانتخابي الرئاسي في روسيا انتهى بنجاح كبير لم يكن متوقعاً، وزاد من بهجته الفوز الساحق للرئيس بوتين، ومن المؤكد أن هذا الشكل سيؤثر سلباً على الجهات المضادة في بريطانيا والولايات المتحدة، وسيجعلهما تتوجسان خيفة من فترة رئاسة بوتين القادمة التي يبدو أنها لن تكون مريحة بالنسبة لهما.
متخصص في شئون روسيا وأسيا الوسطى

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق