كبسولة قانونية.. هل يحق للنيابة إصدار قرار بمنع شخص من السفر على خلفية اتهامه بجريمة؟

الثلاثاء، 01 مايو 2018 02:00 ص
كبسولة قانونية.. هل يحق للنيابة إصدار قرار بمنع شخص من السفر على خلفية اتهامه بجريمة؟
صورة أرشيفية
علاء رضوان

قضت الدائرة المدنية بمحكمة النقض بعدم مشروعية قرارات النائب العام بالمنع من السفر ولو علي خلفيه اتهام الشخص الممنوع بجريمة، وذلك لخلو قانون الإجراءات الجنائية من نص في هذا الشأن والقاعدة أنه:« لا إجراء جنائي مقيد الحرية إلا بنص» طبقا لمبدأ الشرعية الإجرائية القائم علي احتكار المشرع تنظيم الإجراءات الماسة بالحقوق والحريات العامة.  

ولقد اتبعت المحكمة الإدارية العليا ذات النهج ومن بعدهما المحكمة الدستورية العليا إذ اتفق الجميع علي أنه في ظل غياب قانون ينظم المنع من السفر لا يجوز لأي سلطة ولو كانت قضائية منع أي شخص من السفر باعتبار أن هذا المنع إجراء معدوم وليس من شأن إضفاء الصفة القضائية علي الإجراء المعدوم تحوله إلي عمل مشروع.  

 

ولكن اختلف الرأي حول الجهة المختصة بإلغاء قرارات المنع من السفر ما بين القضاء العادي والإداري وكيفيه طرق باب القضاء حيال الطعن في تلك القرارات.  

 يقول ياسر فاروق الأمير، أستاذ القانون الجنائي، أن هذه الإشكالية عرضت  علي أحد دوائر النقض الجنائي فذهبت إلى مشروعيه قرارات المنع الصادرة من النائب العام علي خلفيه اتهام جنائي وعقدت الاختصاص بنظر التظلم من تلك القرارات للقضاء العادي من خلال دعوي ترفع بالإجراءات المعتادة قياسا علي أحكام قانون المرافعات بسند أن خلو قانون الإجراءات الجنائية من إيراد قاعدة تحدد طرق الطعن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج متهم على قوائم الممنوعين من السفر أثره الرجوع في ذلك للقواعد العامة بشأن رفع الدعوى وقيدها .

 

وأكد «الأمير» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن محكمة النقض أضافت أن النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى الجنائية وشعبة من القضاء العادي تتولى أعمالا قضائية أهمها وظيفتا التحقيق والاتهام اختصاصها بإصدار قرار إدراج متهم على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقاتها في واقعة جنائية مستمدة من الدستور وأن إنجاز مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية، ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذا لقرار النائب العام قرار وزير الداخلية رقم 2214 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر لا يغير من اختصاصها والمحاكم بذلك وأجابت تبعا لذلك إقامة دعوى ابتداء طبقا لقانون المرافعات لطلب إلغاء قرار النائب العام بإدراج المتهم على قوائم الممنوعين من السفر أمام محكمة الجنايات.

 

وقالت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض أنه لما كان البين من الإطلاع على الأوراق أن النائب العام أصدر قرارا بإدراج اسم «...» على قوائم الممنوعين من السفر، وذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة في القضيتين رقمي «...» ، «...» لسنة «...» حصر أموال عامة عليا، فطعن المذكور على هذا القرار بطريق الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء القرار، والمحكمة المذكورة قضت برفض الدعوى، فطعن المطعون ضده على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا والمحكمة المذكورة قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها لمحكمة استئناف «...» لنظرها، وإذ أحيلت الدعوى لنظرها أمام محكمة جنايات «...» وقضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وعلى النيابة العامة اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لتحديد الجهة المختصة .  

 

فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض، ولما كان ذلك، وكانت الأحكام الصادرة نهائية في مسائل الاختصاص التي يجوز الطعن فيها استقلالاً بطريق النقض هي تلك التي يتعلق الاختصاص فيها بولاية المحكمة أو تلك التي تصدر بعدم الاختصاص بنظر الدعوى حيث يكون الحكم في هذه الحالة مانعاً من السير في الدعوى، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يجوز الطعن فيه بطريق النقض .  

 

لما كان ذلك، وكانت إجراءات التقاضي والقواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام والشارع أقام تقريره لها على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة ، وكان قانون المرافعات يُعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية، ويتعيَّن الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد جاء خلواً من إيراد قاعدة تُحدد طرق الطعن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر، فإنه يتعيَّن للرجوع في هذا الخصوص إلى القواعد العامة الواردة بقانون المرافعات الخاصة برفع الدعوى وقيدها والقول بغير ذلك يؤدي إلى تحصين قرار النائب العام من الطعن عليه باعتبار أن القانون لم يرسم طريقاً لذلك وهو ما يتأبى على العدالة، إلا أن ذلك لا يحول دون أن يتولى المشرع بتشريع أصلى تنظيم حرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها موازناً في ذلك بين حرية التنقل بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه وبين حقوق الدولة وأفراد المجتمع، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وما تقضي به المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية القطعية الثبوت والدلالة هي المصدر الرئيسي للتشريع .  

 

لما كان ذلك، وكان المشرع الدستوري جعل الحرية الشخصية حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه،فنص في المادة (41) من الدستور على أن «الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون».

 

وكان من المقرر أن حق المواطن في الانتقال يعكس رافداً من روافد حريته الشخصية التي حفل بها الدستور، دالاً بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى ولازم ذلك أن يكون الأصل الحرية في الانتقال والاستثناء هو المنع وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضي أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية، وقد حفل الدستور بالحقوق المتصلة بالحق في التنقل فنص في المادة 50 منه على حظر إلزام المواطن بالإقامة في مكان معيَّن أو منعه من الإقامة في جهة معيَّنة إلا في الأحوال التي يبينها القانون، وتبعتها المادة 51 لتمنع إبعاد المواطن عن البلاد أو حرمانه من العودة إليها، وجاءت المادة 52 لتؤكد حق المواطن في الهجرة ومغادرة البلاد ، ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصاً ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم وأن هذا التنظيم يتعيَّن أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين .   

 

 

وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتنصل من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس تلتزم بالعمل في إطارها فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه كان متخلياً عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور ساقطاً بالتالي في هوة مخالفة القانون .

 

 لما كان ذلك، وكان المشرع قد ارتقى بحرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها إلى مصاف الحريات العامة والحقوق الدستورية وقرر المشرع لذلك ضمانة شكلية تتمثل في النص على سبيل الحصر على جهتين فقط ، أناط بهما الاختصاص بإصدار قرارات المنع من التنقل والسفر وهما القاضي المختص والنيابة العامة إذا استلزمت ذلك ضرورة التحقيق وأمن المجتمع .  

 

وإذ كانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى الجنائية وهي شعبة من القضاء العادي تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق ووظيفة الاتهام، وهي إذ تصدر من تلقاء نفسها قراراً بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقات تجريها في واقعة جنائية مُعيَّنة ، فإن ذلك يكون بموجب سلطتها الولائية بما لها من هيمنة على سير التحقيق مُستهدفة بها حسن إدارته مستمدة حقها في سلطة إصدار هذا الإدراج من الدستور، وأن قيام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بإنجاز ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذاً لقرار النائب العام.

 

يؤيد هذا النظر أن قرار وزارة الداخلية رقم 2214/1994 قد صدر بشأن « تنظيم قوائم الممنوعين من السفر » بناء على طلب جهات عددها منها النائب العام والمحاكم في أحكامها وأوامرها واجبة النفاذ ، وليس من شأن قرار وزير الداخلية هذا أن يسلب حقاً منح لهاتين الجهتين من عماده ، ولا يغير من ذلك ما ورد بنص المادة السابعة من القرار سالف الذكر التي بيَّنت من له الحق في التظلم من ذلك الإدراج وكيفيته ، ذلك أن المطعون ضده إذ أقام دعواه ابتداء ما كان إلا بطلب إلغاء قرار إدراجه من على قوائم الممنوعين من السفر الصادر ضده وليس التظلم منه، ومن ثم فإن المنازعة الموضوعية في ذلك القرار تكون خارجة عن نطاق رقابة المشروعية التي يختص القضاء الإداري بمباشرتها على القرارات الإدارية، وداخلة في اختصاص جهة القضاء العادي تتولاها محاكمها طبقاً للقواعد المنظمة لاختصاصها ، وإذ كان المطعون ضده قد أقام دعواه أمام القضاء الإداري بطريق إيداع الصحيفة والإعلان طبقاً لقانون المرافعات القانون العام الذي يحكم نظم التقاضي فقضت المحكمة الإدارية العليا بعدم الاختصاص الولائي، وأحيلت الدعوى إلى محكمة استئناف حيث نظرتها محكمة الجنايات كدعوى مطروحة أمامها وقضت فيها بعدم الاختصاص الولائي، فإن ما قضت به محكمة الجنايات هو حكم صادرٌ عنها قابلاً للطعن عليه أمام النقض ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر خطأ أن قرار النائب العام بإدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر قراراً إدارياً لا تختص المحاكم العادية بنظر إلغائه يكون قد جانبه الصواب، وإذ كان الخطأ الذي استند إليه الحكم قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى بالنسبة إليه ، فإنه يتعيَّن أن يكون النقض مقروناً بالإعادة .  

 

(الطعن رقم 48117 لسنة 74 جلسة 2010/06/14 س 61 ص 442 ق 58)

 

 

وأخيراَ أكد «الأمير» أن قرارات النائب العام بالمنع من السفر ولو علي خلفيه اتهام جنائي لا تكون مشروعه ولو اتخذت بمناسبة جريمة إلا في حاله وحيده هي اعتبارها احد بدائل الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة ٢٠١ إجراءات والمتمثل في الأمر بعدم مغادرة المتهم موطنه إذ يفهم الموطن في النص بمعني واسع وهو أرض الوطن.

 وهذا يقتضي توافر كافه شروط الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون ومبرراته ولزوم استجواب المتهم قبل صدور أمر المنع وأن تحدد مدته بذات مدد الحبس وأن يجدد ويكون للمتهم حق استئنافه ومعاوده الكره باستئناف آخر كلما انقض ٣٠ يوما علي رفض استئنافه.  

وهو ما أكده دستور ٢٠١٤ حينما أجاز المنع من السفر بأمر قضائي مسبب ولمده محدده طبقا للقانون.

 


 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة