رواية أخرى لخروج آدم من الجنة

الإثنين، 07 مايو 2018 11:23 ص
رواية أخرى لخروج آدم من الجنة
محمود الغول يكتب:

بعد أن انتهت حواء من مطاردة الفراشات الملونة في الجنة، إذ كان ذلك أحب الطقوس التي تحرص عليها يوميًّا كي تتسلى، عادت لتجالس آدم بعض الوقت على شاطئ نهر العسل المتدفق. 
 
كانت تسير دون أن تحدث صوتًا، من أجل أن تفاجئ زوجها.. 
كثيرة هي مفاجآت حواء، لكنها أبدًا لم تغضب آدم يومًا، بل هو يفرح لمفاجآتها تلك، خصوصًا أن الجنة بلا مفاجآت..
 اقتربت منه، لكنها لم تستطع أن تضع يديها على عينيه لتسأله كعادتها في دلال: «مَن أنا»، فيجيبها هو في كل مرة، وكله ولهٌ وشوقٌ: «أنتِ حبيبتي وأنيستي وتوأم الروح».
لم تستطع فعل ذلك لأن آدم وقتها كان مكنس الرأس، ووجهه مدفون بين كفيه، كتائهٍ ضلَّ الطريق في ليلة بلا قمر.. 
وقفت هي تتأمل رجلها العاري مثلها، فلا حاجة للستر إن لم يكن حولك مَن تخشى أن يرى عيوبك.. وآدم لحواء وحواء لآدم.. منه هي خُـلقت وإليها هو يأوي.
«ماذا بك يا آدم!».. قالتها حواء، بينما رفع هو رأسه وأطال النظر إلى عينيها، فلمحت في عينيه حزنًا ينسلخ كجنين يملأ رئتيه بالهواء للمرة الأولى، فاستحالت هي أمًّا تضمه إلى صدرها وتبتلع الحزن في مهده..
 جلست إلى جواره واستقبلت رأسه في حجرها، وأخذت تهدهده، وتكفكف دمعاته السائلة على فخذها، حتى غلبه النعاس، وذهب في رحلة طويلة إلى أرض الأحلام.
حواء تعرف كيف تمتص الوجع، الغضب، الحزن من رجلها.. لم تكن تفعل شيئًا، فقط تستقبل رأسه في حِجرها وتتركه يغوص في أحلامه، ولا توقظه حتى يفيق وحده..
 حين استيقظ آدم، وجد رفيقته تداعب خصلات شعره، وتدندن لحنًا حفظته عن طيور الجنة.. طيور بذيل طويل وملون ومناقيرها من ذهب وفضة.. لم ينطق آدم بكلمة.. فقط أخذ يستمع إلى لحنها.. وحين انتهت قبَّلها لألف عام كاملة، ثم همَّ واقفًا، فسألته عن وجهته، لكنه لم يرد، وانطلق نحو الشجرة المحرَّمة، فلحقت هي به..
 «آدم.. لا تقترب منها».. 
لم يأبه لكلامها، ومدَّ يده ليقطف الثمرة.. ثمرة محرَّمة من شجرة محرَّمة.. 
من بعيد كان إبليس يشاهد كل شيء، لكنه لم يكن ليقترب، فكيف لمخلوق النار أن يقترب من ابن التراب؟! الأول لن يحرق الثاني، إنما الثاني سينطفئ إن مسَّه الأول.. ولن يتوهج بعدها، سيخبو كشمعة في وجه الإعصار.
الآن، الثمرة في يد آدم، يقلبها أمام عينيه، ثم يفتح فمه كما لم يفتحه من قبل، لا ليقضم منها قطعة بل ليبتلعها دفعة واحدة، وذلك قبل أن تمتد له يد حواء.. «إن لم يكن هناك بد.. فلنقتسم الخطيئة».
قضم آدم نصف التفاحة وأطعم حواء نصفها الآخر، ثم أغمضا أعينهما، وراح يختبران كل المشاعر التي لم يشعرا بها يومًا: خوف.. حزن.. فرح.. ترقب.. أمل.. مفاجآت غير تلك التي تفننت في تكرارها حواء.. 
آدم كان يعلم - مثل حواء تمامًا - أن البشر لم يخلقوا للجنة.. في الجنة ليست هناك حياة.. فالحياة لا تنبت إلا في أرض الصراع، حيث الخطر والنجاة يتجاوران، حيث الحب والكراهية يتعايشان، حيث النجاح والفشل.. النشاط والكسل.. الضحك والبكاء.. السأم.. الملل.. البهجة والشغف. 
لم يخطئ آدم ولا حواء، ولم يغضب الرب.. ولم يكن هناك عقاب..
 
كل ما حدث أنه حين تمرد آدم، خُلقت الحياة، فأذن له الرب أن يحيا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق