ثقافة "كله تمام"

الإثنين، 28 مايو 2018 03:01 م
ثقافة "كله تمام"
صبرى الديب

 
أتمنى أن يمن علينا المؤرخون، بالبحث في أصول المرجعية العبقرية التي استسقى منها أغلب المسئولين المصرين على مدار العصور ثقافة "كله تمام" التي يستخدمونها بشكل دائم عند عرض أمر القطاعات التي يرأسونها على من هم أعلى منهم في الترتيب القيادي.
 
 تلك الثقافة التى أدت إلى تدهور أغلب قطاعات الدولة، ووصولها إلى ما هى عليه من تردى وسوء على مدار العقود الماضية، بسبب عروض غير أمينة، يقدمها مسئولون يفتقدون الأمانة، طمعا فى كسب رضا قادتهم بالخداع، والحفاظ على مناصبهم على حساب الصالح العام. 
 
ولعل أسوء ما في ثقافة "كله تمام" أن المسئول الذي يحاول أن يُجمّل في القطاع الذي يرأسه على ـ خلاف الحقيقة ـ يعلم يقينا أنه بعرضه المزيف يزيد من تدهور القطاع والعاملين به، ويفتح الباب لمزيد من نزيف الخسائر بالمال العام، ويضيع على البلاد فرصة ذهبية بضمان تبني القيادة لمشكلات القطاع، ومتابعته والدفع به إلى الأمام.
 
وهو السلوك الذى انتهجته للأسف، الدكتورة "منى محرز" نائب وزير الزراعة لشئون الثروة الحيوانية والداجنة، فى عرضها لمشكلات قطاع الثروة الحيوانية فى مصر، خلال فاعليات مؤتمر الشباب الذي عقد منذ أيام، وتحديداً عندما سألت عن "أوضاع الثروة الحيوانية في مصر" فأجابت بشكل مغاير للحقيقة، وبذات ثقافة المسئول المصري الذي لا أدرى حتى الآن ما مرجعيته "كله تمام".
 
وهى الإجابة التي استفزت كل الأطباء البيطريين في مصر، خاصة وأنهم يعلمون جميعا، أن تعيين "الدكتورة منى" في هذا المنصب، جاء بديلا عن وزارة كاملة للطب البيطرى، كانوا قد طالبوا بها منذ نحو عامين، حماية للثروة الحيوانية والداجنة في مصر.
 
وبدلا من عرض أمر القطاع بشفافية أمام قيادات الدولة، أكدت "محرز" على عكس الحقيقة، عدم حاجة الوزارة لتعيين أطباء بيطريين، فى حين أن القطاع يعانى من نقص هائل في أعداد الأطباء على مستوى الجمهورية، أدت معاناة القطاع فى الإشراف على السلخانات والمجازر فى شتى انحاء مصر، وزيادة الكارثة عند تفشى وباء مثل الحمى القلاعية أو الوادى المتصدع بين الماشية، وأن المشكلة سوف تزداد بشكل تدريجى خلال السنوات الـ 7 القادمة، مع خروج نصف قوة الأطباء الذين يعملون في القطاع حالياً إلى المعاش.
 
لقد وضعت "نائب وزير الزراعة" بعرضها المخالف للحقيقة "نقابة البيطريين" فى موقف حرج شديد للغاية أمام "رئيس الوزراء" حيث كانت النقابه قد رفعت أمر النقص الشديد فى أعداد البيطريين إليه، أملا فى تدخله والدفع بدماء جديدة من البيطريين للقطاع، إلا أن "محرز" بعرضها أمام الرئيس أوقفت كل شيىء.
 
العرض الغير موضوعى وثقافة "كله تمام" التى انتهجتها "نائب وزير الزراعة"  دفع النقابة العامة للأطباء البيطريين إلى عقد اجتماع طارئ حضورة كل رؤساء النقابات الفرعية، تم خلاله الاتفاق على تحرك لجنة الزراعة بالبرلمان لاستجواب "محرز" والمطالبة بعد التجديد لها، أو التقدم بطلب إحاطة عن طريق نائب بالبرلمان يحوى كل مشاكل قطاع الطب البيطرى.
 
أؤكد انه لو عرضت "منى محرز" كل مشكلات القطاع، بأمانة أمام مؤتمر الشباب لتغير حاله من النقيض إلى النقيض بشكل كامل، ولاسيما وانها تعلم تمام العلم، أنها تعرض أمر قطاع من أهم قطاعات الدولة، أمام قيادة اختار الطريق الصعب عليه وعلى الشعب، للنهوض بالبلاد.
 
أعتقد أنه قد آن الآوان الآن أن تتخلص مصر من ثقافة "كل تمام" والإطاحة بكل مسئول يتبنى مثل هذه الثقافة، خاصة وأن المرحلة لا تحتمل، ولم يعد أمامنا وقت للكذب أو التجمل على حساب الصالح العام.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق