حكومة مصطفى مدبولي.. مؤشرات ودلالات

الجمعة، 08 يونيو 2018 03:24 م
حكومة مصطفى مدبولي.. مؤشرات ودلالات
حازم حسين يكتب:

48 ساعة أو أقل بين تقدُّم المهندس شريف إسماعيل باستقالة حكومته، وتكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة، وهي دلالة مباشرة على قناعة القيادة السياسية بحكومة إسماعيل وبرامجها وآليات عملها، ومؤشر قوي على طبيعة المرحلة المقبلة من العمل التنفيذي وخطط وخطوات الحكومة في الولاية الرئاسية الثانية.
 
بعد سنتين وتسعة شهور تقريبا رئيسا للوزراء، وقبلها سنتان وشهران وزيرا للبترول، أصبح شريف إسماعيل خارج الحكومة، وهو ما قد يراه البعض مؤشرا على عدم رضا القيادة السياسية عن أدائه، لكن على العكس من هذا التفسير البسيط لا يبدو أن لدى الرئيس ملاحظات سلبية على شخص إسماعيل وحكومته، وما سجله من شهادة بحقه في أكثر من موقف يؤكد تقديره لرئيس حكومته السابق، وما بذل من جهد وتحمل من أعباء طوال الشهور الثلاثة والثلاثين التي قضاها في المنصب، ما يعني أنه لا سبب لخروج شريف إسماعيل من الحكومة إلا المحبة والتقدير، وتلبية الرئيس لرغبة الرجل في الراحة، والدلالة القوية على هذا أننا بصدد هيكل حكومي جديد، لكنه يحمل شيئا من روح شريف إسماعيل.
 
للوهلة الأولى لا تبدو خلافة مصطفى مدبولي لشريف إسماعيل في موقع الوزير الأول قفزة بين حكومتين بالمعنى المباشر، هما بالطبع حكومتان بهيكلين وخطتين وتكليفات مختلفة نوعا ما من القيادة السياسية، ولكنهما في كثير من التفاصيل الظاهرة والمضمرة أقرب إلى الحكومة الواحدة، الديناميكية والمتطورة مع الظروف والتحديات، خاصة في ظل فلسفة واحدة لن تتغير في الغالب.
 
الفلسفة التي قامت عليها حكومة المهندس شريف إسماعيل فلسفة إصلاحية، تُقدّم ضبط الاختلالات الهيكلية في الجسد التنفيذي، وبنية الاقتصاد، وخريطة الأداء المالي للدولة، على المشاعر والتقييمات وحسابات القبول والشعبية، لهذا فإنها استندت في بنائها على العامل الفني لا الاجتماعي الإعلامي، باختيار وزراء تكنوقراط وغياب الوزراء السياسيين عن قائمة أعضائها، وهي الفلسفة المرجح أن تستمر مع حكومة الدكتور مصطفى مدبولي.
 
اتكاء مدبولي في بناء حكومته المنتظَرة على معيار الفنية والتخصص العملي المباشر، يحمل ضمن ما يحمله من مؤشرات أننا بصدد استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته حكومة شريف إسماعيل، وفق المراحل والخطوات التي توافقت عليها الحكومة السابقة مع القيادة السياسية، بغرض ضبط منظومة الدعم وفاتورة الرعاية الاجتماعية، وتجفيف منابع الإهدار في الموازنة العامة، واستهداف الفقراء والفئات الأَولى بالرعاية بشكل مباشر، مع تحميل القادرين تكلفة السلع والخدمات التي يحصلون عليها من الدولة، بجانب العمل على استعادة السياحة، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتوسع في المشروعات العمرانية لكل الشرائح الاجتماعية، لتحسين الأداء المالي، وتقليل عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وتوليد مزيد من فرص للعمل.
 
المؤشر الأهم في التكليف الثالث منذ تولي السيسي المسؤولية، أن الرئيس يفضل العمل مع التكنوقراط والمسؤولين الفنيين، الذين يجيدون الحركة في مجالاتهم ويعرفون ما يقولونه تماما ويملكون المعلومات طوال الوقت، وأن رؤية القيادة للحال الراهنة أن ضرورة الإصلاح تفرض نفسها، وأن المشكلات الموروثة والمتراكمة لا تحتمل التأجيل، لهذا لا رفاهية في الاختيار ولا فوائض في الوقت، ولا متسع الآن على الأقل للوزراء السياسيين ومناوراتهم وخطاباتهم المناورة التي لا تصيب أهدافها مباشرة، إيقاع العمل الآن يفرض الوصول للأهداف من أقصر الطرق، واعتماد المصارحة والشفافية عنوانا لعلاقة الدولة بالمواطنين، في إطار شراكة حقيقية وجادة في الأعباء والتطلعات، وتحمل مشترك لفاتورة الخروج من الأزمة وإعادة بناء الوطن.. هكذا اختار الرئيس المهندس إبراهيم محلب لتشكيل أولى حكومات ولايته الأولى، ثم اختار شريف إسماعيل من حكومة محلب، ثم مصطفى مدبولي من حكومة شريف إسماعيل، وستظل هذه النظرة الفنية والعملية هي الحاكمة لاختيار الوزراء، وبالضرورة الحاكمة لأداء الحكومة.
 
كان مصطفى مدبولي قد قضى 3 شهور تقريبا على مقعد شريف إسماعيل، عندما تولى تسيير أعمال رئيس الحكومة لحين عودته من رحلة العلاج والنقاهة بين نوفمبر 2017 ويناير 2018، وبالتأكيد أصبح الرجل أكثر دراية بتعقيدات المنصب التنفيذي الأول ومهامه وملفاته، وأكثر خبرة بدولاب العمل الحكومي وآليات العمل مع ثلاثين وزيرا أو أكثر، وهو الأمر الذي كان له أثر كبير ودور مباشر في اختياره لتشكيل الحكومة الجديدة، أولا لأن الرجل أجاد في أدائه خلال تلك الفترة، وثانيا لأن فلسفة الرئيس وانحيازاته للبُعد الفني والتخصص في الاختيار، بالتأكيد تُقدّر الخبرة وتعلم أن التكنوقراط تزداد قيمتهم بمرور الوقت والجهد والاشتباك مع الملفات، وبجانب هذين السببين، فإن رئيس الحكومة المكلف يأتي من خلفية عملية يراهن عليها الرئيس، الذي وجه كثيرا من طاقة الحكومة لجهود البناء والتعمير والتحديث، فكان قائد أولى حكوماته إبراهيم محلب صاحب الخبرة العريضة في قطاع الإنشاءات، ووزير الإسكان التكنوقراط في حكومة الببلاوي التي غلب على تشكيلها السياسيون، وهو ما ينطبق على مصطفى مدبولي بخبراته الإنشائية الواسعة ومناصبه الأكاديمية والعملية في قطاع البناء وتخطيط المدن والخدمات الاستشارية للمشروعات العقارية، وبينهما كانت حكومة شريف إسماعيل الفني المتخصص في قطاع البترول، وهي الفترة التي شهدت اهتماما وتوسعا في منح امتيازات البحث والاستكشاف في قطاعي البترول والغاز الطبيعي، وأسفرت عن اكتشاف حقل ظهر وعدد آخر من الاستكشافات، والحكومات الثلاثة تؤكد غلبة النظرة التنموية على توجه القيادة السياسية، بين اكتشاف الثروات واستغلالها بشكل فعال ورشيد، وتطوير المدن وبناء مزيد منها، وما ينطوي عليه هذا من تحسين جودة الحياة ومؤشرات الاقتصاد وتحقيق قفزات ملموسة في النمو ومستوى الخدمات.
 
إذا أمكننا اعتبار تكليف الرئيس للدكتور مصطفى مدبولي دلالة قوية على تقديره للمهندس شريف إسماعيل وقناعته به وبأداء حكومته طوال الشهور الماضية، فإن هذا التكليف نفسه يصلح أن يكون مؤشرا قويا على أن كثيرين من وزراء الحكومة المستقيلة سيحتفظون بحقائبهم، في ظل أداء فني متخصص ومتجرد من أي اعتبار، ونجاحات عملية ملموسة في الملفات الموكلة إليهم، ولعل المجموعة الاقتصادية تحتفظ بنصيب الأسد في نسبة بقاء وزرائها، بجانب المجموعة السيادية، وبعض الحقائب الخدمية، وربما تقترب نسبة بقاء وزراء شريف إسماعيل في حكومة مصطفى مدبولي لـ50% من الهيكل العام للحكومة، مع خروج عدد من الوزراء في حقائب خدمية واقتصادية لم يحققوا الإنجاز المطلوب، وأحاط الارتباك بأداء بعضهم، أو أثيرت ملاحظات حول أداء وعلاقات بعضهم، أو ضبطت الجهات والأجهزة الرقابية قضايا فساد في دوائر مكاتبهم والمستويات التنفيذية العليا بوزاراتهم.
 
الحقيقة التي يعرفها المطلعون والمراقبون للحكومة وعلاقتها بالقيادة السياسية، أن العمل مع الرئيس السيسي ليس نزهة تنفيذية، فالرجل يحيط بكل الملفات أولا بأول، يتابع كل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، ويسأل عن كل شيء ويوجه في كل ناحية، وإذا كان قد قرر بعد هذه الشهور الطويلة اختيار مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة، فهذا الاختيار شهادة مهمة ودلالة قاطعة على أننا بصدد رئيس حكومة كفء، وصاحب رؤية، ويملك أفكارا وحلولا، فضلا عن أنه يتمتع بلياقة ودأب ساعداه على أن يواكب تحركات الرئيس المكوكية الدائمة، بل ويقنعه بأنه على قدر المرحلة وقادر على ضبط إيقاع العمل في أعلى مستوياته تسارعا وسباقا للوقت، ما يعني بصورة مباشرة وفيما يخص الناس أننا قد نكون بصدد معدلات إنجاز أعلى في المشروعات القائمة، ومزيد من المشروعات الجديدة، مع التركيز على التوسعات العمرانية وتخطيط المدن والمشروعات العقارية الكبرى.
 
كان المهندس شريف إسماعيل مقاتلا، تحمل ظروفا عملية. صحية في غاية الضغط والصعوبة، وحقق معدلات إنجاز ملموسة على أصعدة ومستويات عدة، وقفزات مالية وتنموية مهمة وحافزة لاستكمال المسيرة بروح إيجابية وتطلعات أكثر تفاؤلا، وخلال هذه الرحلة التنفيذية لم يقصر أو يتأخر رغم ضغط المرض، ولم يضعف أو يهتز رغم ضغوط العمل وتعدد الملفات، والرئيس الذي اختبر هذا الرجل واعتمد عليه وأولاه ثقته، لا يمكن أن يكون خياره التالي لشريف إسماعيل أقل منه كفاءة أو عزيمة وصلابة، أي أن مصطفى مدبولي مقاتل من الطراز نفسه، والحكومة على موعد مع دورة قتالية جديدة.
 
يستحق شريف إسماعيل كل الشكر والتقدير، وربما الغبطة على الطاقة التي منحها الله له، والصلابة التي لا تتأتّى إلا لأُولي العزم من البشر، والثبات والإنجاز حتى اللحظة الأخيرة بيقين من يعبد الله كأنه يراه، وإذا كان اختيار أحد وزرائه المقربين دليلا على تقدير القيادة السياسية لتجربة شريف إسماعيل، فإنه مؤشر على أننا أمام رئيس وزراء جديد من الطراز نفسه، وهذه بشارة مهمة بأداء تنفيذي جاد ورشيد، وبالتأكيد بمستقبل أفضل لمصر والمصريين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق