ثقافة وحضارة واقتصاد.. مبادرة لإدراج حانات ومقاهي القاهرة بقائمة التراث العالمي

السبت، 09 يونيو 2018 10:00 م
ثقافة وحضارة واقتصاد.. مبادرة لإدراج حانات ومقاهي القاهرة بقائمة التراث العالمي
مقهى الفيشاوي
وجدي الكومى

 

الثقافة مصدر دخل، هذه حقيقة قاطعة، وفي الوقت الذي تعتزم فيه جمعية فرنسية إدراج مقاهي باريس العتيقة على قائمة التراث العالمي غير المادي، يُثار الأمر نفسه بشأن مقاهي وحانات مصر، التي بجانب كونها تراثا وحضارة، يمكن أن تكون موضوعا اقتصاديا وبابا مهما للدخل.

الخطوة الفرنسية تبنتها جمعية أهلية، أعلنت أنها بصدد إيداع الملف لدى وزارة الثقافة الفرنسية، المخولة بتقديم الترشيحات إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، أزالت مصر فندقا مهما من الفنادق التي تأسست في الحقبة الخديوية، وهو فندق «الكونتيننتال» بميدان الأوبرا.

يقول الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية: تعتزم جمعية فرنسية تقديم ملف ترشيح لإدراج حانات باريس أو بيسترو ومقاهيها المميزة على قائمة التراث العالمي غير المادي، في سبتمبر المقبل.

والقائمة تعدها اليونسكو من أجل «حماية هذه الأماكن العائلية التي تزخر بثقافة شعبية فعلية». وسيتم رفع الملف إلى وزارة الثقافة الفرنسية المكلفة تقديم الترشيحات إلى منظمة اليونسكو. وتحظى هذه المبادرة بدعم من ممثلين سينمائيين كبار بينهم بيار أرديتي وجانبيار داروسان ويولاند مورو.

وتسعى جمعية «إدراج حانات باريس ومقاهيها على قائمة التراث العالمي غير المادي لليونسكو» إلى أن «ترفع الوعي في فرنسا والخارج حول مساهمة الحانات والمقاهي في العيش المشترك وامتزاج الثقافات ودورها في المزج الثقافي والفني».

 

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

ونوهت الجمعية إلى أنه وإثر اعتداءات الثالث عشر من نوفمبر 2015 التي خلفت 130 قتيلا «توافد سكان باريس على المقاهي وشرفاتها الخارجية  ليؤكدوا أنهم يعتبرونها رمزا لنمط عيشهم والاختلاط والحريات». وترى الجمعية أن «تقليد الحانات (بيسترو) الشعبي في خطر بسبب الإيجارات المرتفعة جدا والضغوط من المجموعات الكبرى».

وفي مصر تعرضت مناطق أثرية مهمة لاعتداءات إرهابية، وتم ترميمها، ومنها متحف الفن الإسلامي بباب الخلق، لكن لا يتم الالتفات إلى المناطق الخاصة، والمقاهي التي باتت جزءا من التراث المصري، بحكم تاريخية الشخصيات التي ترددت عليها، ومنها مثلا مقهى ريش في وسط البلد، ومقهى الفيشاوي، بمنطقة الحسين، ومقهى متاتيا، الذي لم يعد له وجودا، وكان جمال الدين الأفغاني يعقد به جلسات ومناقشات مع جمهوره.

وعلى غرار مشروع «عاش هنا» الذي أطلقه جهاز التنسيق الحضاري، يمكن لوزارة الثقافة وجهاز التنسيق الحضاري أن يقدم مبادرة لتوثيق مقاهي التراثية، وتقديمها لليونيسكو لوضعها على قائمة التراث العالمي غير المادي.

تقول الدكتورة سامية محرز أستاذة الأدب المعاصر، والناقدة والباحثة الأدبية، رئيس مركز دراسات الترجمة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، في كتابها «أطلس القاهرة الأدبي» أن لكل مدينة معالمها الخاصة المميزة، ولكل واحد من هذه المعالم دلالاته التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية والرمزية التي يكتسي بها.

تتخذ الناقدة سامية محرز من السطور السابقة مدخلا لفصلها الذي عنونته «فضاءات عامة» في كتابها «الأطلس الأدبي للقاهرة»، وتدلل على التمثيل الأدبي لعلاقات المدينة خلال القرن العشرين، بمقاهي القاهرة، ووظيفتها الرمزية بالنسبة لكتاب المدينة، تقول سامية محرز: مقاهي نجيب محفوظ التقيدية التي توفر موضعا للحوار الاجتماعي والتكامل عبر طبقاته المختلفة، تتنافس مع المقاهي التي تنبض بتاريخ المدينة الثقافي والسياسي، ومن هنا فإن الوظيفة الاجتماعية للمقهى التقليدي مثل مقهى زهرة في رواية خان الخليلي لمحفوظ تتعايش مع مقهى ريش، ومقهى زهرة البستان، وبار الشيخ علي حيث يعيد كل منها تعريف الوظيفة الاجتماعية التقليدية لثقافة المقهى، ويوسعها.

والسطور السابقة تدلل على أهمية إدراج مقاهي مصر «ولنبدأ بالقاهرة والإسكندرية» ضمن قائمة التراث العالمي، لما لها من أهمية ووظيفة رمزية فهي تنبض بتاريخ المدينتين الاجتماعي والثقافي والسياسي.


نجيب محفوظ يشتري كتبا من بائع على المقهى

نجيب محفوظ يشتري كتبا من بائع على المقهى
 

في كتابه «المقاهي في تاريخ الأدب»، يذهب صلاح محمد عبد الحميد، إلى أن المقاهي كانت قيمتها في روادها، وكان مقهى الفيشاوي يشبه سوق عكاظ، وكانت الكتب تتناثر على مناضدها مع أكواب الشاي، أو فناجين القهوة، وكان من رواد المقاهي قديما الحكواتية الذين كانوا يحكون الحكايات التي تتناسب مع زمانهم.

وأغلب المقاهي التي كتب محفوظ فيها أعماله، أو اشتهرت في أعماله، تعاني بشكل أو بآخر، وعليه من الأجدى لمحافظة القاهرة أن تتبنى مشروعا يرد الاعتبار لهذه المقاهى التي مر بها نجيب محفوظ وجلس وكتب عنها، ومنها مقهى على بابا في ميدان التحرير، الذي اشتهر بإجراء محفوظ  حواراته فيه بعد فوزه بنوبل، وكذلك من المقاهى التي كان يتردد عليها محفوظ، مقهى خان الخليلي، الواقع في درب البادستان بحي خان الخليلي والذي تحول اسمه ليحمل اسم مقهى «نجيب محفوظ»، ومقهى قشتمر، الذي حمل اسمه إحدى أعمال نجيب محفوظ الروائية، وهو المقهى الواقع في حى الظاهر، بالقرب من جامع الظاهر.

يقول نجيب محفوظ في مستهل روايته «قشتمر»: «وتتغير المصائر وتتفاوت الحظوظ ولكن تظل العباسية حينا وقشتمر مقهانا" وفي أركانه تسجلت أصواتنا مخلدة البسمات والدموع وخفقات لا حصر لها من قلب مصر».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق