لماذا لا نحصل على رواتب من فيسبوك؟.. «مارك» يضع المنصة الأشهر في محنة عالمية جديدة

الخميس، 05 يوليو 2018 02:00 م
لماذا لا نحصل على رواتب من فيسبوك؟.. «مارك» يضع المنصة الأشهر في محنة عالمية جديدة
شعار موقع فيسبوك
كتب- حازم حسين

إذا كنت صحفيا فأنت بالضرورة تتقاضى أجرا من جهة عملك لقاء المادة الصحفية التي تستغلها هذه الجهة، ولكن إن كانت هناك جهة تستغل هذه المواد دون مقابل، بينما تعتبر نفسها منصة صحفية، فأنت أمام سرقة واضحة وحقوق مُهدرة.

هذه الحالة التقليدية قد لا يبدو أنه من الطبيعي سحبها على المنصات التكنولوجية الحديثة، التي تعامل معها المستخدمون منذ اللحظة الأولى باعتبارها وسائل اتصال وليس منصات صحفية، ولكن ماذا لو كانت بعض هذه المنصات تعتبر نفسها منصات نشر بالأساس؟

في وقت سابق مرت شركة «فيسبوك»، عملاق التواصل الاجتماعي الأشهر عالميا، بأزمة كبيرة في ضوء تسريب بيانات عدد كبير من العملاء لشركة «كامبريدج أنالتيكا»، وهو ما اعترفت به الشركة لاحقا، وأكدت في بيانات رسمية أن ثغرات عديدة في نظامها سمحت بوصول بعض الجهات لمعلومات غير مخوّل لها الوصول إليها.

الفضيحة التي هزت شركة «فيسبوك» ماليا وإعلاميا، وكبّدتها خسائر فادحة تجاوزت 40 مليار دولار في بعض التقديرات، قادت مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها مارك زوكربيرج للمثول أمام جلسات استماع للكونجرس الأمريكي، وبدا أن الأمر يتجه ناحية اتخاذ موقف حاد تجاه الشركة، وربما يصل إلى صدور قرارات من الجهات الرسمية الأمريكية بتقسيمها، كما حدث في وقت سابق مع شركة مايكروسوفت وعدد من الشركات الكبرى التي تورطت في ممارسات احتكارية أو تجاوزات للقانون وضوابط الخصوصية وتداول المعلومات.

رغم هذه المنعطفات الحادة، فإن التحول الحاد في هذه القضية الكبيرة لم يظهر إلا مؤخرا، مع تنصل «فيسبوك»، من كونه شركة تكنولوجية ومنصة تواصل تقدم خدمات تقنية ومعلوماتية، وادعائه أنه منصة نشر تقدم خدمات صحفية، وما يضفي على الملف بُعدا آخر، ويثير أسئلة عديدة فيما يخص المسؤولية المعنوية والقانونية لإدارة الشركة عن المحتوى، وحقوق منشئي المحتوى الذي تستغله هذه المنصة.

التنصل الرسمي للشركة جاء على لسان هيئة الدفاع عن المنصة الشهيرة في مرافعة أمام إحدى المحاكم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، إذ قال المحامون إن شركتهم ليست شركة تكنولوجيا وخدمات رقمية ومعلوماتية، وإنما هي منصة نشر تُشبه الصحف التقليدية.

الحديث الغريب والمفاجئ عن التوصيف القانوني لـ «فيسبوك»، نقلته صحيفة «تايمز» البريطانية في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني اليوم الخميس، مشيرة إلى أن التبرير الذي ساقه المحامون للدفاع عن موقف المنصة العالمية، يمثل انعطافا حادا في مسار القضايا والأزمات التي يواجهها «فيسبوك»، خاصة بعد شهور طويلة من إصراره على أنه شركة تكنولوجيا، فيما يبدو أنه محاولة لتغيير نظرة المشرعين والقضاة للشركة، والتعامل معها وفق القوانين المنظمة للصحافة والنشر، بما تكفله من حقوق واسعة وحريات مفتوحة لتداول المعلومات.

المدهش أن موقف المحامين المدافعين عن «فيسبوك» يتصادم مع موقف مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرج، الذي قال في مثوله أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خلال أبريل الماضي، على خلفية فضيحة «كامبريدج أنالتيكا»، إن منصته شركة تكنولوجية بالطبع وأول ما تعمل عليه هو بناء التكنولوجيا ومنتجاتها، وذلك تعقيبا على سؤال لعضو مجلس الشبوخ عن ولاية ألاسكا، دان سوليفان، حول هوية «فيسبوك»، وما إذا كان شركة تكنولوجيا أو منصة نشر، للنظر في اللوائح والإجراءات التي ستخضع لها الشركة.

على صعيد النظرة القانونية، فإن القوانين القائمة في الولايات المتحدة أو بريطانيا لا تتعامل مع «فيسبوك»، ومنصات التواصل الاجتماعي الشبيهة باعتبارها جهات نشر، وإنما شركات تكنولوجيا ومنصات محايدة، وهو ما يُجنّبهم المسؤولية القانونية عن المحتوى المُجرّم بموجب القانون، ووثقتها هدد سياسيون ومُشرّعون بتعديل القوانين القائمة حال استمرار شركات التكنولوجيا الكبيرة في ممارساتها وعدم اتخاذ خطوات جادة وفعالة لتنظيم أمورها وضبط صيغ العمل داخلها.

الموقف القانوني الذي يُبرئ ساحة منصات التواصل، وادعاءات "زوكربيرج" الرامية لاستغلال مزايا القوانين الأمريكية في التعامل مع شركات التكنولوجيا، جرى التخلي عنها مؤخرا من جانب فريق الدفاع عن "فيس بوك"، مع الاصطدام باتهام جديد موجه لمؤسسة الشركة ومديرها التنفيذي بتطوير برمجيات ومخططات خبيثة، تستهدف خداع المستخدمين والوصول لمعلوماتهم بطرق غير مشروعة، وتوظيفها في إطار تجاري وإعلاني، وهو الاتهام الذي دفع الشركة للارتداد خطوة للوراء وادعاء أنها "منصة نشر" سعيا للاستفادة مما توفره قوانين الصحافة من صيانة لحقوق الناشرين وحرية لتداول المعلومات.

ضمن تفاصيل أحدث المراوغات القانونية من جانب "فيس بوك"، قالت سونال ميهتا، إحدى محاميات الشركة، إن قراراتهم فيما يخص حرية الوصول للمعلومات وبيانات المستخدمية تمثل "الوظيفة المثالية للناشر" مشددة على وجوب حماية هذه الوظيفة بموجب القانون، وتمادت في تأكيد حقوق الشركة في هذا الإطار بمقارنتها بالصحف ومؤسسات النشر التقليدية، وبأن الأمر يتعلق بحرية التعبير أيا كانت التقنيات المستخدمة في نشر هذا المحتوى.

ربما يوفر المدخل الجديد للتعامل مع الأمر فرصة لـ"فيس بوك" ورجلها الأول مارك زوكربيرج، للهروب من تبعات فضائح تسريب بيانات المستخدمين والمسؤولية عن المحتوى في آن، بادعاء أنهم شركة تكنولوجيا حينما يُثار الحديث عن المسؤولية القانونية عن المحتوى، وأنهم منصة نشر عندما يُثار الأمر عن التداول غير القانوني للمعلومات والبيانات، لكن تظل في المسلكين اللذين يهرب إليهما الموقف ملاحظات وأسئلة أخرى أكثر أهمية.

إذا كانت "فيس بوك" شركة تكنولوجيا كما قال مارك زوكربيرج، فإنها متورطة في انتهاك سياسات الخصوصية، وتسريب معلومات المستخدمين وبيعها في إطار غير قانوني، أما إذا كانت منصة نشر تشبه الإعلام التقليدي كما قال محاموها أمام المحكمة، فإنها مسؤولة مسؤولية مباشرة عما تبثّه من محتوى، وبعضه ينتهك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، ويوفر دعما معنويا للإرهاب والخارجين على القانون، واستغلالا جنسيا للأطفال، وتجارة غير مشروعة، وازدراء للأديان وحضًّا على الكراهية والعنف، وعشرات الملاحظات والتجاوزات والجرائم، والأهم أنها تستغل محتوى إعلاميا ينتجه مئات الملايين حول العالم، ولا تدفع حقوقا عن هذا المحتوى.

صيغة شركة التكنولوجيا تجعل "فيس بوك" طرفا محايدا يوفر مساحة لنشر المحتوى الشخصي والتفاعل معه، وفي الخلفية يُحقق أرباحا من هذا النشاط بينما يُقدم خدمة للمستخدمين، أما صيغة منصة النشر الصحفية فإنها تضع الشركة في موقع المستغل التجاري للمحتوى، ويربط أرباحها بهذا الاستغلال التجاري لمواد ينتجها ملايين البشر، ما يُرتّب حقوقا لكل هؤلاء المستخدمين على الشركة.. فهل نرى قريبا قضايا تختصم اللص مارك زوكربيرج، سارق حقوق منشئي المحتوى حول العالم، بعد أن تهدأ قضية الجاسوس مارك زوكربيرج الذي يتلصص على مستخدمي موقعه ويبيع بياناتهم؟.. ربما، كل الاحتمالات وارداة، وأزمة "فيس بوك" الحالية ليست آخر الأزمات بالتأكيد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق