داعش يتسلل لتونس تحت «شاشية» الغنوشي.. مؤشرات جديدة على علاقة النهضة بالإرهاب

الأحد، 08 يوليو 2018 04:00 م
داعش يتسلل لتونس تحت «شاشية» الغنوشي.. مؤشرات جديدة على علاقة النهضة بالإرهاب
راشد الغنوشي وأمير قطر ومقاتلين من داعش
حازم حسين

قد ينظر البعض لحركة النهضة (الفرع التونسي لجماعة الإخوان الإرهابية) باعتبارها فصيلا متطورا فكريا وحركيا على باقي فروع الجماعة الإرهابية، لكن النظر العميق لخريطة الحركة ربما ينسف هذا التصور.

منذ تأسيس حسن البنا جماعة الإخوان في مصر، خلال العام 1928، ارتكز في صياغة هياكل الجماعة وأبنيتها على مركزية الفكرة والإدارة، وأن يدين الجميع بالولاء لمكتب الإرشاد وشخص المرشد، وهو الأمر الذي انسحب على التنظيم حتى الآن.

في السنوات الأولى للجماعة كانت الفروع المنتشرة في المحافظات المصرية تختلف وتتمايز وفق طبيعة كل محافظة، ومستواها الاجتماعي والاقتصادي، لكنها ظلت جميعا على ولائها للفكرة التي صاغها البنا، وللقيادة المركزية التي أمسك في يده، وورثها تابعوه في منصب الإرشاد.

هذا بالضبط ما ينطبق على الفروع التي تأسست لاحقا خارج مصر، بدأت من اليمن وتوسعت في أرجاء المنطقة العربية، وبعض الدول الأوروبية، وانطبعت كل منها بطابع البلد والثقافة التي نشأتها فيها، لكنها ظلت على عهد الفروع جميعا مع الجماعة، أطراف تولّي وجوهها شطر قبلة المركز، وهيكل يبدو مستقلا إداريا وتنظيميا، لكنه تابع بشكل مباشر وكامل لمكتب الإرشاد.

وفي هذه الطبيعة التنظيمة لا يمكن الانطلاق في النظر لفروع الإخوان من فكرة الاستقلالية أو انفصال الأجنحة عن الجسد والمركز، وبطبيعة الحال فإن هذا الارتباط والتوحد العضوي يُوحّد السياسات والمواقف، وإذا سمحت أدبيات الإخوان في مصر بانتهاج العنف والإرهاب مسارا للصراع السياسي، فهذا يُعني أن مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي يُقرّان هذا الأمر، وأن الأجنحة والفروع تقبله.

هكذا لا يمكن النظر لتحالف إخوان مصر مع الجماعة الإسلامية والعناصر الإرهابية المتورطة في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وغيرها من التيارات المتطرفة، ثم تطور الأمر لتشكيل فصائل وأجنحة مسلحة من داخل الجماعة، باعتباره تحوّرا في الفكرة الإخوانية بسياقها المصري فقط، فالأمر نفسه حدث مع إخوان سوريا، وإخوان اليمن وسوريا والعراق والأردن وفلسطين (حماس)، ولم تخل ساحة من الساحات التي تنشط فيها الجماعة من تحالفات مباشرة مع تيارات إرهابية عتيدة، أو تورط مباشر في ممارسة الإرهاب.

إذا سلّمنا بتمايز بعض أجنحة الإخوان على بعض، فإن القانون العام الحاكم للجماعة يجبرنا على التسليم أيضا بوحدة الفكرة والهدف، وهنا يصبح الاختلاف بين الأجنحة في آليات اللعب وطرق إنجاز الأهداف، وقد يكون إرهاب إخوان مصر أو سوريا، معادلا مساويا بالضبط لابتسامة راشد الغنوشي المعلنة وتحالفاته المخفية.

في مايو الماضي، تقدم الحزب الدستوري الحر في تونس بشكوى جزائية للنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في البلاد، ضد حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، اتهم فيها الحركة بالتورط في تسهيل عبور الشباب للأراضي التونسية والسفر لجبهات الصراع والتوتر في المنطقة، سواء في لبيبا أو سوريا أو اليمن، وهي الشكوى التي أحالتها النيابة للجهات القضائية المختصة بمكافحة الإرهاب في 16 من الشهر نفسه، بموجب القانون التونسي لمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.

وقتها قال الحزب في بيان أصدره عن الشكوى إنه اختصم زعيم الحركة راشد الغنوشي، ورئيسي الحكومة السابقين علي العريض وحمادي الجبالي، وعضو المجلس التأسيسي الحبيب اللوز، إضافة إلى اختصام "النهضة" في شخص الممثل القانوني للحركة، وكل من ستكشف عنه عمليات البحث، مشيرا إلى صدور إذن بفتح التحقيق في الأمر من خلال الوحدة الوطنية لأبحاث جرائم الإرهاب في ثكنة الحرس الوطني بـ"العوينة".

في الشهر نفسه تواترت إشارات عديدة على علاقات مريبة تجمع حركة النهضة ببعض بؤر التوتر وداعميها المباشرين، إذ ترددت معلومات عبر تقارير صحفية عن دخول مئات المقاتلين التونسيين للأراضي السورية، وأنهم حصلوا على تسهيلات كبيرة في سفرهم، وأشارت المعلومات المتاحة أنهم عبروا الحدود التركية إلى سوريا، بتسهيل لوجستي من النظام التركي، ودعم مالي من حكومة قطر.

بالتزامن مع هذه المعلومات زار سفير قطر في تونس، سعد بن ناصر الحميدي، زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، تحت ستار تهنئة الحركة بالفوز في الانتخابات البلدية التي جرت في وقت سابق، بينما رأى كثيرون من المتابعين أن الزيارة تأكيد للعلاقات التي تجمع إمارة الإرهاب بالتنظيم الدولي للإخوان.

الملفت في الزيارة ليس أنها لسفير الدولة الأكثر دعما لجماعة الإخوان، واحتضانا لقيادات الجماعة الهاربين من مصر، وتمويلا لعناصرها وقنواتها ومقاتليها في مصر وسوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها، ولكن أنها جاءت في وقت تتواصل فيه نجاحات الجيش العربي السوري في حصار الميليشيات الإرهابية، وتتكشّف فيه معلومات حول أعداد الشباب التونسيين النشطين في صفوف داعش وغيره من التيارات المتطرفة في الأراضي السورية، كما أنها جاءت تحت ستار التهنئة بنتائج الانتخابات، بينما لم تشمل حزب "حركة نداء تونس" الذي حقق فوزا كبيرا أيضا في الانتخابات، لكنه حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي لا يدعم الإرهاب بالتأكيد، إضافة إلى أنه يأخذ موقفا واضحا من الأنشطة المريبة للتيارات الدينية تحت ستار الدين.

خلال اللقاء المشبوه بين راشد الغنوشي وسفير قطر، قال زعيم حركة النهضة إن لقاءه بالسفير حضره رفيق عبد السلام، مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة، وتناول العلاقات الأخوية بين الجانبين وآفاق تطويرها، وهو معنى غريب فيما يخص الحديث عن علاقات دولة بحركة داخل دولة أخرى، وهو ما كان سببا مباشرا في إثارة الزيارة جدلا داخل تونس، مع اختصاص الدوحة لـ"النهضة" دون باقي الأحزاب بزيارة مقرها الحزبي ولقاء زعيمها.

بحسب ناشطين ووسائل إعلام تونسية تناولت الأمر وقتها، قبل شهرين من الآن، فإن الزيارة جاءت كدليل كاشف لحدود التنسيق الكامل بين الإخوان وقطر، وتأكيد دعم الدوحة للجماعة وفروعها في السيطرة على المشهد السياسي في المنطقة، فقال موقع "نداء تونس" في تعليق على الأمر إن "حركة النهضة لديها علاقات متينة مع قطر، وتلقت منها دعما كبيرا، وامتد الدعم إلى التغطية والمساندة الإعلامية الواسعة عبر شبكة الجزيرة، فضلا عن الدعم المالي المباشر"، وهو ما أكد الموقع أن "الدوحة" تفعله مع الجماعات الإسلامية الأخرى.

مؤخرا تجددت الشبهات تجاه حركة النهضة وتحركاتها على محور دعم الإرهاب، مع تجهيز الحزب الدستوري الحر شكوى جديدة ضد "النهضة" في إطار محاولات "التصدي للتستر على الإرهاب" بحسب ما قاله الحزب.
 
إعلان "الدستوري الحر" جاء خلال تجمع في العاصمة تونس، أمس السبت، أفصح فيه عن اعتزامه التحرك رسميا ضد حركة النهضة، بالاتجاه بشكواه إلى المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، متهما "النهضة" وقياداتها البارزة بدعم الإرهاب.

تحرك الحزب الدستوري الحر الأخير، وحتى التحرك السابق، ولقاء راشد الغنوشي وسفير قطر في تونس، إضافة إلى عشرات التقارير والمعلومات التي تشير إلى ارتفاع نسبة الشباب المنخرطين في صفوف داعش وغيره من الميليشيات المسلحة في عدد من البؤر الساخنة بالمنطقة، ربما تشير إلى أن خطاب حركة النهضة المُعلن، الذي يبدو عليه الاتزان السياسي، لا يختلف كثيرا عن خطاب الإخوان خلال سيطرتهم على الحكم في مصر بين يونيو 2012 ويونيو 2013 قبل أن ينكشف وجه الجماعة الحقيقي عقب ثورة 30 يونيو.

بالتأكيد لا تنفصل حركة النهضة عن استراتيجيات وخطط التنظيم الأم، الذي يعيش في أحضان النظامين القطري والتركي، ويتمتع بدعمهما، ويعمل في خدمة أجندتيهما السياسيتين للمنطقة، وفي ضوء هذا التورط قد لا يكون بوسع "النهضة" الفكاك من التحالف الذي دشّنه التنظيم الدولي، هذا لو افترضنا جدلا أن الحركة قد تكون غير راضية عن هذا التحالف، أو غير مستفيدة منه وداعمة له بشكل مباشر.

المخاوف المتصاعدة في هذا الملف، هي ألا تظل العلاقة بين النهضة والتيارات المتطرفة في مسار واحد، أو في اتجاه الدعم من طرف واحد، فمع تعميق العلاقات والاتصالات ربما يصبح الدعم متبادلا، أو يحن مقاتلو الحزب المنخرطين مع داعش والميليشيات الإسلامية في مناطق الصراع للعودة إلى الوطن، ما يُعني أن داعش قد يتسلل لتونس تحت "شاشيّة"، أو طاقية، راشد الغنوشي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة