السبكي يأكل على موائد قطر

الإثنين، 09 يوليو 2018 07:00 م
السبكي يأكل على موائد قطر
حازم حسين يكتب:

 
هل ينفصل الفن عن ظهيره الاجتماعي والسياسي؟ وهل تتقدم الاعتبارات المادية والتجارية على الاعتبارات الوطنية؟ وهل يقبل منتج فني أن يعرض أفلامه في إسرائيل مثلا؟ هذه الأسئلة وغيرها يثيرها موقف المنتج السينمائي أحمد السبكي الأخير، بعرض أحدث أفلامه "قلب أمه" في إمارة قطر.
 
للفن استقلاله عن السياق السياسي بالتأكيد، لكن هذا الاستقلال يظل محكوما باعتبارات ومواءمات يجب أن يفرضها المنتج على نفسه، حتى لو لم تفرضها عليه الدولة، فالمؤكد أن الدولة لن تمنع منتجا من عرض أفلامه في إسرائيل، أو المشاركة في فعاليات ومهرجانات إسرائيلية، في ضوء تمتع البلدين بعلاقات طبيعية اضطرارية بموجب اتفاقية كامب ديفيد، فما الذي يمنع أحمد السبكي أو غيره من المنتجين من الوجود على شاشات تل أبيب؟ بالتأكيد هي المواءمة والاعتبارات التي يفرضها المنتجون على أنفسهم.
 
إذا كان الحال على هذه الصورة مع إسرائيل، التي لا يمكن نظريا أن يُمنع منتج من عرض أفلامه فيها، فماذا عن قطر التي تخوض صراعا عدائيا مع مصر وعدد من الدول العربية، وتتورط بشكل مباشر في دعم الإرهاب والجماعات المسلحة في سيناء وغيرها، وثبت ضلوعها بالدعم والتمويل في كثير من العمليات الإرهابية التي أسقطت شهداء من الجيش والشرطة والمدنيين على امتداد مصر، وبعض المتورطين فيها أقاموا وتلقوا تدريبات على الأراضي القطرية، إضافة إلى أن المناخ السياسي والدبلوماسي يشهد مقاطعة مصرية رسمية للإمارة منذ يونيو 2017؟!
 
إذا ألزم أحمد السبكي نفسه بالتخلي عن المكاسب المحتملة من السوق الإسرائيلية، مع اهتمام إسرائيل بالمنتج الفني المصري وسعيها لاستقطابه لقاء أي مقابل، في ضوء سعيها لفرض مناخ من التطبيع الثقافي والفني، فلماذا لم يُلزم نفسه بالأمر ذاته مع قطر، التي تحتضن عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، وتجاهر بالعداء لمصر، وتشترك بدناءة في كل التحركات والخطط الساعية للنيل منها، سواء على صعيد الإعلام أو نشاط الجماعات الإرهابية، أو حتى التدخل في ملف سد النهضة ومحاولة التأثير على حكومة أديس أبابا بضخ مزيد من الاستثمارات المباشرة في إثيوبيا، وتوظيف هذه الاستثمارات لإضعاف الموقف المصري في الظهير الأفريقي؟!
 
قبل ست سنوات من الآن، وعلى مدار السنة السوداء التي سيطرت فيها جماعة الإخوان الإرهابية على مقاليد السلطة في مصر، لم يتوقف "آل السبكي" عن التصريح بأنهم الوحيدون الذين لم يبحثوا عن مخبأ خلال حكم الجماعة، ولم يضعوا أموالهم في الخزائن، وواصلوا العمل والمقاومة بالفن، بعيدا عن طبيعة منتجهم أصلا وحدود فنيّته، فهل يعي أحمد السبكي أنه يتراجع الآن عن هذه المقاومة؟ وأنه بعرض فيلمه في قطر يقدم دعما مباشرا لجماعة الإخوان التي كانت وكيلا لقطر في مصر، وتتبنى خطاب الإمارة الصغيرة وحلفائها في أنقرة وطهران ضد الدولة المصرية؟ وهل بعد هذه السنوات فقد أحمد السبكي ظلّه النضالي لصالح عقلية السبكي الإنتاجية الباحثة عن الربح أيا كانت وجهته؟
 
في وقت سابق صرّح أحمد السبكي نفسه بأنه لن يعرض أفلامه في قطر، وأنه سيوجهها لكل الأسواق الخليجية عدا الإمارة الصغيرة، ربما في ضوء رؤية وطنية وتقدير منه لما تكنّه هذه الإمارة من مشاعر سلبية، وما تمارسه من تحركات عدائية ضد مصر، فهل ضاعت هذه الرؤية من عيني السبكي وهو يفتش عن مزيد من المكاسب؟ أم تحولت وجهة نظره وأصبح يرى قطر خصما شريفا، أو عدوا بريئا، وبالتالي فإنه بعرض فيلمه فيها ينحاز لها على حساب الرؤية المصرية؟
 
قد يبرر السبكي الأمر بأنه غير مسؤول عن المحطات الأخيرة التي يصلها الفيلم، وأنه يبيع حقوق التوزيع الخارجي لشركة تصبح هي المسؤول عن تعاقدات الفيلم الإقليمية واختيار جهات عرضه، ولكن هذا الأمر مردود عليه بأن التعاقد مع شركات التوزيع ليس عقد إذعان، ولا وثيقة ثابتة البنود، ويمكن تضمين أي شروط يريدها المنتج فيها، ومنها استثناء بعض الدول في الإقليم من عرض الفيلم، أو بيع حقوق التوزيع لحزمة من الدول دون أخرى، وأن يتجاهل السبكي هذا الأمر فمعناه أنه أقر من البداية عرض الفيلم في قطر، وأنه مسؤول عن هذا العرض مسؤولية مشتركة مع شركة التوزيع.
 
لا يعيب أحمد السبكي أن يبحث عن الربح، هذه طبيعة الإنتاج السينمائي، لكن يعيبه أن يتجاهل العداء القطري لمصر، وتهديدها للمصالح الاستراتيجية العليا للدولة، يعيبه ادعاء مقاومة الإخوان هنا ثم الذهاب إليهم هناك طمعا في الريالات، ويعيبه أن يتجاهل مشاعر سوق تضم 100 مليون مشاهد، تواصل قطر سفالاتها وجرائمها ضدهم طوال الوقت، طمعا في سوق لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة ملايين، لن يذهب 90% منهم لمشاهدة فيلمه، حتى لو كان جيدا.
 
يحتاج أحمد السبكي لمراجعة نفسه، على صعيد انحيازاته الفنية والإنتاجية، ومنطق إدارته للعمل الفني، وعقلية التاجر التي تسيطر على تحركاته، والأهم أن يراجع أداءه ويتدارك ما يشوب خطابه من تناقض، ويقيس الأمور بـ"مازورة" واحدة، حتى لا يجد نفسه متورطا في الترفيه عمّن يكيدون له وللبلد والفن، وكانوا وما زالوا يصطفون في خندق الإخوان الذين سعوا ضمن مساعيهم السوداء لتقويض الساحة الفنية، ولولا إحباط مخططات قطر ربما اضطر آل السبكي للتخلي عن الإنتاج السينمائي والعودة لتجارة اللحوم، لهذا ليس معقولا أن نجد أحمد السبكي الآن يتنكر لكل هذه التفاصيل، ويأكل على موائد قطر!
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق