قمة هلسنكى .. بوتين وترامب علاقات غامضة

الجمعة، 13 يوليو 2018 06:25 م
قمة هلسنكى .. بوتين وترامب علاقات غامضة
د. مغازى البدراوى

يتسم لقاء الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين والأمريكى دونالد ترامب فى هلسنكى الاثنين المقبل، بالغموض الذى يدور حوله جدل كبير، لدرجة أن البعض، خاصة فى واشنطن يشكك فى إمكانية معرفة ما دار من حديث بين الزعيمين فى اللقاء، وأنهما سيخرجان من اللقاء ويقولان للصحفيين أشياء غير التى ناقشوها داخل القاعة المغلقة، هذا بالتحديد ما يشيعه الديمقراطيون فى واشنطن الذين مازالوا يتحدثون عن وجود علاقات خاصة بين بوتين وترامب من قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأن  موسكو ساعدت ترامب فى الفوز فى الانتخابات، وغير ذلك من الحديث الذى لم يتوقف فى واشنطن منذ فوز ترامب بالرئاسة حتى الآن. 
 
اختيار هلسنكى عاصمة فنلندا للقاء القمة الأمريكية الروسية له أسباب ومدلولات كثيرة، رغم ترحيب العديد من الدول لاستضافة اللقاء، فقد  شهدت هلسنكى أشهر لقاءات القمة بين البلدين من قبل، أولهما لقاء الزعيمين االأمريكى جيرالد فورد والسوفييتى ليونيد بريجنيف عام 1975، ولقاء جورج بوش الأب مع ميخائيل جورباتشوف عام  1990، ولقاء الرئيس بيل كلينتون والرئيس بوريس يلتسين عام 1997، هذا بالإضافة إلى أن فنلندا التى كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية فى زمن القياصرة ومنحتها الثورة البلشفية الشيوعية استقلالها عام 1917، تعتبر أرض محايدة لأنها ليست عضوا فى حلف الناتو، وتبعد عن موسكو بالطائرة مسافة ساعة ونصف فقط، ولهذا فهى مريحة للرئيس بوتين المنهك من احتفالات نهائى مونديال 2018 يوم 15 يوليو. 
 
قضايا كثيرة ومتعددة قيل أن لقاء الزعيمان سيناقشها، منها سوريا وأوكرانيا والنشاط العسكرى الأمريكى بمشاركة حلف الناتو فى شرق أوروبا، والتدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، وعودة روسيا لمجموعة الثمانية الكبار، والعلاقات الثنائية بين البلدين بشكل عام، وغير ذلك من القضايا التى تحتاج كل واحدة منها لقمة مستقلة، وقد أكد الرئيس ترامب على بعضها، بينما تحدث مستشاره الأمنى جون بولتون عن البعض الأخر مؤكدا أنه سيناقش فى القمة، وسبب هذا التعدد والتشتت هو أنها القمة الأولى المتكاملة بين الزعيمين اللذين التقيا من قبل مرتين، وهذا اللقاء، يعد أول قمة كاملة بين الزعيمين، حيث عقدا سابقا لقاءين على هامش فعاليات دولية –الأول فى 7 يوليو 2017 خلال قمة مجموعة العشرين فى هامبورغ واستمر أكثر من ساعتين، وقيل أن الرئيس ترامب اقتنع فى هذا اللقاء بعدم تدخل موسكو فى شؤون الولايات المتحدة الداخلية، 
 
وعقد اللقاء الثاني، "على الأقدام" فى 10 نوفمبر 2017، على هامش قمة التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادئ" آبيك" فى فيتنام. واللقاء جرى على عجل وتم خلاله فقط التقاط الصور وتبادل الأمنيات بالتوفيق. وبعد القمة فى فيتنام، تحدث الرئيسان عدة مرات بالهاتف.
 
الرئيس الروسى لم يصرح بأى تصريح حول مواضيع اللقاء فى هلسنكي، بينما أ‘لن الكرملين أن اللقاء مفتوح على كل القضايا والمواضيع، وبدون تحديد، إلا أن الكرملين نفى تماماً ما أشيع من احتمال مناقشة صفقة بين موسكو وواشنطن فى سوريا، وإن كان احتمال عرض الرئيس ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أمر وارد ومتوقع، لكن الجدل حول المقابل الروسى لذلك، حيث يرى البعض أن المقابل هو سعى روسيا لإخراج إيران من سوريا، وهو الأمر الذى نفته موسكو تماماً وقالت أن هذا الأمر ليس محل نقاش مع أية جهة، بينما يرى البعض الأخر أن خروج القوات الأمريكية من سوريا مع السماح للسلطات السورية باستعادة السيطرة على الأراضى فى مناطق الحدود مع الأردن سيكون مقابل ضمانات روسية بعدم ملاحقة دمشق للمسلحين الموجودين هناك والسماح لهم بمغادرة المنطقة بسلام، وهذا أمر وارد ومحتمل مناقشته، خاصة وأن موسكو وواشنطن سبق أن اتفقا على مناطق خفض التوتر والتزما باتفاقهما. 
 
أيا كانت القضايا المحتمل مناقشتها فى قمة هلسنكي، فإن هذه القمة تثير مخاوف كثيرة لدى دوائر عديدة فى الغرب وواشنطن، ويخشى قطاع كبير من الساسة الأمريكيين أن يكون الرئيس ترامب فريسة سهلة لـ"الدب الروسي" صاحب الخبرة والدهاء الاستخباراتى العالي، وقد بعث 16 وزير خارجية سابقين من دول مختلفة، برسالة إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عشية قمته المنتظرة فى هلسنكى مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين. وذكر موقع "بوليتيكو" الالكتروني، أن من بين الموقعين، على هذه الرسالة المفتوحة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ونظيريها البريطانى ديفيد ميليباند والألمانى يوشكا فيشر.   وقالت أولبرايت فى تصريح للصحيفة، إنها نصحت دونالد ترامب بتوخى اليقظة والحذر الشديد خلال المباحثات مع الزعيم الروسي، الذى وصفته أولبرايت بأنه شديد الذكاء وعظيم الانضباط. ودعا أصحاب الرسالة الرئيس الأمريكي، إلى تعزيز "العلاقات المتدهورة" بين أمريكا وحلفائها الغربيين، وحذروا ترامب، من ارتكاب الغلط وتجاهل "الخطر الصادر عن روسيا البوتينية".
 
ويرى موقع "بوليتيكو" أن الرسالة بحد ذاتها، تبيّن بشكل واضح "عمق القلق على جانبى الأطلسي" بسبب سلوك ترامب ومزاجه المتقلب، فهو "ليس فقط يهين الحلفاء الأوروبيين، بل ويسعى لنيل مودة بوتين". تصريحات ترامب قبل لقاء هلسنكى حول القضايا التى ينوى مناقشتها مع الرئيس الروسى بوتين زادت من قلق الغرب عموما من أن الرئيس ترامب سيقدم الكثير من التنازلات للرئيس بوتين، خاصة فى أوكرانيا، حيث رفض ترامب صراحة مناقشة مسألة شبه جزيرة القرم مع الرئيس بوتين، معتبراً أنه لن يصحح أخطاء سلفه أوباما الذى عاد القرم إلى روسيا فى عهده، ومن الواضح أن ترامب يبتعد عن أى قضية ممكن تعكر صفو اللقاء مع الرئيس بوتين، وصرح ترامب أنه يعتبر نظيره الروسى فلاديمير بوتين منافسا لا عدوا، موضحا أن بوتين يمكن أن يصبح صديقا له فيما بعد.
 
وقال ترامب للصحفيين قبل لقاء هلسنكي: "الرئيس بوتين منافس لي. كان لطيفا معى أثناء لقائنا. وأنا كنت كذلك. وآمل بأن نصل إلى اتفاق. إنه يمثل المصالح الروسية وأنا أمثل مصالح بلادى وهذه هى المنافسة وليست مسألة صداقة أو عداء".
 
قمة هلسنكى بين بوتين وترامب، كما قال وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف، "لن تناقش مسائل محدد مسبقاً، بل مفتوحة على كل المواضيع ولا يحكمها أى إطار معين، والرئيسان وحدهما هما اللذان يحددان مواضيع النقاش". 
 
هذا التصريح هو الأكثر واقعية لهذه القمة التى يخشى حلفاء واشنطن فى الغرب أن تكون الطاولة التى سيبيع عليها الرئيس الأمريكى ترامب حلفاء أميركا لروسيا، حيث يسود داخل أروقة حلف الناتو قلقا إزاء احتمال توصل الرئيسين الروسى والأمريكى خلال قمتهما إلى اتفاقات لا تأخذ مصالح الحلف فى الاعتبار، كما يسود فى العاصمة البريطانية قلقاً ملحوظاً إزاء هذه القمة، وكتبت "التايمز" البريطانية تقول "أى اتفاق مفترض بين موسكو وواشنطن هو غير ملائم لمنظمة حلف شمال الأطلسي" وأضافت الصحيفة قائلة: "تعتقد لندن أنه خلال المحادثات، سيتمكن بوتين من إقناع ترامب بعدم المشاركة فى المناورات العسكرية الخريفية للناتو فى النرويج وأنه سيتم الاتفاق على روسية شبه جزيرة القرم وتغيير نظام العقوبات مقابل وقف إطلاق النار فى شرق أوكرانيا".
 
قلق فى الغرب وأوروبا وفى واشنطن يقابله ارتياح فى باقى أرجاء العالم تجاه لقاء القمة الروسى الأمريكى واحتمالات انفراج العلاقات وتحسنها بين البلدين، وتظل علاقة "بوتين وترامب" محل جدل وشكوك لدى البعض .
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق