الرياضة من أجل الرياضة

الجمعة، 20 يوليو 2018 01:55 م
الرياضة من أجل الرياضة

أحيانا ما تراودني أسئلة كأم فيما إذا كنت مقصرة في اختيار رياضة واحدة لأبنائي؟ وهل أخطأت حين جعلتهم يجربون رياضات مختلفة حتى يستقروا على ما يستهويهم ؟ وهل أنا أدللهم عندما أجد أحدهم مرهقا فلا أجبره على التمرين في هذه الحالة أم أنني على صواب ؟ 
 
أتذكر أنني لم استطع يوما أن أرى دموعا في عيني ابنتي وهي تمارس إحدى الرياضات لأنها لا تستهويها ، فما كان مني إلا أن مسحت دموعها واعتذرت للكابتن ، وعندما تحدثت معها تفهمت أسبابها واتفقنا على ألا نعود وأن نبدأ في تجربة رياضة جديدة ، ثم تناولنا الآيس كريم معا بمنتهى البساطة .
يؤثر في نفسيتي كثيرا أن أرى أحد الأطفال ممتعضا أو باكيا من الإرهاق أو عدم الشعور بشغف تجاه هذه الرياضة أو تلك دون استماع أو تفهم من الأهل الغاضبين والغاصبين ، ولا أفهم كيف لأم أن ترغم طفلا بهذه القسوة على ما يؤذيه نفسيا ، ولماذا لا تحاول معه في رياضة أخرى حتى يستقر على ما يناسبه ؟
 
هل إنجاب طفل يعني امتلاكه وتوجيهه حسب رغباتنا؟ وهل هو مسؤول عن تحقيق أحلامنا نحن ؟ بالطبع لا فالإنسان منذ الطفولة كيان حر في اختياراته مادامت غير مؤذية أو مضرة ، ومن الضروري والمفيد تشجيع الطفل على حرية الاختيار واتخاذ القرار،  وإذا كانت ممارسة الرياضة مهمة فمن المهم أيضا مراعاة نفسية الطفل وإعطاؤه خيارات متنوعة حتى يستقر على مايشعر تجاهه بشغف ، فهناك حكمة تقول (حيثما ذهبت فاذهب بكل قلبك ) فاتركوه يذهب بقلبه ورغبته وحينها سينبغ بشكل تلقائي .
 
بما أن البشر مختلفون في المواهب والقدرات فليس بالضرورة أن يصبح الجميع أبطالا رياضيين فقد يمارس البعض الرياضة من أجل الرياضة وفقط ، لما لها من فوائد نفسية وجسدية ، إن الرياضة ضرورية جدا  لا نقاش في ذلك ، أما ما نشاهده اليوم ونلمسه في كثير من الأسر التي تضغط على الطفل وربما تتوتر علاقتهم به من أجل ممارسة رياضة بعينها حتى لو كانت لا تستهويه ، والركض المستمر من تمرين لتمرين يليه ، واعتبار الحصول على بطولات هو الشغل الشاغل والهدف الأكبر في الحياة حتى ولو كان على حساب سعادة الطفل وفوق قدراته الفعلية ، فهذا أمر غير طبيعي ولا منطقي ولا إنساني من وجهة نظري .
إن الأطفال كائنات لها طاقات وقدرات مختلفة ، وهم أيضا في حاجة لمساحة من الراحة واللعب والاستمتاع والحرية ، ويكفيهم الالتزام بيوم دراسي مرهق ، ولا أعتقد أن وضع الطفل في دائرة التزامات ومهام وضغوط يومية لا تنتهي وعلى غير رغبته ستفرز شخصا سويا أو سعيدا .
 
أصبحت الأمهات يقضين يومهن في النادي ، فيصطحبن أطفالهن بعد اليوم الدراسي بملابس المدرسة ليتناولوا وجبة غذاء سريعة ثم يهرولوا للحاق بالتمرين ، وبعد انتهاء التمرين منهم من يردتي ملابس تمرين آخر ويجلس قليلا ليؤدي واجباته المدرسية ثم ينطلق للتمرين التالي ، وبالطبع يعود لمنزله كي ينام ويصبح مبكرا لقضاء يوم جديد مشابه في الضغط والركض !
 
أين هي الحياة الأسرية ؟ومتى يتحدث الطفل لوالديه ويخبرهم عن يومه وعن مشاعره ؟ ومتى تجلس الأسرة على مائدة واحدة لتناول الطعام ؟ وهل تجد الأم في هذا اليوم الطاحن لها ولأبنائها وقتا كي تحتضنهم وتستمع إليهم وتبني معهم الذكريات !
 
المشكلة تكمن أيضا في ثقافة القائمين على إدارة الأندية والمدربين وضغطهم على الأهالي والمتدربين من أجل إحراز بطولات تُحسب للنادي ، ولا أفهم لماذا لا يوجد في الأندية فرق للهواة كي يظلوا متعلقين بالرياضة ويجدوا شيئا مفيدا لملء وقت الفراغ دون هدف سوى التريض ، وفرق للمتميزين والموهوبين هدفها إحراز البطولات ؟ ففي اعتقادي أن الموهوب ستظهر موهبته تلقائيا وموهبته ستتحدث عن نفسها  ، وهو من سيرتبط باللعبة ويقرر الاستمرار بها عند شعوره بشغف تجاهها وتميز فيها ، فكم من بطل رياضي اكتشف نفسه بنفسه أثناء اللعب في الشارع أو في مراكز الشباب دون ضغط من أحد .
 
إن دور الأهل ضروري في تشجيع الأبناء على ممارسة الرياضة والالتزام ولكن بشكل أكثر هدوءا مما يحدث الآن فالحياة بسيطة ونحن من نصر على جعلها معقدة ،  وكل ما نحتاجه كأسر ومدربين وأندية هو تغيير المفاهيم السائدة ، والتحرر من القوالب الثابتة والثقة في أبنائنا وفي اختياراتهم ومنحهم فرصة تجربة رياضات مختلفة حتى يستقروا على ما يجذبهم ، وأتمنى أن يستوعب المجتمع فكرة أن ممارسة الرياضة يمكن أن تكون من أجل الرياضة وفقط .
 

 

تعليقات (17)
صعب
بواسطة: أمينة
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:21 م

صعب الناس تغير ثقافتها وكأنهم بيعوضوا نقصهم في اطفالهم

كلام صحيح
بواسطة: Fadi
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:24 م

حقيقي المسالة ضاغطة على الاهل والطفل جدا بس نظام النوادي لو الطفل مش حيشارك في بطولة بيستبعد بعد فترة

البطولة هدف اساسي
بواسطة: Shaimaa
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:26 م

لو البطولة مش هدف الطفل مش حيلتزم فضروري يضعها هدف ومش دايما الأطفال عارفين مصلحتهم علشان يختاروا

وميزانية كمان
بواسطة: عادل
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:39 م

ده غير المصاريف الخاصة بكل رياضة وادواتها ميزانية لوحدها

100 100
بواسطة: نجوى
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:41 م

دايما مقالاتك بتلمس مشاكلنا اليومية بالتوفيق يارب

جميل
بواسطة: Tamer
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:43 م

جميل بس اللي يفهم

ياريت
بواسطة: عمر
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 04:51 م

يا ريت امي كانت قرأت الكلام ده بدل التعب الرهيب اللي بنشوفه ??

صحيح جدا
بواسطة: Dalia
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 05:12 م

والله معك كل الحق

منتهى العقل
بواسطة: Mohamed
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 05:28 م

الموضوع جميل وغير مسبوق الكتابة عنه بهذا المنطق العقلاني ،،،،،تسلم يدك

موضوع جديد
بواسطة: إيمان حسن
بتاريخ: الجمعة، 20 يوليو 2018 05:54 م

رؤية مختلفة وتحترم بصراحة وتحتاج لإعادة تفكير من النوادي والأهالي

اضف تعليق