بعد نشر 21 ألف أكذوبة في 3 أشهر.. لماذا تحال جريمة الشائعة لـ«محاكم أمن الدولة»؟

الثلاثاء، 24 يوليو 2018 11:00 م
 بعد نشر 21 ألف أكذوبة في 3 أشهر.. لماذا تحال جريمة الشائعة لـ«محاكم أمن الدولة»؟
حبس-صورة أرشيفية
علاء رضوان

«مصر واجهت 21 ألف شائعة خلال الثلاثة أشهر الماضية»..كانت تلك المعلومة الأبرز التى جاءت خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس، في حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية، والتى كانت بمثابة المفاجأة بسبب ضخامة الرقم، ما يؤكد أن الدولة المصرية تواجه بشكل يومى مئات الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و «تويتر»، والمواقع الإخبارية الممولة من جماعة الإخوان المسلمين.  

مركز معلومات مجلس الوزراء يُصدر البيانات بشكل دائم بياناَ تلو الأخر لمواجهة مسلسل «الشائعات» التى تطلقها الجماعات والحركات المنظمة والممنهجة التي تحمل الحقد والعداء للوطن وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، حيث تهدف جميعها إلى إثارة الفوضى والبلبة والإحباط بين أبناء الشعب المصرى، والتشكيك في كل الإنجازات والخطوات التي تحققها الدولة. 

ماكينة الشائعات 

ماكينة الشائعات التى لا تتوقف رصدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، خلال الفترة الماضية متمثلة فى مجموعة أخبار من بينها على سبيل المثال وليس الحصر: «فتح باب التعيينات ببعض قطاعات وزارة العدل، والعثور على 35 طفلًا بدار أيتام غير مرخصة فى مدينة الشروق، وتوقف حركة الملاحة بقناة السويس بعد تصادم 6 سفن، ورصف شارع المعز التاريخى بالأسفلت، و طرح أسماك بلاستيكية صينية فى الأسواق، وهو ما نفته الحكومة تماما، وأكدت أن تلك الأخبار عارية تماما من الحقيقة، وأنها استهدفت إثار الرأى العام ليس إلا. 

254

الواقع يؤكد أن الإسلام كرّس أهمية التعبير في حياة المجتمعات و الأفراد حين يُستخدم استخداما حسنا و نهى عن الاستخدام السيئ له، قال تعالى : «ألم تر كيف ضرب االله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب االله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار»، سورة إبراهيم (الآيات ٢٤ ، ٢٥، 26 ).

«الشائعات» تعتبر من الجرائم ذات التأثير النفسي، لأنها تتم لمجرد طرق المضمون النفسي الذي تحمله لنفسية الآخرين حيث أن السلوك المادي فيها هو مجرد التعبير الواعي، و قد وضع القانون ضوابط وحدود للتعبير لمنع سوء استخدامه فبين وسائل الإعراب عن المعاني و المشاعر و التي من شأنها إذا توافرت إحداها أن تحقق جريمة التعبير العلني.   

الشائعة من القول حتى الرموز والإشارات

من وسائل التعبير والتمثيل هذه على سبيل المثال و ليس الحصر الجد بالقول و الصياح والفعل و الإيحاء و الكتابة و الرسوم و الصور الشمسية و الرموز، و تشمل أي طريقة أخرى من طرق التمثيل، و المراد بطرق التعبير المشكل للسلوك المادي في جرائم الشائعات الطرق التي ينفذ بها النشاط الإجرامي للجريمة، ويمكن حصرها في القول و الكتابة و الفعل بالحرآة الجسمية أو الرسم.

أما «القول» فيدخل فيه الكلام و أجزاؤه من «نصف الكلمة» إلى النطق الواحد إلى الجملة، ولا عبرة بصورة الكلام نثرا كان أو نظما، المهم أن يكون صالحا للاستخدام في تجسيد السلوك المادي لجريمة، و يعتبر من باب الكلام أيضا الغناء و الصياح بعبارات لغوية مفهومة، ويشترط في جميع صور الكلام الجهر بحيث  أنه إذا قيل الكلام بصوت مرتفع يسمعه من وجه إليه و يمكن أن يسمعه معه غيره فقد تحقق معنى الجهر، أما إذا كان الكلام قد قيل بصوت لم يسترع انتباه أحد من الحاضرين و لم يسمعه سوى المجني عليه فلا يعتبر جهرا بالقول. 

116388-ALSAHAFA4-8-2017-26

أما «الكتابة» فتشمل كل مكتوب أيا كان شكله سواء كان مكتوبا بخط اليد أو مطبوعا ليستخدم في تجسيد السلوك المادي لجريمة الشائعة، و تكون الطباعة بأية وسيلة من وسائل الطبع التي تمكن من إخراج المكتوب في نسخ متعددة مثل آلات الطباعة العادية و طابعات الكمبيوتر و آلات التصوير و الفاكس و أدوات إرسال الوثائق الالكتروني.   

ومن «المطبوعات» التي يتم استخدامها في تجسيد السلوك المادي لجريمة الشائعة الكتب و المنشورات الإعلامية و البرقيات و الرسائل الالكترونية و غيرها، أما الفعل المقصود هنا فيقع بالحركة الجسمية التعبيرية للجوارح أو أجزاء من الجسم و تجسد إشارات معروفة مشهورة للدلالة على معاني و مشاعر و أفكار مختلفة تفيد الاستخدام السيئ للتعبير في حق الغير بما يدل على الاستهزاء و الاحتقارو الاستنكارو المقت و المنع والرفض و على نسبة العيوب إليه أو تهديده أو أهانته.

الشائعة جريمة من جرائم أمن الدولة

تعتبر جرائم الشائعات من جرائم العدوان المباشر على أمن الدولة الداخلي،  وهي الطبيعة القانونية المتجلية بصفة خاصة في مجال التحقيق في هذا النوع من الجرائم الخارجي، وهي بذلك من اختصاص محاكم أمن الدولة التي أنشأها  القانون رقم ١٠٥ لسنة ١٩٨٠ الذي ينص في مادته الثالثة على اختصاص محكمة أمن الدولة العليا دون غيرها بنظر الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول و الثاني و الثاني مكرر و الثالث و الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، و يقرر بذلك في أكثر من موضع إجراءات استثنائية في التحقيق في تلك الجنايات و المحاآمة عليها.

ونصت مادته السابعة على أن النيابة العامة: «تختص بالتحقيق في الجرائم التي تدخل في اختصاص محاكم أمن الدولة و مباشرة هذه الوظيفة وفقا للقواعد و الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية ما لم ينص القانون على غير ذلك»، و يكون للنيابة العامة بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة لها سلطات قاضي التحقيق في التحقيق في الجنايات التي تختص بها محكمة أمن الدولة.

وعلى هذا الأساس تكون للنيابة سلطة قاضي التحقيق في جرائم الشائعات، و بالتالي تملك إصدار الأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة عشر يوما مثلها مثل قاضي التحقيق، لا لمدة أربعة أيام فقط حسب الأصل، كما تملك صلاحية إصدار الأمر بمد الحبس مدة أخرى لا يزيد مجموعها عن ٤٥ يوما دون الالتجاء إلى القاضي الجزائي شأنها في ذلك شأن قاضي التحقيق.  

images

بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية

وزيادة على ذلك فالنيابة العامة لدى محكمة أمن الدولة غير ملزمة بمراعاة القيود التي هي : في بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، التى هى: 

- قيد أن يكون تفتيش مأمور الضبط لمنزل المتهم جاريا "بحضور المتهم أو ، من ينيب عنه و إلا بحضور شاهدين" إذ يجوز للنيابة إجراء التفتيش في غياب الجميع .

- قيد عدم جواز فض الأوراق المختومة أو المغلقة، إذ يجوز للنيابة فضها.

- قيد "إخطار القاضي الجزائي بوضع أختام على الأماكن التي بها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة.

-قيد أن يكون الاطلاع على الخطابات و الرسائل والأوراق الأخرى المضبوطة جاريا "بحضور المتهم أو الحائز أو المرسل إليه إذا أمكن، إذ لا يكون ذلك الحضور لازما في جرائم الشائعات.

-قيد الحصول على إذن من القاضي الجزائي في سبيل تفتيش منزل غير المتهم أو ضبط خطابات أو جرائد أو مطبوعات و كذا الطرود لدى مكاتب البريد و البرقيات لدى مكاتب البرق أو مراقبة المحادثات السلكية و اللاسلكية أو تسجيل محادثات جرت في مكان خاص، إذ لا يلزم في جرائم الشائعات الحصول عل إذن بذلك.

-فيما يتعلق بالإجراءات الاستثنائية الخاصة بمحاكمة جرائم أمن الدولة التي تضم الشائعات، نشير على وجه الخصوص إلى أن المادة الثالثة من هذا القانون تنص على أن الدعوى الجنائية في جرائم العدوان على أمن الدولة يفصل فيها على وجه  السرعة.    

2018_1_9_1_25_19_896

الشائعة ومدى خطورة مرتكبيها 

من جهة أخرى، و نظرا لخطورة المصلحة محل الحماية الجنائية في جرائم أمن الدولة في المحافظة على المصالح الأساسية للدولة المتعلقة بوجودها، و تنظيمها ووحدتها، فقد اعتبر القانون جرائم أمن الدولة من جرائم الخطر التي يعاقب على الفعل فيها قبل وقوع الضرر إذ يتم الاكتفاء بالسلوك بوصفه جريمة تامة، و هو ما يسمى بجرائم التمام السابق على تحقق النتيجة، و تنص المواد ٨٠ج و ٨٠د و ١٠٢ مكرر أ من قانون العقوبات المصري على عبارة «إذا كان من شأن ذلك» و هو ما يعني أنه لمجرد ارتكاب سلوك الشائعة و كان من قوته احتمال إحداث النتيجة المرجوة عاقب القانون صاحب السلوك على جريمة الشائعة و لو لم تتحقق النتيجة .  

تنص المادة ٨٠ج فقرة أ على أنه: «يعاقب بالسجن كل من أذاع في زمن الحرب أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة و كان من شأن ذلك كله إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات العسكرية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة» . 

download

 و تنص المادة ٨٠د فقرة أ على ما يلي : «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تزيد عن خمس سنوات و بغرامة لا تقل عن ١٠٠ جنيه و لا تزيد على ٥٠٠ جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمدا في الخارج أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها و اعتبارها أو باشر بأية طريقة آانت نشاطا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد» .  

و أخيرا تنص المادة ١٠٢ مكرر على أنه: «يعاقب بالحبس من ٢٤ ساعة على ثلاث سنوات و بغرامة لا تقل عن خمسين جنيها و لا تتجاور مائتي جنيه كل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة» .  

ومبرر معاقبة السلوك الإجرامي في الشائعة سواء نتج عنه ضرر فعلي أو لم يتم انتظار تحققه بل تم الاكتفاء عنه بالخطر، هو أن الخطر والضرر يمثلان النتيجة غير المشروعة في مفهومها القانوني و ليس في المفهوم الطبيعي، ومؤدى المفهوم القانوني للنتيجة أنها تمثل الآثار التي يلحقها السلوك الإجرامي بالمصلحة المحمية والمتضمنة الإضرار بها أو تهديدها بالضرر أي تعريضها للخطر، فالنتيجة الإجرامية في هذا المفهوم هي الوضع الناشئ عن السلوك بالنسبة للموضوع القانوني للجريمة، والمتمثلة في المصلحة محل الحماية سواء تمثل ذلك الوضع في حداث الضرر أو في التهديد بخطر.  

اقرأ أيضا:  

-إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. داعية إسلامي يضع 3 قواعد لمواجهة الشائعات

-تهدد أمن العالم.. كل ما تريد معرفته عن تجريم الشائعة وعقوبتها في القانون العربي والدولي

-الشائعات الكاذبة.. كيف تحمي الدولة الرأي العام بالإجراءات الجنائية؟

-«حرب الشائعات».. الفرق بين الشائعة والبلاغ الكاذب ومتى تصل العقوبة للإعدام؟

 

 

 
 

 
 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق