قلوب العارفين

الأربعاء، 25 يوليو 2018 05:13 م
قلوب العارفين
محمد الشرقاوي يكتب:

ما عدت أشتاق لكن يغلبني الحنين، حنين ليس للماضي لكن لما هو جميل، لم تكن الدنيا قاسية رغم الألم، ولم تكن حانية رغم تعالي الهمم، لكن يظل الحنين. 
 
عرفت الله ليس بعبادة، بل بالحنين، أحن إليه كلما طال البعاد، أشتاق إليه كل طال الغياب، لكنه لن يغيب، يظل يضمد الجراح، يشفي الألم، يحنو كما لم تحن الأم على وليدها. 
 
ما ابتلانا إلا ليعلمنا، وما حملنا بشيء مما لا نطيق، بل أبعد عنا الإصر بعيدا عن الذين من قبلنا، فيعفو ويصفح ويغفر الذلات.
 
الدنيا ما هي إلا أمانة، حملناها وسترد، ضقنا بها ذرعا لكنا لم تضيق، تفتح أبوابها على وهن، لكنها لن تستمر إلا بالسعى، وما أن تضيق إلا وجعل لها الفاتح مفاتيحا، ربطها بالاستغفار. 
 
وما انفتاح إلا بسلام داخلي، تتسق فيه القلوب مع الأرواح، عساها تبوح بما أجهدتها به الأيام، فتروح، تتقلب الألم تفرح حق الفرح وتبكي كما لو كانت صغارا يتضورون جوعا، فما بعد الجوع إلا شبع، يغنيها كما يلتقم الرضيع ثدي أمه، فما من نعمة أكبر من تلك. 
 
وإذا التقمت ثديها، صارت كما قلوب العارفين لها عيون، فتشيع الأمل، تفرح كما الراعي بعودة إبله الضالة، ترى ما لا يراه الناظرون، تبطن الوجع وتتركه للشافي، وتظهر الرضا فقط. 
 
الرضا لمن يرضى، رب القلوب قال ذلك، فإذا رضيتم باتت سمائكم طول فصول العمر مدرارا، يمددكم فيها بالنعم كي تنعموا، ويشملكم فيها برحماته، ويغفر الذلات كما لو كانت جبال رواسخ. 
 
افتحوا قلوبكم برغم الوجع، أعلم أنها قد يأست من الألم، يأست من العابثين بها، لم تعد تشتاق لتعود، ولم تعد حانية لتحنو، بل باتت كما الأرض الجاثية.
 
قد يكون مفتاح القلوب الحب فأحبوا، وقد يكون الرضا فارضوا، دعوها تتلمس طريق راحتها، ترى ما لا يراه الناظرون.
 
طريق العارفين سهلا إن وجدتم ضالتكم، واتسقت أرواحكم، اجعلوها حانية طوعا وكرها، كي لا تجبركم الأيام، وينهك العابثون أرواحكم، اعرفوا الله بقلوبكم، واطرقوا أبواب السماء بدعواتكم، فلا تدرون لعلها تفتح جميعا في آن واحد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق