هل كسرت بريطانيا مطرقة «بريكست»؟.. القلق يسيطر على الاتحاد الأوربي

الأحد، 05 أغسطس 2018 06:00 م
هل كسرت بريطانيا مطرقة «بريكست»؟.. القلق يسيطر على الاتحاد الأوربي
وزير التجارة الدولية البريطانى ليام فوكس
وكالات

كانت الفترة الماضية تشير إلى أن بريطانيا تسير في الاتجاه لآن تصبح «نصف بريكست»، وتتحول إلى «مستعمرة» للاتحاد الأوروبي.. وربما نقل ذلك التصور أكثر من دوله داخل «بريكست»، خاصة بعد أن نقل تلك الكلمات وزيرين تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، المستقيلان- بريكست ديفيد ديفيس ووزير الخارجية بوريس جونسون- واللذان قرارا الاستقالة من مناصبهما- أمس الإثنين، بسبب نهجا بشأن بريكست.
 
ويبدو أن عدم اهتمام «ماي»، واستمرارها في مخططها، كان له تأثيرا سلبيا على قمة «بريكست»، حيث حذر وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس من احتمالية عدم التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست).
ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية- على موقعها الإلكترونى اليوم الأحد- عن فوكس تحذيره أن بريطانيا تبدو ماضية فى الخروج من الاتحاد الأوروبى دون التوصل لاتفاق، نظرا لـ "تعنت" بروكسل.
 
ورجّح الوزير البريطانى احتمالات إتمام بريكست دون اتفاق بنسبة (40%) إلى (60%)، على الرغم من أن كلا الطرفين عبّرا عن رغبتهما فى التوصل لاتفاق بخصوص شروط مغادرة بريطانيا من التكتل الأوروبى بحلول مارس 2019.
 
واعتبر الوزير البريطانى - المؤيد لبريكست - أن خطر حدوث سيناريو الخروج دون اتفاق يتزايد، حيث ألقى باللوم على المفوضية الأوروبية وكبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه.
 
كانت «صوت الأمة»، نشرت تقريرا بعنوان: «مطرقة بريكست وبلّورة بروكسل.. هل تكون بريطانيا بداية انهيار الاتحاد الأوروبي؟»، وتضمن التقرير التالي: يوما بعد يوم تسير الأزمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي باتجاه مزيد من التعقيدات، على خلفية خلافات حادة حول ترتيبات خروج لندن من منطقة اليورو، وتمسك الاتحاد بصيغة قاسية لإنجاز الخروج.
 
منذ اللحظة الأولى التي خرجت فيها نتائج الاستفتاء الشعبي البريطاني على الانفصال، واختيار الأغلبية مغادرة الاتحاد الأوروبي، وما ترتب عليه من استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وصعود تيريزا ماي بديلا له، كان واضحا أن الأمور في لندن لا تسير على ما يُرام، وأن مسارا طويلا من الارتباك والتعقيدات في انتظار الحكومة البريطانية.

حكومة بريكست تنقلب على الاستفتاء
رئيسة حكومة المحافظين تيريزا ماي لم تبدُ مقتنعة منذ اللحظة الأولى بفكرة الخروج من الاتحاد، ورأى معارضوها من حزب العمال ورجال المال والإعلام الداعمين للخروج أنها تحاول الالتفاف على بريكست، وتدعم موقف الاتحاد الأوروبي الرامي لفرض أجندة محددة للخروج، تُرتّب على لندن التزامات ضاغطة وتجبرها على علاقات فوق طبيعية مع بروكسل حتى بعد الانفصال.
 
موقف "ماي" بدأ يخرج للعلن مع تكرار التوترات والقلاقل في 10 دونينج ستريت، وتعالي أصوات من داخل الحكومة رافضة خطة الخروج التي أعدتها تيريزا ماي ويتبناها عدد من الوزراء المقربين منها، وهو ما قاد سريعا لاستقالة ثلاثة وجوه من الحكومة، وزير بريكست ديفيد ديفيز، ووزير الخارجية بوريس جونسون، وجوتو بيب، وزير الدولة لشؤون المشتريات بوزارة الدفاع.
 
في وقت لاحق قالت تيريزا ماي بشكل واضح، خلال جلسة للبرلمان لإقرار خطة الخروج من الاتحاد، إن عدم إقرار خطتها للخروج ربما يُعني أن بريطانيا قد لا تتمكن من مغادرة الاتحاد الأوروبي، بينما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته لندن الأسبوع الماضي إن المملكة المتحدة قد لا تتمكن من توقيع اتفاقيات ثنائية مع واشنطن دون إنجاز خروج واضح بغير إملاءات من الاتحاد الأوروبي.
 
طوال شهور التفاوض سعت مؤسسات الاتحاد في بروكسل لفرض صيغة من التواصل مع لندن بعد إنجاز الخروج، المقرر أن يكون في مارس المقبل، وذلك باشتراط الحصول على موافقة الاتحاد على أية اتفاقيات تجارية للندن قبل توقيعها، ما يُشكل قيدا اقتصاديا مباشرا على المملكة، وهو ما رفضه وزراء وسياسيون وبرلمانيون قائلين إنه يمثل انتقاصا حادا من سيادة البلاد.

الاتحاد الأوروبي يسعى للهروب من الخسائر
مخاوف الاتحاد الأوروبي من ملف الخروج تأتي في ضوء الآثار الاقتصادية السلبية التي ستنعكس على مؤسساتها والبلدان الأعضاء في منظوماته، بسبب خروج الاقتصاد الثاني في القارة من الاتحاد ومنطقة اليورو، التي كان عضوا فيها بشكل جزئي، في ضوء حفاظ لندن على عملتها الوطنية، الجنيه الاسترليني، منذ إقرار العملة الموحدة.
 
بحسب خبراء وتقارير اقتصادية فإن خروج بريطانيا سيتسبب في تراجع الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي 1.5%، أو ما يوازي 250 مليار يورو، ويسعى الاتحاد لتقليل هذه الفاتورة عبر الإبقاء على مساحة واسعة من التواصل والتنسيق والعلاقات الاقتصادية مع لندن، بشكل يضمن الاستفادة من العلاقات والاتفاقيات التي ستوقعها الأخيرة مع أطراف من خارج الاتحاد، ويضمن أيضا استمرار تدفق البضائع وخطوط التجارة بين الجانبين بأعباء أقل، أو بتعامل مميز مع الرسوم الجمركية والحمائية.
 
البريطانيون من جانبهم يسعون لقطع كل الروابط الاقتصادية مع الاتحاد، هذا ما كشفت عنه نتائج الاستفتاء والتغطيات الإعلامية السابقة والتالية له، ومواقف كبار داعمي الانفصال وفي مقدمتهم رجل الأعمال أردون بانكس، الذي جرى تداول تقارير لاحقا عن علاقته بأطراف روسية، في إطار توظيف حالة العداء القائمة مع روسيا لتسويق انطباع بأن الأمر يرتبط بمصالح مباشرة لدى موسكو، ربما لتغذية حالة من التوجس لدى البريطانيين، ودفعهم للهروب من بريكست، أو على الأقل القبول بترتيبات استثنائية للخروج.

تحولات في حكومة ماي
استقالة 3 وجوه من حكومة ماي، وزيرين ووزير دولة، لم يكن نهاية المطاف بشأن الخلافات المتصاعدة حول الخروج من الاتحاد، فحتى وزير شؤون الانفصال الجديد دومينيك راب دخل سريعا على خطّ الجدل، بشكل قد لا يكون متوافقا مع توجهات تيريزا ماي نفسها، ويمثل انعكاسا لاستمرار التوترات الداخلية في الحكومة.
 
بعد ساعات قليلة من اختياره خلفا للوزير المستقيل ديفيد ديفيز، حذّر وزير بريكست الجديد دومينيك راب اليوم من أن بلاده تتجه لرفض تحمل فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي، المقدرة بـ39 مليار جنيه استرليني (43.68 مليار يورو)، ورهن الأمر بالتوصل إلى اتفاق تجاري شامل ومُرضٍ مع مؤسسات الاتحاد.
 
ونقلت صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية عن الوزير دومينيك راب قوله، إنه "يجب أن تكون هناك شروط بموجب آلية الانسحاب، وفق المادة 50 بين تسوية مدفوعات خروج بريطانيا وإقامة علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي" مشيرا إلى أنه ما زال يحاول إقناع مجلس الوزراء بأن اتفاق المقرّ الريفي "تشيكرز" كان الخطة الأفضل للحصول على صفقة جيدة.
 
اقتراح "راب" بحسب المقابلة التي نقلتها "صنداي تليجراف" استخدام قانون الخروج كوسيلة ضغط على بروكسل في المحادثات الجارية حاليا، لافتا إلى أنه "وسط مناخ التفاوض على اتفاق الانسحاب، فإن المادة 50 تتطلب أن يكون هناك إطار مستقبلي للعلاقات حتى تمضي المحادثات للأمام. الأمران مرتبطان، ولا يمكن أن يحقق طرف واحد أهدافه من الصفقة والطرف الآخر لا أو يسير ببطء أو يفشل في الالتزام".
 
تصريحات الوزير الجديد ربما تشير إلى صدام وشيك بين الوزارة المسؤولة عن إنجاز خطط الخروج، قبل أقل من 8 شهور على موعده، وخطة رئيسة الحكومة التي تدفع في اتجاه منح الاتحاد الأوروبي ترضيات إيجابية، ربما تأسيسا على موقفها الشخصي الرافض للخروج من الأساس، لكن بجانب موقف الوزير الجديد عاد وزير بريكست المستقيل "ديفيد ديفيز" للحديث، مطالبا تيريزا ماي بـ"إعادة ضبط استراتيجيتها التفاوضية".

تيريزا ماي.. تهديد أم تملص أم مساومة؟
المقدمات البادية في موقف دومينيك راب ربما تحمل مؤشرات على صدام وشيك، إذ بدأت التوترات بين رئيسة الحكومة تيريزا ماي والوزير السابق ديفيد ديفيز في نطاق مشابه، قبل أن تتطور لخلافات حادة معلنة، قادت في النهاية لاستقالة وزير بريكست اعتراضا على خطة "ماي" لإنجاز الخروج من الاتحاد.
 
موقف رئيسة الحكومة الذي ضحّى بعدد من وجوه وزارتها، وشنّت في وقت سابق هجوما حادا على أعضاء بالبرلمان على خلفية ما رأت أنها "محاولات لتقويض خطتها للخروج من الاتحاد" مهدّدة بأن بريطانيا قد لا تتمكن من مغادرة الاتحاد الأوروبي على الإطلاق حال استمرار هذه المعارضة، يُعني أن أي صدام مع وجه جديد بالحكومة قد يقود إلى شرخ جديد، فإذا كانت لا تملك شيئا إزاء البرلمانيين سوى التهديد، فإنها تملك إزاء وزير في حكومتها أن تطيح به أو تدفعه لاختيار مغادرة الحكومة.
 
رغم الضغوط المحلية، قال تيريزا ماي في مقال كتبته بصحيفة "ميل أون صنداي" قبل أيام، إن لندن ستتخذ موقفا أكثر تشددا في الجولة المقبلة من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لافتة بوضوح إلى أنها لم تكن من أنصار الخروج، وأن "اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس قائمة رغبات طويلة يستطيع المفاوضون الانتقاء والاختيار بينها، لكنها خطة كاملة بمجموعة من النتائج غير القابلة للتفاوض".
 
حتى الآن لا تبدو رسائل "ماي" واضحة بشكل كامل، فبينما تصطدم بالوزراء الساعين لإنجاز خروج غير ضاغط على لندن أو منتقص من سيادتها، تؤكد في سياقات أخرى أن التخلص من فاتورة المساهمات الضخمة التي تُسدّد للاتحاد الأوروبي أمر في صالح بريطانيا، وفرصة لانتهاج سياسة تجارية مستقلة بشكل يحرر لندن ويترك لها متسعا لتوقيع صفقات جديدة مع الحلفاء. وبين الموقفين والتهديد والضغط لتمرير خطتها دون أية تعديلات، ليس واضحا ما إذا كانت تُهدد فقط لإنجاز الأمر، أم تُسام لكبح جماع المتطرفين في ملف الخروج، أم تتملص من الأمر برُمّته؟

مطرقة لندن وشروخ بروكسل
المشكلة التي تواجهها تيريزا ماي، أيا كان موقفها الشخصي، أن قطار الوقت يمضي بسرعة كبيرة، وبعد ثمانية شهور تقريبا سيصل الجميع إلى محطة التاسع والعشرين من مارس (الموعد المحدد للخروج من الاتحاد) وربما لا يكون هذا المدى الزمني كافيا لتحقيق الإجماع داخل الحكومة على خطة الخروج التي أعدتها، أو لإقناع الاتحاد بأن يتحمل جانبا من العبء ولا يحاول وضعه بكامله على كتفي لندن.
 
بالوصول لمحطة الخروج ستغادر لندن الوحدة الأوروبية، حتى لو لم يكن الاتفاق قد أُنجز بشكل كامل ومُرضٍ للطرفين، وإذا لم ينجح الاتحاد في فرض الصيغة التي يسعى لتمريرها بالإبقاء على علاقات اقتصادية جزئية وميزات نسبية لدول الاتحاد في التعاملات الاقتصادية والتجارية، فإنه سيكون الخاسر الأكبر، وسيجد نفسه أمام ضغط قاسٍ، ليس فقط فيما يخص احتمالات الانكماش التي يُخبئها تراجع الناتج الإجمالي 1.5%، ولكن أيضا في تراجع الاسهامات السنوية التي كانت تشكل موردا مهما للدعم المالي لمؤسسات بروكسل وبرامجها السياسية والاقتصادية.
 
بخروج بريطانيا وتحللها من العبء الضخم الذي كانت تتحمله لصالح الاتحاد ودوله المأزومة اقتصاديا، ربما يُغري الأمر مواطني الاقتصاد الأكبر في القارة، ألمانيا، للنجاة من فخ الاتحاد الذي ستصبح بلادهم الأخ الأكبر والأكثر تحملا للضغوط فيه، وقد تتبعها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وتوالي المطالبات أو التطلعات الشعبية للانفصال سيشكل حصارا للاتحاد، إذ إنه حتى لو لم يُنجز انفصالا حقيقيا، فإنه قد يفرض صيغة من التحفظ في التعامل مع مؤسسات الاتحاد، وتحمل مزيد من الأعباء لصالحه.
 
هكذا يبدو أن بروكسل تستشعر القلق، وتواصل الضغوط لتكبيد لندن فاتورة قاسية للخروج، بشكل قد يمثّل رادعا ماديا ومعنويا للدول الكبرى في منظومة الاتحاد عن التفكير في الخروج، لكن محاولات مؤسسات الوحدة الأوروبية ستظل أقرب للمسكنات الموضوعية، ومع سقوط مطرقة لندن على بلورة بروكسل الزجاجية وحدوث أول شرخ بها، فإن الأمر سيسير بالضرورة إلى مزيد من الشروخ، وربما إلى فقدان أجزاء أخرى من الجسد العجوز قريبا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق