«الرشوة» كلمة السر في فساد المحليات.. والمراكز التكنولوجية هي الحل

الثلاثاء، 07 أغسطس 2018 08:00 ص
«الرشوة» كلمة السر في فساد المحليات.. والمراكز التكنولوجية هي الحل
أرشيفية
إبراهيم الديب

«جريمة أم رزق؟».. تساؤل يشغل بال الكثير من موظفي وقيادات المحليات يحاولون من خلاله تبرير موقفهم ومد أيديهم إلى المال الحرام، على الرغم من اقتناعهم الحقيقي بكونها جريمة، إلا أن شياطينهم تزين لهم الرشوة وتصنفها كونها «فهلوة أو سبوبة» أو كما هو منتشر ودارج بين أوساط بعضهم - الفاسدين منهم- بأنها «مصلحة».

منجم ذهب.. هكذا يفسر البعض العمل بالمحليات التي تحولت من القيام على خدمة المواطنين، وتيسير أمورهم ومطلباتهم اليومية في الشارع إلى «مغارة علي بابا»، التي ينهم منها من قدر له السعادة بالانضمام إليها، وتختلف طبقات الموظفين بالمحليات حسب التدرج الوظيفي ونوع الإدارة التي يعملون بها، ويعتبر المتعاملون مباشرة مع الجمهور هم أصحاب نصيب الأسد من غنيمة «الإكراميات أو الشهرية».

لسنوات طوال نادت بعض الجهات بإغلاق «حنفية الفساد» بالمحافظات والأحياء، والتصدي لحيتان العقارات المخالفة، والإشغالات، وإصدار التراخيص المختلفة، أصحاب «الكعب العالي» بالأحياء، وميكنة تعاملاتهم مع الجمهور كأحد وسائل التصدي لتلك الأزمة التي طالت الصغير والكبير، وأصبحت مماستها عرفا معتادا داخل تلك المؤسسات، وواقع معترف به لاخجل من الاشتراك فيه وكانت سلبية البعض من المواطنين في القبول بهذة التعاملات سببا في فرضها على الجميع.

المهندس عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، قال في تصريحات صحفية له: «الحديث عن انتشار الفساد في المحليات صحيح، لأن البعض يفسر الرشوة بأنها رزق وهو تفسير خاطئ وتعمل المحافظة على تغير تلك المفاهيم ومواجهة تلك الظاهرة من خلال التقييم المستمر للمسئولين، واستخدام الخدمات التكنولوجية في التعامل مع الجمهور هو الحل لتلك الأزمة».

494 مليون جنيه.. حصيلة الأموال التي تم إهدارها على الدولة في النصف الأول من العام الماضي، وفي فترة 6 أشهر فقط، بحسب تقرير «ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان» الذي أصدره عن فساد المحليات، وجائت محافظة الجيزة في المرتبة الأولى منه ثم القاهرة والإسكندرية والغربية على الترتيب.

فساد المحليات بحسب التقرير شمل قطاعات «الإسكان والمياه والزراعة والأوقاف، والصرف الصحي، والشباب والرياضة»، كما أن أنماط ممارسة تلك الجريمة لم تقتصر فقط على تقديم الرشوة فحسب، بل امتدت لتصل إلى الاختلاسات، وإرساء المناقصات بالمخالفة للوائح والقوانين، والسماح بالبناء المخالف، وإصدار تراخيص المحلات والأكشاك، والتعدي على الأراضي الزراعية بالتجريف والبناء»، وعاد ذلك كله بالسلب على موارد الدولة وشبكة البنية التحتية وأيضا على أرواح المواطنين، والتي أزهقت بالمئات تحت أنقاض الأبراج المخالفة، مايسدعي ضرورة معالجة القصور في التشريعات الحالية للمحليات.

قيادات المحليات ليسوا وحدهم هم السبب فجريمة الرشوة تتم بين طرفين الأول منها صاحب أو طالب خدمة مخالفة، والأخر المسؤول عن تيسير العمل له، لتحقيق أرباحا طائلة من ورائها، دون الاهتمام بالحاجة الأساسية للمواطنين، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور حالة المحافظات بشكل عام، وانعكست صورته على الشوارع والخدمات فأصبحت الغالبية العظمى منها مستقنع للمشكلات.

في الفترة الأخيرة لجأت وزارة التنمية المحلية، بالتنسيق مع التخطيط، إلى إنشاء المراكز التكنولوجة لخدمة المواطنين كأحد الإجراءات اللازمة لتقليل الاحتكاك والتعامل المباشر بين المواطنين والموظفين، من خلال تفعيل «الشباك الواحد»، حتي ينهي طلبه ويستهلك وقتا ومجهودا أقل دون دفع رشاوى، إلا أن الفكرة لازالت يشوبها العديد من أوجه القصور وتستدعي وضع خطة ممنهجة للمواجهة الفعلية لأزمات المحليات.

من جابنها كثفت هيئة الرقابة الإدارية، مجهودها لمجابهة «حيتان الفساد» بكافة مؤسسات الدولة، وكان للمحليات النصيب الأكبر من اهتمام قيادات وأجهزة الرقابة فتمكنت من ضبط العديد من موظفيها وقياداتها في قضايا تربح واستغلال نفوذ والحصول على رشاوى سواء مالية أو جنسية، وإهدار للمال العام .

«مصوغات ذهبية، ومبالغ مالية، وهدايا».. حصيلة «غنائم» سعاد الخولي، نائب محافظ الإسكندرية خلال أشهر عملها بمنصبها والتي بقدرت بنحو مليون جنيه، حصلتها من بعض رجال الأعمال مقابل الإخلال بواجباتها الوظيفية وإيقاف وتعطيل تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة لبعض المبان المخالفة وإعفاؤهم من الغرامات المقررة عليهم مما أهدر على الدولة نحو 10 ملايين جنيه، وإخفاؤها لثروتها بأسماء أخرين للتهرب من الملاحقات القانونية.

كما ألقت الرقابة الإدارية القبض على محافظ المنوفية، هشام عبد الباسط، بعد تخصيصة قطعة أرض لصالح أحد رجال الأعمال مقابل التربح ماديا من الرشاوى والهدايا المقدمة منه.

سيارة مرسيدس موديل إس 350، كانت السبب وراء دهس حازم القويضي، محافظ حلوان الأسبق لواجبات مهنته، وتسهيله الاستيلاء على قطعة أرض 800 متر بشارع 9 في المعادي لرئيس مجلس إدارة أحد الشركات، بدلا من طرحها بالمزاد العلني مايعد إهدارا للمال العام.

«هيثم. م»، بطل واقعة الرشوة الجنسية بمحافظة الجيزة، والذي استغل وظيفته كسكرتير لنائب محافظ الجيزة، طالبا ممارسة الفاحشة مع إحدى المواطنات مقابل إستصدار قرار إزالة لمبان مقامة على قطعىة أرض متنازع عليها قضائيا بينها وبين أشقاء زوجها بطريق مصر أسيوط الزراعي بمركز الحوامدية جنوب الجيزة، إلى أن تم القبض عليه من قبل مباحث الجيزة.

وفي السويس، تمكنت الرقابة الإدارية من ضبط سكرتير عام المحافظة داخل مقر استراحته  لتقاضيه رشوة مالية من أحد المقاولين مقابل تسريبه قيمة المقايسة التقديرية لمزايدة علينة لبيع قطعة أرض مساحتها 39090 مترا بقيمة 188 مليون جنيه.

لم يكن روؤساء الأحياء في منأى عن المشاركة في تلك «السبوبة»، فحاول عددا منهم التربح من الرشاوي المالية، وعمل «خميرة حرام» يستند عليها الباقي من حياته بعد ترك منصبه، إلا أنهم سقطوا في قبضة الأجهزة الرقابية وأشهرهم رئيس حي الدقي بالجيزة، والذي تم القبض عليه عقب عودة من رحلة العمرة، وصاحبي شركة مقاولات، وأحد الوسطاء يعمل بمجال المحاماة، لطلب رئيس الحي تقاضي رشوة ربع مليون جنيه ووحدة سكنية بعقار في شارع البطل أحمد عبد العزيز، مقابل عدم إزالة العقار لمخالفتة شروط التراخيص والبناء، ورئيس حي الرحاب، الذي تم القبض عليه لتقاضيه رشوة 200 ألف جنيه لغض الطرف عن المخالفات البنائية لأحد العقارات، كما طالت رشوة الأبراج المخالفة رئيس حي أول اكتوبر وإحدى موظفاته، والتجمع الخامس، ودار السلام، والموسكي، وروض الفرج وتم القبض على رؤساء تلك الأحياء واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم.

الجيزة.. المحافظة الأولى في ترتيب فساد المحليات، وتعج بمشكلات العقارات المخالفة نتيجة الرشوة، واجهت لسنوات عدة أزمة طفوحات مياه الصرف الصحي، وانقطاع مياه الشرب، وطوال تلك السنوات كان حنفي محمد رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي، يلقي بالمسئولية على الأحياء والأجهزة التنفيذية كونها لم تنجح في مجابهة غول العقارات المخالفة سبب تلك الأزمات، إلا أنه وفي نهاية المطاف تمكنت الرقابة الإدارية من التسجيل له أثناء مقايضات لإرساء مناقصات مشروعات مياه الشرب، والصرف الصحي على شركات بعينها وطلب رشوة 25 مليون جنيه، كما ضبطت وكيل وزارة الإسكان بالجيزة، إبراهيم فرج، داخل مكتبه، أثناء تقاضيه رشوة مالية وتم تحريز المضبوطات والمبالغ المالية، وأثناء التحقيقات في ملفات فساد ومخالفات بمشروعات الإسكان اكتشفت الأجهزة الرقابية اختلاس «فرج» لنحو 17 مليون جنيه من ميزانية شبكة الأساسات بمشروع الإسكان الاجتماعي بجرزا في العياط ولاتزال التحقيقات مستمرة حتى اليوم في تلك القضية، بالإضافة إلى اتهامه بالتربح من مشروعات المرافق بالمشروع، بخلاف مشروع الجبانات بمدينة 6 أكتوبر وتطوير شارع فيصل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق