صهللى.. جلجلى

السبت، 08 سبتمبر 2018 03:40 م
صهللى.. جلجلى
هبه العدوى

 
شارع شكرى القوتلى فى التسعينات
تمشى فيه إلى آخره وأنت متجها صوب نادى البلدية فى المحلة الكبرى، حيث يقع على يمينك مباشرة قصر خليل، ويقابلك على يسارك محل " أوسكار" لبيع شرائط الكاسيت والفيديو، كان  محلا كبير ذو واجهة زجاجية يديره شاب ثلاثينى ذكى، يبيع أحدث الشرائط سواء كانت كاسيت أو فيديو، أما عن بوسترات النجوم وقتها فكانت تزين واجهات المحل ، كانوا كُثر، ولم يكونوا كهذا الزمان واحد أو اثنان أو لا يوجد بالمعنى المتعارف عليه وقتها للغناء الشبابى الذى يملأ وجدان جيل كامل حسب لغة جيله.
 
***
الأغنية الشبابية
 السكسكة واختراع " الصقفة " العبقرى كتوزيع موسيقى مختلف تماما، بحثت فى تاريخ دخولها للأغنية فلم أجد لها رائدا سوى حميد الشاعرى، ألفا جيله هذا الرجل الجميل الذى لم يدرس الموسيقى، لكن موهبته كانت فائقة ليس فقط فى هذا الصوت الدافئ الذى يتسلل لوجدانك، ولا فى اللحن البسيط الجميل المنساب بسلاسة لروحك ولا حتى لعبقرية توزيعه، لكن كان فى دفعه لجيل كامل من المطربين فأحدثوا سويا نجاحا مدويا كان له أكبر الأثر فى صناعة وجدان الجيل الذهبى، أنه جيل الثمانينات، ليس ذلك فحسب بل أيضا فى اختراعه "تيمة" موسيقية تعارف عليها وقتها فى أغلب الأغاني والتى منها الصقفة، التى كانت جديدة ومبهجة وحيوية وكأى شئ جديد صادفها وصادفه العديد من الرفض الشديد، ومن أهمهم حلمى بكر الذى ظل يهاجمه بضراوة حتى غنائهما معا فى أوبريت الحلم العربى.
 
***
"زووم إن" على أوسكار وبالتحديد يوم الخميس المقدس، كان عدد المطربين وقتها فى ازدياد مستمر، والأغنية الشبابية تكتسح وشرائط الكوكتيل التى تدفع بالجديد من المغنين لا تنتهى "هاى كواليتى" و "لقاء النجوم بأجزائه الثلاث" وغيره.
 
 ابى كان دائم الشكوى من صوت إيهاب توفيق تحديدا، أما أمى كانت تطلق عليه بائع الطماطم منذ ألبومه "مراسيل"، أما أنا وصديقات عمرى فقد كنا ندوب مع "يا دايب فى النسيم"، وننتظر هذا الفارس الذى سيغنى لنا "إكمنى بهواكى ضيعت وياكى عمرى فى ليل الحزن ..عاشقك يا ست الحسن"، من المؤكد أننا أنا أو صديقاتى هذه "الست الحسن" ربما صادفك فى إحدى أغنياته إحدى المعانى الوجودية العميقة التى إحتار فيها الفلاسفة " أنتى أسمى معانى الوجود أنتى حبك عندى معناه الخلود"، كنا نتسابق من منا ينبئ الآخر بنزول الشريط الجديد للمغنى الجديد.
 
***
أما عن مصطفى قمر وفارس و ظاهرة "الولا"، و" ولا يا حبيبى "، و "ولا يا بوخد جميل"، و"آه يا واد يا إسكندرانى".. فلا أعلم تحديدا الآن وقد مرت أعوامى وكبرت سنينى منّى متفلّتة من بين يدى رغما عنى، كيف كنّا نغنى ورائهما معتبرين أنفسنا –كفتيات- هذا الـ "ولا"، وهو ما يتعارض تاما مع "ست حسن إيهاب توفيق"،  كان أجدر به أن يقول يا "ولية" لكن يبدو أنهم إستحوا من اللفظ المتعارف عليه أنه سوقى كلغة عامية، ولم تمنع الظاهرة مصطفى قمر من أن ينادى على حبيبته أم "جلابية طوبى"، أو "دباديبو"، فى إشارة صريحة لحب البنات للدباديب أو لحبه هو  لدباديب حبيبته "اللى هى إيه بقى ؟".. حتى الآن لا أحد يعلم .
 
***
-بس ..ولا ولا بص .. 
ما سبق مطلق أغنية "ولا يا بوخد جميل" حيث زمن التحرش الجميل البرئ، وهو هنا ينادى "للولا" صديقه وهما يقفان على ناصية شارعهم، إستداروا جميعا مندهشين من شدة جمال البنوتة، أما أغرب ما فى الأمر هو تحول نداء "الولا" لكى ينادى به على "الولا حبيبته"، بعدما كان ينادى بنفس "الولا"،  صاحبه!! 
 
وهشام عباس الذى توسل لصديقه أن لا يريه حبيبته لأنه مؤكد سيحبها من فرط حديثه عنها "عمّال يحكيلى عنها"، و"من طفولتى يا أميرتى" و"جوه عيونى، يا ننى عيونى تعيشى تكونى حقيقة عمرى" فى موسيقى وكلمات ارقى بدرجة ما وحسب ذاكرتى الموسيقية، ظاهرة الـ "ولا" لم تصيه .
 
أميرة  الجميلة وشعرها الكيرلى المنطلق بحرية، نستمع لأغنيتها "يا شمس غيبى فى بحور الغروب روحى لحبيبى" ونتنهد ونتذكر هذا الحبيب الذى لم نكن وقتها نعرفه ولكننا ننتظر مجيئه.. شهاب حسنى "بحبك وبس"، والذى لا أذكر له سوى هذا الألبوم.. علاء سلام "مش برضه الحلو من الدنيا ديه".. إبراهيم عبد القادر "أقول والحق"، أما حميد الشاعرى فكانت البوماته العديدة تحمل دوما معها إحساس الحنين تماما كدفء صوته "كل شئ حبيبى بيفكرنى بيك" وغيرها.
 
***
لن يكفى مقال لسرد كل مطربى أغنيتنا الشبابية، لكنهم كانوا ومازالوا أساس للبهجة، قامت إحدى " الجروبس " بعمل تجمع كبير لجيل الثمانيات والتسعينات، وكنت وقتها مريضة بسبب إنزلاق غضروفى أصاب ساقى بالتنميل التام، لكن بإندفاع أحاسيس تلك الفترة أصررت أن أذهب وآخذ أولادى معى لعلهم يشعروا بدفء وبهجة غابت غيابا تاما عن زمانهم  الملئ بالقبح والقسوة، و ربما ملأتهم ببضعِ أحاسيسٍ جميلة، تذكرهم بوطنهم وتشد جذورهم له وهم على أعتاب سن المراهقة وقتها، لا يستمعون سوى للاغانى " الإنجليش " ليل نهار وربما لبعض الشعبى المصرى، هل هناك غير ذلك يخاطب جيلهم !!
كان الاجتماع فى  مدرج فى مجلة الشباب، لهفة دخولى للمدرج كانت مثل لهفتى لنسختها الشهرية، أو مرورنا الأسبوعى على محل أوسكار مترقبين " ياترى ألبوم مين اللى نزل جديد ؟ ".
 
**
ملّت نورين وتململ يحى فأنا أجتمع مع ذكرياتى، فخرجنا خاصة مع ازدياد آلامى، لم يخيب الله ظنى يوما، لذلك على الباب قابلنا "حميد الشاعرى"، وهو يدخل للقاعة، داعبهم بحب ومودة وأخذت لهم لقطة أو اثنتين كان مبهج بنفس روحه المفعمة بالحياة حتى شعره كان اسودا كاحلا وكأن الزمن لم يمضى والعمر لم يجرى والحياة توقفت عند تسعيناتنا الجميلة، حدثت أولادى أن زمننا الجميل كان مبهجا تماما كهذا الرجل الذى قابلهم للتو .
 
الحقيقة أن البهجة الشديدة الوهج بالفعل توقفت هناك حيث أعمار المراهقة أو بالأصح حيث هذه الفترة من عمر مصرنا التى أحياها رغما عن العقبات والتحديات التى قابلته، "حميد الشاعرى" حيث صهللته وجلجلته  .. حيث أجمل أيام العمر الجميل  
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق