اخلع الحذاء وادخل البهنسا.. قصة قرية مصرية اختلط فيها التاريخ بالقدسية (صور)

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018 05:00 م
اخلع الحذاء وادخل البهنسا.. قصة قرية مصرية اختلط فيها التاريخ بالقدسية (صور)
البهنسا
كتبت : إيمان محجوب

"عاش فيها الفراعنة وأسسوا أعظم حضارات العالم، وجاء إليها اليونانيون والرومانيون، ومرت عليها رحلة العائلة المقدسة وتشرفت بقدوم سيدنا عيسى عليه السلام وأمه العذراء مريم وفي صحبتهما يوسف النجار ولأنها أرض مباركة زادت قدسيتها بعد فتح مصر عندما استشهد على أرضها 5 آلاف من كرام الصحابة والتابعين، بينهم  70 حاربوا مع النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر الكبري، ولذلك أطلق عليها كثيرون "بقيع مصر" نسبة إلى أرض البقيع بالمدينة المنورة تشبها بكثرة الصحابة المدفونين فى أرضها.

نتحدث هنا عن قرية البهنسا الواقعة على بعد 200 كيلو متر من القاهرة وتتبع مركز بني مزار محافظة المنيا ومع كل ذلك لا مانع أمامك لدخولها سوى أن"تخلع حذاءك" فأنت في أرض مباركة.

البهنسا  (3)

تاريخيا كانت البهنسا حامية عسكرية رومانية قبيل الفتح الإسلامى ، وعندما انتهى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه من فتح القاهرة والوجه البحرى وأراد السير إلى الصعيد أرسل إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه  فأشار إليه بفتح مدينتين هما إهناسيا والبهنسا شمالال صعيد لأنهما تضمان أهم معاقل الرومان.

 وأرسل عمرو بن العاص جيشا من المسلمين لفتح البهنسا بقيادة قيس بن الحارث في 22 هجرياً ، ضم مجموعة من الصحابة اللذين حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل عبدالله بن عمرو بن العاص أمير الجيوش علي مصر وأخيه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادي والمقداد بن الأسود الكندي وميسرة بن مسروق العبسي والزبير بن العوام الأسدي وابنه عبدالله وأبان بن عثمان بن عفان ويحي بن الحسن البصري وأبو ذر الغفاري وابنه محمد .

هذا الجيش عسكر فى قرية قبل البهنسا سميت بعد ذلك بـ" القيس" نسبة لقائد الجيش  ثم تبع قيس بن الحارث عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن الجموح وزياد بن أبى سفيان رضي الله عنهم ، وكانت معركة الفتح شديدة القسوة على جيوش المسلمين وسقط منهم شهداء كثيرون واستمرت جهود الفتح ما بين 4 إلى 6 أشهر متواصلة.

ارتوى كل مكان فى البهنسا بدماء شهداء الصحابة والتابعين ، ولذا تحوى القرية عدد كبير من مقامات الشهداء مثل محمد بن ابي ذر الغفاري وعبدالرحمن بن أبي بكر ومجموعة من أبناء عمومة رسول الله مثل الفضل بن العباس وأبناء عقيل وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن عمر بن الخطاب وابان حفيد عثمان بن عفان والصحابية الجليلة الفارسة الشجاعة التي كان لها صولات وجولات في معركة أجنادين خولة بنت الأزور التي نزلت فيها سورة المجادلة ومقام وخلوة أبي سمرة حفيد الحسين بن علي بن أبي طالب والذي يعتقد الناس عن خلوته أن من بات فيها وكان مريضا شفي بإذن الله ، .ومدفون بها 70 صحابياً ممن شهدوا غزوة بدر ويطلق عليهم في التاريخ " البدريون ".. إلي جانب مشهد الحسن بن صالح المنتهي نسبه الي الحسين بن علي بن أبي طالب والذي بني بها مسجدا كبيرا

تتمتع بهنسا بقدسية شديدة لأن ثراها يحتضن الشهداء من آل البيت الأطهار ومن أمراء الصحابة وفرسان العرب، وهذه القدسية جعلت لها مكانة خاصة فى قلوب العلماء لدرجة ان الشيخ عبد الحليم محمود عندما نزلها خلع حذاءه وقال "كيف لا أخلع نعلى على أرض قد وطأتها أقدام ودماء الصحابة والشهداء".

البهنسا  (1)

وذكر على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية أن مساحة البهنسا كانت تفوق 1000 فدان وتتميز بالبساتين وتضم ورش لصناعة النسيج فى العصر الإسلامى ، وكانت كسوة الكعبة تخرج منها فى العصر الفاطمى ، وعنها قال عمرو بن العاص رضي الله عنه إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " ليس بعد مكة والمدينة والأرض المقدسة والطور أرض مباركة إلا أرض مصر والبركة هي في الجانب الغربي " قال: ولعلها البهنسا ، وكان علي بن الحسن يقول: إنه ليس بأرض مصر بالوجه القبلي أرض مباركة ولا أكثر بركة من أرض البهنسا، وكان أبو علي النوري إذا أتي أرض البهنسا وأتي الجبانة ينزع ثيابه ويتمرغ في الرمل ويقول: يا لك من بقعة طالما ثار غبارك في سبيل الله، وكان أبو علي الدقاق إذا مر بجبانة البهنسا يقول: يا لك من بقعة ضمت أعضاء رجال وأي رجال .. طالما عرقت وجوههم في سبيل الله وقتلوا في سبيل الله ومرضاته.

العائلة المقدسة

البهنسا  (2)


قال الله تعالى في سورة المؤمنون " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " صدق الله العظيم ،  وأجمع كثير من المفسرين أنها البهنسا ومنهم المسعودي وأبو جعفر الطبراني والواقدي وابن إسحاق وابن هشام وأصحاب السير وأهل التفسير مثل سعيد بن جبير وسعيد ابن المسيب وابن عباس ، وتوجد بالقرية مزار شجرة مريم عليها السلام ، وهى شجرة استظلت بظلها السيدة مريم فى أثناء رحلة العائلة المقدسة، ذكر الواقدي في كتاب فتوح الشام أن المسلمين حينما دخلوا البهنسا وكانت الشجرة والبئر علي حالهما حافظ عليهما المسلمون وشربوا من البئر تبركا به فهو بئر كان يشرب منه نبي الله المسيح عيسي بن مريم واستظلوا بالشجرة كذلك وحافظوا عليها وراعوها وراعوا البئر وقيل إنهم عمقوه وحافظوا علي آثار العائلة المقدسة بالبهنسا.

 

حكاية الـ 7 بنات

البهنسا  (4)

على أطراف البهنسا تقع مجموعة أضرحة الـ 7 بنات ، وهى التى تدور حولها أساطير وملاحم شعبية وتراث تتوارثه الأجيال وهذا المكان يتحول إلى ما يشبه العيد القومى للبهنسا صبيحة كل يوم جمعة ، حيث يتوافد اعداد غفيرة من أهالى القرية والبلاد المجاورة للزيارة والتبرك.

هناك 7 أضرحة متفرقة لا يعلم أحد رفات من التى تسكنها، لكنه اشتهر بالسبع بنات ، وهناك روايات تؤكد إنهم سبع قبطيات كن يمددن جيش المسلمين أثناء حصاره للمدينة بالمؤن والطعام فأدركهن جيش الرومان وطاردهن وظل يقتل فيهن وهن يركضن فكان كلما أدركوا واحدة منهن قتلوها حتي قتلوهن جميعا وأثناء المطاردة كانت دماء السبع بنات تنزف فاحمرت الأرض واخضبت بدمائهن.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق