ثلاثون عاما على نوبل نجيب محفوظ.. محمد شعير يعيد إحياء سيرة أهم أعماله

الثلاثاء، 02 أكتوبر 2018 10:00 م
ثلاثون عاما على نوبل نجيب محفوظ.. محمد شعير يعيد إحياء سيرة أهم أعماله
نجيب محفوظ
وجدي الكومي

اليوم وبينما تحل الذكرى الثلاثين لنيل محفوظ جائزة نوبل في الآداب، في الثالث عشر من أكتوبر عام 1988، نتذكر بإجلال كبير، كيف جعل محفوظ للأدب المصري والعربي مكانة كبيرة، بعد نيله الجائزة، وطيلة هذه العقود لم ينافس إبداعه إبداعُ آخرُ لأديب مصري أو عربي، وبالتزامن مع هذه الذكرى، صدرت الطبعة الثالثة من كتاب الصحفي محمد شعير "أولاد حارتنا..سيرة الرواية المحرمة" عن دار العين للنشر، وهو الكتاب الذي يوثق فيه شعير، وقائع العنت والهجوم الصاخب الذي تلقاه نجيب محفوظ، في أعقاب بدء نشره روايته "أولاد حارتنا" مسلسلة في جريدة الأهرام عام 1959، في صفحتها العاشرة، بعدما اتفقت الجريدة على أن تنشر له تباعا قصته الجديدة الطويلة.

غلاف كتاب محمد شعير أولاد حارتنا سيرة الرواية المحرمة
غلاف كتاب محمد شعير أولاد حارتنا سيرة الرواية المحرمة

 

الكتاب رحلة توثيقية ماهرة، يبدو في جنباتها صبر صاحبها الكبير على عمله الهائل، وسعيه لتوثيق وتحقيق كل خطوة، وسؤال كل الأطراف، في الفصول الأولى من الكتاب يمهد شعير لعمله بعرض ظروف مصر وأجواءها نهاية الخمسينات، بهذه السطور يقول شعير في مستهل الكتاب:

الإثنين- 21 سبتمبر 1959: درجة الحرارة في القاهرة أقرب إلى البرودة، سحب خريفية تغطي الدلتا. الشيوعيون في سجون عبد الناصر، وحملات إعلامية مخططة لتشويههم. لص مجهول يسطو على “كرمة ابن هانئ” بيت الشاعر أحمد شوقي على نيل الجيزة، المسروقات تضم نخلة من الذهب أهداها أمير البحرين لشوقي احتفالا بتنصيبه أميرا للشعر العربي، وكأس من الفضة هدية من الاتحاد النسائي برئاسة هدى شعراوي. عناوين الجرائد الرئيسية تتحدث عن مظاهرات حاشدة في العراق ضد عبدالكريم قاسم، بعد تنفيذ أحكام الإعدام في عدد من قادة “ثورة الشواف”، وكانت جريدة “أخبار اليوم” قد قادت الهجوم الأعنف، وأطلقت على “قاسم” قبل أيام لقب “نيرون بغداد”، ونشرت نصا تحت عنوان “الكتاب الملعون”، زاعمة أن “قاسم” يتبنى أفكار الكتاب، الذى يطعن في الدين الإسلامي، ومدعية أن الكتاب من تأليف جهات مخابراتية سوفيتيية، ثم خصصت صفحة كاملة للداعية عبدالرازق نوفل ليفند ما جاء في الكتاب من أفكار.

يتوقف شعير عند آثار بدء نشر الرواية مسلسلة في الصحيفة، والهجوم الذي قاده ضده صالح جودت عبر قارئ مجهول استنكر نشر الرواية، واستخدام محفوظ رموز دينية في الرواية، وهو ما حرك ضده شكاوى وبلاغات بعد نشر الحلقة السابعة عشر، ويعرض شعير في الكتاب كيف دافع الكاتب الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل عن الرواية أمام جمال عبد الناصر الذي سأله عن الحكاية، فقال هيكل: رواية كتبها نجيب محفوظ لابد من نشرها حتى آخر كلمة فقبل عبد الناصر استكمال النشر.

الكاتب الصحفي محمد شعير
الكاتب الصحفي محمد شعير مؤلف الكتاب

 

يقول محفوظ لرجاء النقاش في كتابه "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" : بدأت الأزمة بعدما نشرت الصفحة الأدبية بجريدة الجمهورية خبرا يلفت النظر إلى أن الرواية المسلسلة التي تنشرها جريدة الأهرام فيها تعريض بالأنبياء، يعرض شعير هنا لقول محفوظ لرجاء النقاش أن أدباء وكُتاب بدأوا يرسلوا عرائض وشكاوى يطالبون فيها بوقف نشر الرواية ومحاكمتها، كما بدأوا يحرضون الأزهر ضد محفوظ بزعم أن الرواية تتضمن كفرا صريحا.

أما عن دور صالح جودت في الهجوم على الرواية عبر قارئ مجهول، فيعرضه شعير بقوله في الكتاب: المؤكد أن أول هجوم معلن على الرواية كان في مجلة “المصور”، في رسالة أرسلها قارئ يدعي “محمد أمين” إلى الشاعر صالح جودت محرر باب “أدب وفن” في 18 ديسمبر 1959 أي قبل اكتمال  نشر الرواية بأسبوع كامل. القارئ اختار جودت- حسبما ذكر فى رسالته المنشورة- لأنه “من القلائل الذين لم يدخلوا سوق النفاق”. واعتبر أن محفوظ في روايته الجديدة: ” يحيد ويجانب كل أصول القصة، فكتابته الأخيرة لا هي رمزية ولا هي واقعية، ولا هي خيال، ولا تنطبق على أي قالب معروف”. وأضاف: ” جاء محفوظ ليتحدي معتقدات راسخة، ولهذا يتعذر على كائن من كان حتى ولو محفوظ نفسه أن يقدمها بمجرد كتابة قصة. التستر وراء الرموز أضعف قضية نجيب محفوظ في مجتمع يجل الدين بطبيعته.

اللافت في عمل شعير في الكتاب، أنه لم يكتف فقط بعرض أرشيف الصحف، أو عمل اللقاءات والحوارات – حوار مع هيكل لسؤاله كيف وصلت أولاد حارتنا إلى الأهرام- بل حقق بنفسه وجود القارئ الذي أرسل الرسالة لصالح جودت، ويدعى محمد أمين، وذهب شعير بنفسه إلى محل سكن القارئ محمد الأمين، ليكتشف أنه لم يكن له علاقة بالكتابة أو الأدب، إنما هو مصارع، وعمل مدربا للمصارعة ورحل منذ سنوات، وحينما استفسر شعير من جيرانه عما إذا كان مارس الكتابة، أو أبدى اهتماما بالأدب، أجابه جيران القارئ الذي هاجم محفوظ في رسالته لصالح جودت: لم نعرف عنه مطلقا أنه مارس الكتابة.

اليوم وبينما تحل الذكرى الثلاثين لنيل محفوظ جائزة نوبل في الآداب، في الثالث عشر من أكتوبر عام 1988، نتذكر بإجلال كبير، كيف جعل محفوظ للأدب المصري والعربي مكانة كبيرة، بعد نيله الجائزة، وطيلة هذه العقود لم ينافس إبداعه إبداعُ آخرُ لأديب مصري أو عربي.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق