قصة منتصف الليل.. انتقام القدر

السبت، 13 أكتوبر 2018 10:00 م
قصة منتصف الليل.. انتقام القدر
قصة منتصف الليل
إسراء بدر

اتكأت على أريكتها تحتسى مشروبها المعتاد فى كل صباح وتتصفح الجرائد اليومية، فقاطعتها كلمات أمها المبتسمة ابتسامة النصر، "رشا ربنا جابلك حقك ربنا ميرضاش بالظلم يا بنتى وانتى اتظلمتى"، فنظرت إليها وعيناها تملأها الدموع، وبعد أن استمعت للخبر الذى جاءت به أمها جلست بمفردها تعيد إليها ذاكرتها ما حدث معها.

كانت فتاة مقبلة على الحياة لم تعلم شئ سوى الاجتهاد فى العمل لتحقيق نجاحات متتالية فى سن صغير، إلى أن قابلت "فتحى" الشاب الوسيم الشهير بكلامه المعسول وهو وسيلته الوحيدة لحفظ مكانه فى العمل، ونشأت بينهما قصة حب فى وقت قصير، شبهها الزملاء بحكايات العشق الأسطورية.

على الرغم من عدم قدرته على تحمل مسئولية تكوين أسرة، إلا أن الحب أغفل "رشا" عن أشياء كثيرة، فكانت والدته دائما ما تقص عليها أن الزوجة يجب أن تقف بجوار زوجها وتعينه على أمور الحياة، وهذا الحديث هو ما تربت عليه "رشا" بالفعل ولكن كلام حماتها كان له مقصود آخر لم تفهمه إلا بعد فوات الأوان، واتفقت مع "فتحى" على الزواج وتحمل المسئولية معا جنبا إلى جنب، وهو ما أسعد "فتحى" وعائلته بشدة.

وبعد أيام قليلة من الزواج، اتفق "فتحى" مع زوجته ألا يكون هناك فارق فى الماديات بينهما فكل منهما يضع راتبه فى درج معين حدداه سويا بأن يكون درج المصاريف، ووافقت بطيب نية، رغم أن راتبها ضعف راتبه.

عاشا على هذا الوضع لعدة أشهر، ولكنها لاحظت أن كل راتبها يضيع على رفاهيات زوجها وخروجاته مع أصدقائه، فى الوقت الذى لم تجد لنفسها من راتبها سوى قيمة مواصلاتها للعمل، ترددت كثيرا فى أن تتحدث فى الأمر خوفا على غضب حبيبها أو يظن أنها تعايره بأموالها فالتزمت الصمت.

إلى أن ترك زوجها العمل لتأخيراته اليومية وتقصيره المتزايد فى إتمام مهامه المطلوبة، وعندما علمت أمه بما حدث جاءت لزيارتهم فى المنزل، فتوقعت "رشا" أنه أمه ستساعده على الخروج من هذه الأزمة ومحاولة العمل فى مكان آخر ليساهم فى تلبية إلتزامات عش الزوجية أو على الأقل يلبى احتياجاته الشخصية، ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك، فجاءت أمه لتتناقش مع الزوجان، فسألت أول ما سألت عن قيمة راتب "رشا" فأخبرتها بحسن نية، لتجدها تقول "اقفلوا باب بيتكم عليكم والمهم ان فى حد بيشتغل منكم عشان تجيبوا مصاريف البيت وكدا ولا كدا انتوا الاتنين واحد".

اندهشت "رشا" من حديث والدته لتسأل نفسها : هل هناك أم تشجع ابنها بهذا الأسلوب على أن يكون شخص اعتمادى وتوافق على أن زوجته تعمل لتنفق عليه وعلى المنزل؟، ورغم استنكارها ما حدث إلا أنها التزمت الصمت كعادتها، ومع مرور الوقت رزقهم الله بطفل، فازدادت الالتزامات أو بالأدق تضاعفت بالفعل، وكل هذا وهى تتحمل المسئولية بمفردها، فتخرج صباحا للعمل وتعود بعد نهاية يوم شاق لتلبيى احتياجات طفلها ومنزلها.

لم يشعر بحالها إلا أمها التى حاولت أن تسألها مرارا وتكرارا عما أصابها، فقد تغيرت ملامحها المبهجة إلى حزينة، وضغوط المسئولية الواقعة على أكتافها بمفردها أصابها بالكآبة، وفى ذات يوم طلبت أمها أن تنهى "رشا" يوم عملها وتأتى إليها لأمر هام، فوجدتها ترتدى ملابس مهلهلة، وحقيبة يد هلكتها الأيام والشهور كما هلكت صاحبتها.

نظرة أمها كشفت حقيقة ما تمر به "رشا"، وهنا انفجرت من البكاء فى أحضان والدتها، بكاءها منعها من أن تقص على أمها ما تتعرض له، ولكن الأم لم تكن بحاجة لحديث فدموع ابنتها روت كل التفاصيل.

نصحتها أمها أن تتحدث مع زوجها بهدوء وتخبره بالتزاماته التى لم يعتاد يوما على حملها، وهو ما نفذته ولكن "فتحى" قلب الطاولة رأسا على عقب فاتهمها بأنها تعايره وأنها لم تقف بجواره وتتخلى عنه فى محنته ونسى أن محنته مستمرة لعامين متواصلين، ولم يحاول إيجاد عمل بديل، ويكتفى بدعوة أصدقاءه وأقاربه شبه يوميا ونسى أن كل هذه العزائم تتكلف الكثير من الأموال، ولماذا يتذكر فهو لا يتكلف شئ ولا يشعر بالمسئولية التى تتحملها بمفردها.

 وذهب ليشكوها إلى أمه، والتى بدأت فى تغيير معاملتها لـ "رشا" فكانت تتعمد توبيخها على أتفه الأشياء وإخبارها بطريقة أو بأخرى أن المسئولية التى تتحملها ما هى إلا مجرد تفاهات وأنه من المفترض أن الجميع يقف بجوار إبنها المدلل حتى لا يتأذى نفسيا، وهنا بدأت حقيقة هذه العائلة تضح، ولم يكن أمام "رشا" سوى أن تعاملهم بذات الأسلوب.

فبدأت تمتنع عن وضع راتبها فى الدرج المخصص وعندما يسألها زوجها عن أموال تؤكد له أنها لا تملك شئ، وأنها فور استلامها راتبها اشترت للطفل وللمنزل كل ما يحتاجه وانتهى راتبها بهذا الحال، ومع تكرار ذات الموقف بدأت الخلافات تشتعل إلى أن صرخت فى وجهه، فكل العذاب الذى بداخلها أخرجته هذه المرة، فلم تستطع تحمل الصمت عند هذا الحد، ووضعته أمام المسئولية التى من المفترض أن تقع على عاتقه، وأنها لم تتحمل فوق طاقتها مرة ثانية.

وعندما علمت أمه بما حدث أقنعت إبنها بتطليقها على أن يتزوج بإبنة صديقتها والتى تمتلك من الأموال ورثتها عن أبيها يكفيهما ليعيشا باقى حياتهما فى نعيم، ولم يتردد "فتحى" فى اتخاذ هذا القرار وطلق "رشا" وترك لها طفلهما لتربيه وكعادته لم يتحمل الانفاق عليه، ولكن"رشا" رفضت أن تقف أمامه بالمحاكم حتى لا يتأذى طفلها فى الكبر، واكتفت بأنها انتهيت من هذه العائلة.

ولم يمر شهور معدودة إلا وتزوج من الفتاة الأخرى، والتى تلقى عقاب ما فعله ف "رشا" على أيديها، فرغم حالتها المادية التى كانت السبب وراء هذا الزواج إلا أنها امتنعت عن أن تنفق عليه جنيها واحد وعندما شعرت بأنه اعتمادى للتربية الخاطئة التى ربته به أمه، صممت على قرارها وعندما وجد "فتحى" نفسه غير قادر على تحمل المسئولية كالمعتاد ذهب لأمه ليشكو إليها فى محاولة منه ليجعل زوجته الجديدة صورة ثانية من "رشا".

إلا أنها لم تسمح بذلك، وجاءت بأهلها وهم من انهالوا على "فتحى" بالسب وفكروا فى الانتقام منه فوجدوا أن أفضل انتقام لهذا الشخص هو السجن فأجبروه على توقيع إيصالات أمانة وشيكات بدون رصيد وحركوا دعوى قضائية ضده دخل السجن على أثرها وفور الحكم عليه بالسجن، رفعت زوجته الثانية قضية طلاق وتركته للزنزانة تعلمه الرجولة التى لم يتعلمها من أهله.

وهو كان الخبر الذى جاءت به أمها لتخبرها كيف انتقم القدر لما عانت به مع زوجها وأمه.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة