يوم أن أحرقوهم.. أسرار تنظيم فرسان المعبد من النشأة إلى السقوط

الأحد، 14 أكتوبر 2018 01:00 م
يوم أن أحرقوهم.. أسرار تنظيم فرسان المعبد من النشأة إلى السقوط
فرسان المعبد
كتب مايكل فارس

711 عاما مرت على اعتقال قادة فرسان المعبد أو الهيكل، ومن ثم إعدامهم وحل تنظيمهم الأسطوري الذى تشكل فى العصور الوسطى بأوروبا، ولم يضاهيه تنظيم حتى الآن، الأمر الذى جعله قصة اسطورية تناولتها الأعمال السينمائية الغربية فى مسلسلات وأفلام .

فى 13 أكتوبر 1307، أقدم الملك فيليب الرابع ملك فرنسا، على اعتقال قادتهم ومن ثم إعدامهم، كيف بدأ ذلك التنظيم؟ ولماذا انتشر فى كل ربوع أوروبا والشرق الأوسط؟، وكيف حقق سطوة كبرى على مقاليد الحكم أدت لنهايته فيما بعد؟

من هم فرسان المعبد؟

فرسان المعبد أو فرسان الهيكل، كان يلقبون أنفسهم باسم الجنود الفقراء للمسيح ومعبد سليمان، وعرفوا أيضًا بالداوية أو تنظيم الهيكل، ويعد واحدا من أقوى التنظيمات العسكرية التي تعتنق الفكر المسيحي الغربي، وأكثرها نفوذًا و ثراءً على مدار قرنين من الزمان، وقد انتشر فى ربوع أوروبا، ولكن حضورهم الأكبر كان فى  القدس و  فرنسا وإنجلترا وبواتو وبوليا وآراغون وطرابلس وآنطاكية وأنجو والبرتغال والمجر وكرواتيا.

مرحلة التأسيس

إحدى مقرات فرسان المعبد
إحدى مقرات فرسان المعبد

عندما جائت الحملة الصليبية الأولى على القدس سنة 1099، بدأ الحجاج المسيحيون يتوافدون لزيارة الأراضي المقدسة، فرفع الفارس الفرنسي هيوجز دي بانز سنة 1120 طلب إلى الملك بلدوين الثاني ملك القدس، والبطريرك ورموند بطريرك كنيسة اللاتين في القدس يقترح فيه إنشاء تنظيم رهباني يضطلع بمهمة حماية الحجيج المسيحيين، وتمت الموافقة على الطلب في يناير 1120 وجهز الملك للفرسان مقرًا في جناح من القصر الملكي في جبل الهيكل في المسجد الأقصى - الذى تحتله إسرائيل الآن – لما له من قدسية واعتبار أنه بنى على أنقاض معبد سليمان، لذا أطلق عليهم لقب فرسان المعبد أو الهيكل.

الهيكل الداخلي للتنظيم

أعد تنظيم فرسان الهيكل ليكون تنظيمًا رهبانيًا، بدستور داخلي يدين فيه  كل القادة بالولاء إلى القائد الأعلى للتنظيم، والذي يتولى المنصب مدى الحياة، ومهمته الإشراف وإدارة نشاط التنظيم الاقتصادي في الغرب و العسكري في الشرق، والنشاط المالي،ويقوم بتعيين ما يسمى بسفراء التنظيم ولهم حق  تسريح الفرسان من مناصبهم، وكذلك عزل القائد العام للمقاطعة، وكانت هناك ثلاثة رتب في صفوف فرسان الهيكل هي: الفرسان النبلاء، والرقباء الغير نبلاء ، والكهنة. وكان ذوو الرتب الثلاث يرتدون زيا عليها شعار الصليب الأحمر.

من الفقر إلي الغناء

بدأ التنظيم بتسعة فرسان فقط، وعلى مدار قرنين لا يمكن الجزم بعدد الأعضاء المنتمين للتنظيم بدقة، فأغلب التقديرات تقول أن عدد المنتمين للتنظيم في أوج قوته بلغ ما بين 15000 أو 20000 عضوًا، وقرابة العُشر منهم من كان فارسًا عسكريًا بالفعل، وفى بداية التشكيل لم يجد التنظيم التمويل المالي واعتمدوا على التبرعات التي جاء منها رمز التنظيم الذي يصور فارسين يمتطيان جوادًا واحدًا، إشارة إلى ضيق حال التنظيم.

شعار التنظيم
شعار التنظيم

حتى جاء بالقديس برنارد دي كليرفو، أحد أبرز الرموز القيادية في الكنيسة بدعمهم ومدحهم، بل قاد عام 1129 مجموعة من رجال الكنيسة للموافقة على التنظيم والمصادقة عليه باسم الكنيسة الكاثوليكية رسميا، في مجلس تروا المنعقد في ذلك العام، ليصبح بعدها من رمزا للأعمال الخيرية فى العالم المسيحي الغربي فتنهال عليه الهبات والتبرعات والمتطوعين، ليزداد نفوذا و قوة و عددا بخطى متسارعة.

القوة العسكرية

بعد الاعتراف بالتنظيم بعشرة سنوات تحديدا عام 1139 أصدر البابا إنوسنت الثاني مرسومًا بابويًا يعرف باسم "العطية بالغة الكمال"، والذي أعفي بموجبه أعضاء التنظيم من الخضوع للقانون المحلي وأصبح لهم حق اجتياز جميع الحدود بحرية تامة، إضافة إلى إعفائهم من دفع الضرائب وعدم الخضوع ولا الولاء ولا الامتثال إلا للبابا فقط، فأصبح للتنظيم قوى تضاهى قوة الملوك أنفسهم.

فرسان المعبد
فرسان المعبد

وحين بدأ التنظيم كفرقة عسكرية لحماية الحجاج المسيحيين إلى القدس، تحول ليصبح قوى كبرى ويعمل لها حساب، حينما ارتبط بحروب الفرنجة على القدس، فكان له الفضل فى انتصارات عديدة فمن  أبرز انتصارات فرسان الهيكل كانت في معركة الرملة، حيث ساهم نحو 500 فارس من فرسان الهيكل بشكل فعال في دعم جيش الفرنجة البالغ بضعة آلاف وإلحاق الهزيمة بجيش صلاح الدين البالغ 26000 جندي، فذاع صيته كثيرا.

فرسان المعبد
فرسان المعبد


بداية السقوط

تنحصر أسباب سقوط التنظيم فى عدة نقاط أولها توحد العالم الإسلامي تحت لواء صلاح الدين الأيوبي، ثم استمرار الانتصارات التى أدت لتسليم القدس له، وكانت خسائر الفرسان المتوالية فى العديد من المعارك قد أضعف جبهتم العسكرية خاصة بعد معركة حطين مع صلاح الدين عام 1187 ، و بعد ذلك بفترة طويلة، استولى الفرنجية على المدينة مرة أخرى عام 1229 دون الحاجة لفرسان الهيكل، إضافة لتنامي الخلاف بين التنظيم وباقى الطوائف المسيحية حول الأراضى المقدسة، وأخطر هذه النقاط هي الخلاف لسنوات طويلة مع تنظيمات شبية ببعد اقتصادي وعسكري، ظهرت وكان لها قوة وتأثير كفرسان الإسبتارية وفرسان تيوتون .

الأسباب السابقة أدت لضعف دور التنظيم وانحصاره فنقل مقره إلى ساحل عكا الذي استقروا فيه قرابة قرن من الزمان، حتى خسروه عام 1291، وتتابعت خسائرهم عاما بعد عام فخسروا ما تبقى لهم من حصون ومعاقل أمثال طرطوشة (طرطوس في سوريا حاليا)، وعتليت، فانتقل مقرهم إلي ليماسول في قبرصوحاولوا الإبقاء على حامية لهم في جزيرة أرواد، على مقربة من ساحل طرطوشة، لكنهم سعوا في عام 1300 إلى التحالف العسكري مع المغول وإنشاء قوة غازية جديدة في أرواد – إحدى جزر سوريا-  غير أن الهزيمة لحقت بهم على يد المماليك المصريين في موقعة حصار أرواد وخسروا المدينة على إثرها، وبهذه الهزيمة لم يبق لفرسان الهيكل موطئ قدم في الأراضي المقدسة.

الاعتقالات والإعدام على المحرقة

بعد خسارتهم جميع مواطئ قدميهم فى الشرق، بخمس سنوات أي عام 1305 أرسل البابا كليمنت الخامس من مستقره في فرنسا إلى القائد الأعلى لفرسان الهيكل جاك دو مولاي، والقائد الأعلى لفرسان الإسبتارية فولك دي فالريه لبحث دمج التنظيمين، إلا أنهما رفضا، وبعدها  بعام دعاهما لبحث الأمر مرة أخرى وأيضا رفضا.

انتهز فيليب الرابع ملك فرنسا، هذه الفرصة للتخلص من التنظيم،حيث أثقلته ديونه المالية التى يدين بها لهم، فطالما اقترض منهم الأموال، وحين بدا أنه لا يستطيع السداد، قرر على إثر ذلك، القضاء عليهم، وفى 13 أكتوبر سنة 1307 ، تم القبض عليهم وأُكرهوا تحت وطأة التعذيب على تقديم اعترافات مختلقة لينتهي مصيرهم بالإعدام على المحرقة، وأجبر ملك فرنسا البابا كليمنت الخامس على الوقوف ضد الفرسان وفى في 22 نوفمبر 1307 أمر البابا جميع الملوك المسيحين باعتقال فرسان الهيكل وحيازة ممتلكاتهم، ثم قرر تحت ضغط الملك بحل التنظيم نهائيا عام 1312، وفى 18 مارس 1314، تم إعدام قادة التنظيم ، لتتهي بذلك صفحة التنظيم الذى يعد الأخطر والفريد من نوعه فى تاريخ البشرية.

حرق فرسان المعبد
حرق فرسان المعبد

 

التهم الموجة للتنظيم

أمرالملك فيليب الرابع باعتقال جاك دو مولاي رئيس التنظيم ومعه العشرات من أعضاء التنظيم، وبدأت مذكرة الاعتقال بهذه الجملة: "إن الرب ساخط علينا، بلادنا تؤوي أعداء الدين، أدين فرسان الهيكل بتهم عديدة، منها الإلحاد وعبادة الأصنام والهرطقة وممارسة الدعارة في طقوسهم والشذوذ الجنسي والفساد المالي والنصب والاحتيال والتخابر"، وقد سٌجلت استجوابات الفرنسان على ورق برشمان بلغ طوله 30 مترًا، يوجد حاليًا في دار الوثائق القومية في باريس.

واجبر المعتقلون على الاعتراف بقيامهم بالبصق على الصليب، كما بيت الوثائق منها "أقر أنا ليموند دي لافير، 21 عامًا، بأني بصقت على الصليب ثلاث مرات، من فمي لا من قلبي"، مما ثبت تهمة الإلحاد على فرسان الهيكل.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق