هل استفاد قطاع الصناعة المصرية من قرار تحرير سعر الصرف؟.. خبراء الاقتصاد يجيبون

الأحد، 28 أكتوبر 2018 08:00 ص
هل استفاد قطاع الصناعة المصرية من قرار تحرير سعر الصرف؟.. خبراء الاقتصاد يجيبون
الجنيه

أصبحت مصر محط أنظار التقارير الدولية لقياس مؤشرات الاقتصاد وتطوراته على المستوي العالمي، كان آخرها ما أعلنه تقرير معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز في تقريره عن قارة إفريقيا، حيث صنف مصر كثاني أكبر دولة تتلقي تحويلات من الخارج بعد نيجيريا في القارة الإفريقية، حيث تستحوذ على (29%) من إجمالي التحويلات المالية التي تتدفق إلى القارة في عام (2017) يأتي معظمها من منطقة الخليج. وهو ما يعيد النظر مرة أخرى في ملف تحرير سعر الصرف.
 
قبل عامين من الأن، وبالتحديد في عام (2016)، أعلنت مصر تحرير سعر صرف الجنية، ذلك بسبب الأزمات التي عانت منها مصر بفضل المخططات الهدامة، والسوق السوداء للعملة، التي انتشرت بصورة واسعة إضافة إلى عدم توافر الدولار، وهو ما دعا معه رجال الصناعة والأعمال إلى المطالبة بضرورة تحرير سعر الصرف لحل هذه الأزمة، وحتى تعود الشركات للإنتاج بعد أن توقف الكثير منها لعدم قدرته على شراء الخامات المستوردة لعدم وجود العملة الأجنبية. 
 
(3 نوفمبر 2016).. عادت الروح مرة أخرى إلى قطاع الاستثمار، وسط لغط كبير، من عدم المدركين لأهمية الأمر، فعلى الرغم من طلب تحرير سعر الصرف من شريحة كبيرة، أجمعها مستثمريين، إلا أن الإرهابية حولت الترويج إلى ما يخالف ذلك، وفي تلك الليلة الموعودة، كان البنك المركزي، اتخذ القرار الصعب الذى كان يطالب به الجميع وهو تعويم الجنيه، ضمن برنامج كبير للإصلاح الاقتصادي بدأته الحكومة في نفس التوقيت، وقد أوشكنا على مرور عامين كاملين على قرار التعويم، فهل حققت الصناعة المكاسب التى كانت تتوقعها من تعويم؟ أم أن خسائرها من انخفاض قيمة الجنيه وزيادة تكلفة استيراد الخامات كان أكبر؟.
 
«مصر تمكنت من تحقيق نمو اقتصادي يتخطى الـ50%.. عقب إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي بدأ بتحرير سعر الصرف».. هكذا بدأ خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية، حديثه، لافتا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاع عدد المصدريين، من 240 مصدر قبل 4 سنوات، إلى 982 مصدر للصناعات الكيماوية بمختلف أنواعها من بويات وأسمدة وزجاج وبلاستيك وكيماويات عضوية وغير عضوية، وغيرها من الصناعات الكيماوية.
 
واستكمل «أبو المكارم»، عرض رؤيته عن خطوات الإصلاح التي شهدها القطاع الاقتصادي في مصر عقب تحرير سعر الصرف، قائلا: «تحرير سعر الصرف ساهم كثيرا في زيادة أرباح المصدرين وكانت مكاسبه أكبر لأن أغلب المواد الخام المستخدمة فى الصناعات الكيماوية محلية، وبتالى لا يعد توفير الخامات اللازمة للصناعة مكلفا بصورة كبيرة مثل صناعات أخرى تعتمد على الاستيراد من الخارج، وهو ما جعل هذه الصناعة تكتسب ميزة تنافسية مرتفعة، وتعد بمثابة (الحصان الرابح) في القطاع الصناعي والتصديري».
في ذات السياق يقول الدكتور ماجد جورج رئيس المجلس التصديري للصناعات الدوائية، أن تكلفة الإنتاج ارتفعت بنسبة (100%) بعد التعويم، لأن مدخلات الإنتاج مستوردة من الخارج، وفى المقابل ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة (50%) فقط وهى أقل من نسبة زيادة تكلفة الإنتاج، وبالتالي فقد تضرر القطاع بأكثر مما استفاد من عملية التعويم.
 
في حين يرى الدكتور محي الدين حافظ رئيس لجنة الأدوية باتحاد المستثمرين، وعضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الدوائية باتحاد الصناعات، أن شركات صناعة الدواء الكبرى هي من تمكنت من تحقيق أرباح بعد عملية التعويم وزيادة أسعار الدواء مرتين متتاليتين الأولى بنسبة (20%) والثانية بنسبة (50%)ـ ولكن الشركات الصغيرة تضررت كثيرا بل وتحقق خسائر نتيجة زيادة التكلفة التي لم تعوضها زيادة أسعار البيع.
 
وأوضح «حافظ»، أن لدينا (155) مصنع أدوية في مصر، الكبار منها (30) شركة، تحولوا من الخسارة بعد التعويم إلى الربحية نتيجة زيادة أسعار الدواء، ولكن الربحية لا تأتى من زيادة عدد الوحدات المباعة «علب الدواء»، ولكنها من زيادة قيمة المبيعات نتيجة زيادة الأسعار، لافتا إلى أن عدد الوحدات المباعة انخفضت نتيجة ارتفاع أسعار الدواء، وتصل نسبة الربحية في المصانع الكبرى لحوالي (25%) وهي نسب معقولة وليس مبالغا فيها، على حد قوله.
 
وتابع: «هناك حوالي (20) مصنعا تمكنوا من تحقيق التعادل بين زيادة التكلفة والمبيعات بعد زيادة أسعار الدواء، ولكنهم لا يحققون أرباحا، مشيرا إلى أنه لولا زيادة أسعار الدواء لتعرضت هذه المصانع للإفلاس، وبالإضافة إلى ذلك هناك ما بين (60 – 70) مصنع أدوية صغير ومتوسط يعانون من خسائر حقيقية نتيجة عدم قدرتهم على تحقيق أرقام مبيعات تعادل تكلفة الإنتاج التى ارتفعت بشدة بعد عملية التعويم، ولم تقتصر فقط على ارتفاع أسعار الخامات المستوردة والتي تمثل حوالي (40%) من تكلفة المنتج، ولكن أيضا تكلفة الصناعة المتمثلة فى ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة الأعباء الإدارية والضريبية والتسويقية».
 
ورغم المشاكل الكبيرة التي تعرض لها قطاع الدواء بعد التعويم، ولكن يرى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء، أنه لا شك أن قرار تحرير سعر الصرف هو قرار هام جدا ووضع حدا لأكبر مصيبة قد تؤثر على الصناعة والاستثمار فى مصر وهى السوق السوداء، ومنح هذا القرار فرصة للمصدرين بزيادة صادراتهم، لكن كان من المنتظر أن ينخفض الدولار حتى تقل تكلفة الإنتاج، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، مشيرا إلى أن تأثير التعويم لم يظهر بصورة مباشرة على الصادرات لأن أغلب الخامات مستوردة.
 
والآن بعد عامين من التعويم مازال السوق «لم يستوعب الصدمة بعد» كما يرى حسن فندى عضو شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، موضحا أن هناك الكثير من الآثار الإيجابية والسلبية على حد سواء، فالمصانع التى تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة تضررت بشدة، فى حين أن المصانع التى تتوجه نحو التصدير استفادت كثيرا من انخفاض قيمة الجنيه وزادت صادراتها.
 
وتابع فندى أن مبيعات القطاع تأثرت كثيرا بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، ولكنه يؤكد عدم وجود بيانات دقيقة عن طبيعة هذا الانخفاض فى ظل الحجم الضخم للاقتصاد غير الرسمى، مطالبا الحكومة بالتصدى للعمل فى هذا القطاع حتى يكون التخطيط والأرقام عن الإنتاج والمبيعات دقيقة ويمكن رسم صورة واضحة للسوق.
 
ولم تكن الصناعات المعدنية مختلفة كثيرا عن القطاعات السابقة، فقد تضررت بشدة جراء ارتفاع تكلفة الإنتاج لأن مدخلات الصناعة مستوردة من الخارج، كما تسبب ارتفاع أسعار المنتج النهائى إلى تراجع بحركة المبيعات، وهو ما يؤكده محمد سعد المراكبى وكيل غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات.
 
وقال المراكبى: «التعويم أفاد وأضر صناعة الحديد»، موضحا قوله بأن الخامات المستوردة تمثل 80% من تكلفة الصناعة، وتقتصر القيمة المضافة المحلية على نسبة 20% فقط، وهو ما يعنى أن الصناعة تضررت بزيادة تكلفة الإنتاج وبالتالى ارتفاع سعر المنتج النهائى وهو ما تسبب فى تراجع حركة المبيعات وانخفاض الطلب.
 
وتابع أن معدلات استهلاك الحديد فى نهاية 2016 بلغت 8.7 مليون طن، وانخفض هذا الاستهلاك بحوالى مليون طن كنتيجة مباشرة للتعويم، على حد قوله.
 
أما الفائدة التى عادت على الصناعة من التعويم، بحسب المراكبى، فهى زيادة التصدير فى الفترة من أول 2017 وحتى منتصف 2018 عندما ارتفعت أسعار الطاقة، وهو ما أدى لصعوبة المنافسة خارجيا بسبب زيادة ارتفاع تكلفة الإنتاج عن الدول المنافسة بالسوق العالمى، بالإضافة إلى ذلك يرى المراكبى أن التعويم حد من واردات الحديد نسبيا، ولكن المكسب الأكبر من التعويم هو توفر العملة والسيولة من الدولار التى عانت منها المصانع كثيرا، وتسبب شح الدولار قبل تحرير سعر الصرف فى عدم قدرة المصانع على التشغيل رغم وجود طلب على المنتج فى ذلك الوقت.
 
ويؤكد وكيل غرفة الصناعات المعدنية، أن الصناعات التى لديها تعميق فى الصناعة أى تعتمد على مكونات محلية هى الأكثر استفادة من التعويم، فى حين أن الصناعات المعتمدة على استيراد الخامات ومكونات الإنتاج هى الأكثر تضررا من تحرير سعر الصرف.
 
ونتيجة عدم انعكاس تحرير سعر الصرف على زيادة الصادرات الصناعية بصورة مباشرة، توجه اتحاد الصناعات بالاشتراك مع مركز تحديث الصناعة، إلى صياغة برنامجا قوميا لتعميق التصنيع المحلى وزيادة نسبة مكونات الإنتاج محلية الصنع، من خلال ربط الصناعات الصغيرة والمتوسطة المنتجة للمكونات، بالصناعات الكبيرة التى تستخدم هذه المكونات، وكانت الصناعات الهندسية رائدة فى مجال تعميق التصنيع المحلى.
 
وفى هذا الإطار تبنت غرفة الصناعات الهندسية خطة لتعميق التصنيع المحلى سعيا للوصول إلى نسبة تعميق بحوالى 75% مع نهاية العام الحالى، بحسب تصريحات محمد المهندس رئيس غرفة الصناعات الهندسية، حيث استطاعت أن تحقق حتى الآن متوسط نسبة 72% تعميق تصنيع، وهو ما يعد فى حد ذاته مكسبا للصناعة المصرية التى بدأت تعرف طريقها نحو زيادة القيمة المضافة المحلية بدلا من الاعتماد على الاستيراد.
 
وأثناء إعلان هذا البرنامج بمقر اتحاد الصناعات قبل أسابيع قليلة، قال عمرو نصار وزير التجارة والصناعة وهو أحد أعضاء غرفة الصناعات الهندسية سابقا: "سئلت من مجلس الوزراء لماذا لم ينعكس التعويم مباشرة على زيادة الصادرات بصورة فورية كما كان متوقعا؟ وكانت إجابتى: لأن أغلب مكونات الصناعة مستوردة من الخارج وبالتالى لن نرى نتائج حقيقية على زيادة الصادرات الصناعية قبل تحقيق تعميق التصنيع".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق