«بطاطس ميري».. بستة ونص تعالى بص!

الأحد، 28 أكتوبر 2018 11:29 ص
«بطاطس ميري».. بستة ونص تعالى بص!
أيمن عبد التواب يكتب:

 
في غياب العلم يصبح الحديث عن الخرافة مباحًا.. وفي غياب العقاب الرادع يصبح الحديث عن الالتزام محض خيال.. وإذا كان المأثور الشعبي يقول: «اطبخي يا جارية.. كلِّف يا سيدي»، فإن الجارية لم تعد تطبخ الآن؛ لأن سيدها استغنى عنها بعد أن ضاقت حاله، ونفدت أمواله، وبات ينشد الستر!
 
الحديث عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية لا ينقطع؛ فهو حديث موصول، وذو شجون، ولم يخلُ منه أي بيت، يتساوى في ذلك الغني والفقير.. فعلى مدار الأيام الماضية لا صوت يعلو فوق صوت سعر الخضروات، وخاصة البطاطس والطماطم، قبل أن تتدخل وزارة الداخلية وتطرح كميات كبيرة من الخضار والفاكهة في عدد من شوادرها.
 
منذ الصباح، يتوافد عدد كبير من المواطنين على المنافذ التي تحمل شعار «كلنا واحد» لشراء البطاطس والطماطم التي تباع في الأسواق بسعر وصل إلى 15 جنيهًا للأولى، و13 جنيهًا للمجنونة، بينما توفرها وزارة الداخلية بأسعار مخفضة هي وأصناف أخرى تباع بأقل من مثيلاتها في أسواق الجملة وعند تجار التجزئة، وذلك في إطار تخفيف العبء عن كاهل المواطنين الذين اكتوت ظهورهم بنار الغلاء.
 
المشهد لم ينته عند هذا الحد، بل ظهر في الكادر رئيس مركز ومدينة ميت غمر، سعد الفرماوي، الذ شارك- بنفسه- في عملية بيع كميات من البطاطس للمواطنين بسعر ستة جنيهات ونصف الجنيه، بعد أن اعتلى سيارة نقل اصطحبها من سوق الجملة في المدينة، ولم ينزل من عليها إلا بانتهاء بيع الكمية؛ خشية وقوع المواطنين فريسة للجشع مرة أخرى.
 
الشكر موصول لوزير الداخلية اللواء محمود توفيق، على تكليفه مديريات الأمن بالمحافظات والإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة بضرورة تفعيل مبادرة «كلنا واحد» التي تبنتها الوزارة بالاتفاق مع بعض التجار؛ لتوفير جميع السلع الغذائية بأسعار تنافسية، وتقل كثيرًا عن مثيلاتها في الأسواق، لمواجهة جشع بعض التجار عديمي الضمير، والذين لا يرقبون في مواطنٍ إلًّا ولا ذمةً.
 
هذه المبادرة جاءت بعد يومين من استفحال الأزمة، وبعد شن الداخلية والأجهزة المعنية حملات مكثفة على ثلاجات أباطرة التخزين، ونجحوا في مصادرة أكثر من أربعة آلاف طن بطاطس وإعادة طرحها بالأسواق لصالح المواطنين.
 
حسنًا فعلت وزارة الداخلية، فهذه المبادرة الطيبة تحسب لها، وتضاف إلى سجلها، وتذكرنا بالدور الرائد لقواتنا المسلحة في محاربة الغلاء، وكانت ولا تزال تسخر إمكاناتها وتقدم وتتبنى العديد من المبادرات التي تسهم كثيرًا في التخفيف عن كاهل المطحونين الذين أرهقتهم الأسعار، وباتوا يتوارون خجلًا كلما ذهبوا إلى الأسواق، بعد أن أصبحت السلع الغذائية لمن استطاع إليها سبيلا.. 
 
وما من شكٍ أن هذه المبادرة أجبرت تجار التجزئة على النزول بأسعار بعض السلع  بضعة جنيهات، لكن- رغم الدعوات الطيبات التي تلقتها الداخلية من المواطنين على هذه المبادرة- هناك بعض التساؤلات والملاحظات التي لا يمكن إغفالها.. فأولًا: أين كان جهاز حماية المستهلك وهو يرى الأزمة تستفحل،  والمواطن يجأر بالشكوى؟ وأين كانت مباحث التموين والتجارة في القاهرة والمحافظات، وهي ترى هذا الارتفاع الجنوني للسلع؟ ثم كيف لنا أن نصدق الحديث عن ضبط الأسواق، ونحن نرى هذه الظاهرة باتت تتكرر على فترات متقاربة؟ 
 
ثانيًا: التحرك الحكومي «المحمود» كان من المفترض أن يكون قبل الأزمة، ويحول دون تفاقمها، لكنه- للأسف- اكتفي برد الفعل، والعمل بمقولة: «أن تأتي متأخرًا أفضل من أن لا تأتي»!
 
ثالثًا: تقول الحكمة: «مَنْ أمن العقوبة أساء الأدب»، ونقول في الفلسفة الشعبية: «اضرب المربوط يخاف السايب»؛ لذا فإن ردع المحتكىرين والجشعين، لن يكون بحملات مفاجئة ومصادرة بضاعتهم فقط، وإنما بالرصد الدائم، والمراقبة الدقيقة الفاعلة، والمتابعة المستمرة، وملاحقتهم قانونيًا، وعدم التهاون معهم قضائيًا.
 
رابعًا: مع بالغ احترامي وتقديري الكاملين الداخلية، ووزيرها اللواء محمود توفيق، إلا أن هذه المبادرة ليست من صميم عملها، بل ليس مطلوبًا منها القيام بهذا الدور؛ لأن دورها الأساسي مراقبة الأسواق وتنفيذ القانون على المخالفين، من خلال رجال الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة.. بينما يتفرغ باقي رجالات وأبطال الوزارة للقيام بمهام أسمى.
 
خامسًا: إذا فعلنا القانون بمنتهى العدل والحزم على كل المخالفين، والفاسدين، والمحتكرين، والجشعين، فلن تتكرر هذه الأزمة، ولن تجد وزارة الداخلية- ولا غيرها- نفسها مضطرة لأن تلعب دور التاجر الوسيط، الذي يبيع السلعة لصالح تاجر أكبر؛ مقابل عمولة بسيطة أو قد يكون المقابل كلمات شكر وبضع دعوات طيبات من المواطنين الشقيانين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق