سر الهجوم على البخاري ومسلم!

السبت، 24 نوفمبر 2018 09:10 ص
سر الهجوم على البخاري ومسلم!
أيمن عبد التواب يكتب:

إذا سألتك عن عدد زملائك المتفوقين الذين كانوا معك في سنوات الدراسة، فربما تذكر اسمين أو ثلاثة أو خمسة.. لكن إذا سألتك عن العباقرة من أقرانك، فقد لا تذكر اسمًا واحدًا، وهذا أمر يستقيم مع العقل والمنطق؛ فالحياة هرم قاعدته العوام، وكلما ارتقينا لأعلى تقل النسبة؛ حتى نصل إلى رأس الهرم، ونرى خواص الخواص، وهم العباقرة الذين قلما يجود الزمان بمثلهم.. معنى ذلك أن النوابغ والعباقرة- في شتى المجالات- شيء نادر جدًا، وربما تمر أعوام ولا نسمع عن نابغة واحد.
 
خلال سنوات دراستنا قابلنا «أغبياء» أو «بلداء»، لا يحفظون آية، ولا حديثًا، ولا قصيدة، ولا حتى نظرية رياضية، مهما أعاد وأزاد المدرس في الشرح أو القراءة.. هذا هو جهدهم، ولو حاول أي أحد أن يفتح رأس هؤلاء ويضع فيها الآيات والأحاديث والقصائد والنظريات، ما احتفظ بها.. 
 
وفي المقابل صادفنا تلاميذ أو طلاب عباقرة- للأمانة أنا لستُ منهم- كانوا يحفظون المقررات من أول أو ثاني مرة.. ومن الحماقة أن يقيس «البليد» قدرات عقله على عقل نابغة الفصل، الذي اصطفاه الله- عز وجل- ووهبه عقلًا لم يهبه لكثير من خلقه.. 
 
ما سبق مقدمة لا تنفصل عن سر الهجوم على البخاري ومسلم، صاحبي الصحيحين، فبعض (المفكرين/ المثقفين/ النخبة/ لتنويريين/ دعاة التجديد) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون العداوة له، يرون استحالة أن يحفظ الإمامان هذا الكم الهائل من الأحاديث المنسوبة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم.. وقالوا في حقهما كلامًا لا يليق بمقامهما الرفيع، على الرغم من أن كثيرًا من هؤلاء لا يستطيعون قراءة الآيات والأحاديث، بل إن بعضهم بدون ذكر أسماء، (مصطفى راشد، وأحمد عبده ماهر) ارتكب حماقات لو ارتكبها غيرهما لتواروا خجلًا.. فالأول لم يعرف مَنْ هو الإمام مسلم، وأخطأ في اسمه على الهواء، والثاني اتهم الإسلام بأنه دين الكراهية والحقد.. وما زال الاثنان يملآن الدنيا مناحة وعويلا..
 
البخاري استغرق في تحرير مصنفه- «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه»، المعروف باسم «صحيح البخاري»- ستة عشر عامًا، وانتقى أحاديثه من نحو ستمائة ألف حديث جمعها.. والإمام مسلم استغرق في تحرير مصنفه «المسند الصحيح»- الشهير بـ«صحيح مسلم» خمسة عشر عامًا، وانتقاها من ثلاثمائة ألف حديث من محفوظاته.. ولولا المنهج الذي اتبعاه، وألزما به نفسيهما، لكنا أمام أضعاف أضعاف هذا العدد من الأحاديث..
 
قطعًا الذاكرة الحافظة لصاحبيّ الصحيحين تختلف عن ذاكرتنا، كما تختلف عن ذاكرة الذين لا ينفع معهم التكرار الذي يُعلم الشطار، أو يُعلم كائنات أخرى.. وإذا كان البعض يعيب على الإمامين حفظهما آلاف الأحاديث برواتها، فماذا يقولون عن الإمام الشافعي، الذي يُروى عنه أنه كان يحفظ الصفحة والصفحة المقابلة لها بمجرد أن تقع عيناه عليها؟ وماذا يقولون عن العصر الجاهلي الذي كان فيه كثير من الناس يحفظون المعلقات التي يزيد عدد أبياتها على المائة بيت من أول مرة؟ وماذا عن أبي جعفر المنصور، الذي كان يحفظ القصيدة من أول مرة، مهما كان طولها، وكان عنده غلام يحفظها من المرة الثانية، وعنده جارية تحفظها من المرة الثالثة؟
 
فإذا ما قفزنا إلى عصرنا الراهن، رأينا بعض الموهوبين الذين يتمتعون بذاكرة فوتوغرافية، ولديهم  ما ليس لغيرهم من ملكات الحفظ، وإجراء العمليات الحسابية المعقدة.. فهل نستكثر على البخاري ومسلم موهبتهما التي أنعم الله بها عليهما؟ أم أن الهجوم عليهما تكئة للتشكيك في أشياء أخرى، كالقرآن مثلا؟
 
إن إبليس ما استحق الطرد إلا لأنه قاس علمه المحدود على علم الله المحيط بكل شيء.. فقد صوَّرَ له عقله القاصر أن النار- التي خُلِقَ منها- أفضل من الطين- الذي خُلِقَ منه آدم- عليه السلام- فرفض السجود لأبي البشر.. والذين يهاجمون الإمامين البخاري ومسلم مثلهم كمثل إبليس، يعتقدون أن كل العقول مثل عقولهم العاجزة، وكل الأمخاخ مثل أمخاخهم الفاسدة، وكل الذواكر مثل ذاكرتهم المريضة.. ويقيسون كل شيء على أنفسهم.. هؤلاء الجهلاء الأغبياء البلداء يريدون أن يساووا أنفسهم بالعلماء الأذكياء العباقرة.. 
 
نحن لا نقدس أحدًا إلا الله- عز وجل- ثم التقديس لرسولنا- صلوات الله وسلامه عليه- وفيما عدا ذلك، كل إنسان يؤخذ منه ويُرد، والبخاري ومسلم اجتهدا قدر استطاعتهما، ولا ينبغي لباحث محترم، أو ناقد منصف، أو مفكر مبتدئ أن يتطاول عليهما، أو على أمثالهما، فهما بين يدي الله، ولهما من الله ما يستحقان.. وحسبي ونعم الوكيل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق